عقد المجلس الوطني الفلسطيني: هروب من الأزمات وترسيخ للانقسام؟

عقد المجلس الوطني الفلسطيني: هروب من الأزمات وترسيخ للانقسام؟

20 اغسطس 2017
تريد "فتح" عقد المجلس الوطني بمن حضر(عباس مومني/فرانس برس)
+ الخط -
ربط الرئيس الفلسطيني محمود عباس أكثر من مرة بين عقد المجلس الوطني الفلسطيني، الذي سينتج عنه تشكيل لجنة تنفيذية جديدة لمنظمة التحرير، وإلقاء كلمته في الأمم المتحدة في شهر سبتمبر/أيلول المقبل، والتي من الممكن أن تحمل جديداً حسب ما توحي به تصريحات المسؤولين الفلسطينيين، وقد تتضمن تقديم طلب عضوية جديد لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، أو البقاء في نفس فلك الكلمة السابقة لجهة التلويح بسحب الاعتراف بدولة الاحتلال الإسرائيلي.

وفيما يتحفظ المسؤولون الفلسطينيون عن ذكر أو حتى وضع سيناريوهات لما يمكن أن تحمله كلمة عباس في الجمعية العامة للأمم المتحدة، يبدو أن الانقسام حول عقد المجلس الوطني قد طاول اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير نفسها بين طرفين، أحدهما يريد التشاور مع كل الفصائل الفلسطينية الفاعلة على الأرض، فيما الآخر تُعبّر عنه "فتح" بشكل أساسي وبعض الفصائل الأخرى ويريد التشاور مع فصائل منظمة التحرير واستثناء حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وعقد المجلس الوطني بمن حضر، حسب ما قاله مصدر من اللجنة التنفيذية لـ"العربي الجديد" حول آخر اجتماع لها الأسبوع الماضي. وأكد أكثر من عضو من اللجنة المركزية لحركة "فتح" لـ"العربي الجديد" مثل محمد اشتية ودلال سلامة، أن التشاور لعقد المجلس الوطني سيكون مع فصائل منظمة التحرير فقط وسيُعقد المجلس بصيغته الحالية.

ورأت أوساط سياسية أن عباس يسعى عبر عقد المجلس الوطني بمن حضر، إلى تجديد شرعيات شكلي لهياكل القرار السياسي الفلسطيني، ما يمكّنه من الهروب خطوة للأمام وتقديم المؤسسة السياسية الفلسطينية للعالم وكأنها بخير، في ترتيب للمرحلة المقبلة التي يرى أكثر من مسؤول فلسطيني أنها ترتيب لمرحلة ما بعد عباس، بعد أن فقد الأخير الأمل في إنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي من جهة، وبعد يأسه من إمكانية أن تقدّم الإدارة الأميركية التي تحتكر عملية السلام أي وساطة نزيهة بين الاحتلال الإسرائيلي والفلسطينيين تُنهي على أساسها الاحتلال. كما أن حكومة الاحتلال التي لا تتوقف عن القتل وتدمير المنازل والاعتداء على المقدسات، تعمل منذ سنوات على ترسيخ قنوات للتواصل مع الفلسطينيين بهدف تهميش السلطة الفلسطينية، وتم التعبير عن الأمر جلياً في تقرير نشرته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية في الحادي عشر من الشهر الحالي، ومفاده حسب الخبير في الشؤون الإسرائيلية محمد أبو علان "مضاعفة أعداد العاملين في الإدارة المدنية الإسرائيلية ليرتفع إلى 400 موظف لخدمة المستوطنين و130 لخدمة الفلسطينيين، ما يعني أن الاحتلال باقٍ وينظّم أموره على هذا الأساس". وحسب أبو علان: "بعد توقيع اتفاقيات أوسلو كان التوجّه لتقليص عدد العاملين في الإدارة المدنية من باب أن الانسحاب سيكون من الضفة الغربية، ولكن في ظل تضاؤل إمكانية وجود حل سياسي، وارتفاع عدد المستوطنين، فقد حصلت هزة تنظيمية في جهاز الإدارة المدنية الذي يدير حياة السكان في مناطق (ج)".

ولم تقدّم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ وصوله للحكم مطلع يناير/كانون الثاني الماضي، أي موقف واضح حول حل الدولتين ووقف الاستيطان والهدف من المفاوضات مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما تصر عليه القيادة الفلسطينية، التي بدأت تفهم أن المناورة مع إدارة ترامب قد يكون ثمنها كبيراً، في ظل تنصّل إدارة ترامب من أي موقف واضح حول المحددات الفلسطينية المذكورة، وإصرارها على التعاون الفلسطيني الإسرائيلي في مسارات أمنية واقتصادية فقط، والطلب بوضوح من القيادة الفلسطينية قطع رواتب الشهداء والأسرى والجرحى، ومنع التحريض وتصميم المناهج الفلسطينية حسب الطلب الإسرائيلي.

أما على صعيد قطاع غزة، فيدرك عباس أنه بعد تفاهمات القيادي المفصول من "فتح" محمد دحلان وحركة "حماس" برعاية مصر، أصبح حلم إنهاء الانقسام أبعد، وهو يمضي في إجراءاته العقابية ضد القطاع. وحسب ترجيح قيادي فتحاوي طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، فهذه العقوبات "يمكن أن تصل إلى ذروتها بعدم تحويل أي مبلغ مالي ووقف كل الخدمات الحكومية من السلطة في الضفة الغربية إلى قطاع غزة مع مطلع عام 2018".
وبناء على ما سبق يبدو عقد المجلس الوطني الفلسطيني أفضل الوصفات لتجاوز مواجهة كل ما ذُكر، وتقديم قيادة لن تحمل الجديد في الشكل والمضمون، لكن سيُلقى على عاتقها تصدّر المشهد السياسي مع تبرير شرعي لوجودها.

وحول ما قد تعده القيادة الجديدة من قرارات أو مواقف في خطاب عباس، رفض عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أحمد مجدلاني الإدلاء بأي تصريح حول مضمون خطاب الرئيس الفلسطيني، مكتفياً بالتأكيد أن "كلمة الرئيس عباس سيكون فيها مضمون مختلف". وأوضح مجدلاني أن "الرابط بين كلمة الرئيس وعقد المجلس الوطني، له علاقة بتوجّهات مستقبلية بعد ذلك، بأن المنظمة هي المرجعية والمجلس الوطني هو برلمان الدولة، واللجنة التنفيذية هي حكومة الدولة، وقد يكون الحديث ربما بالتفكير بالإعلان عن الدولة من جانب واحد، هذا سيناريو مطروح وكل هذا قيد البحث". وتابع: "ما زال هناك وقت لعقد جلسة المجلس الوطني وانتخاب لجنة تنفيذية لمنظمة التحرير في النصف الأول من سبتمبر المقبل، وكلمة الرئيس ستكون في النصف الثاني من ذلك الشهر".


وعن التشاور مع حركتي "حماس" و"الجهاد" حول عقد المجلس الوطني، قال مجدلاني: "التشاور فقط سيكون مع فصائل منظمة التحرير، لن يكون هناك تشاور مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي لأنهما ليستا عضوين في منظمة التحرير الفلسطينية"، وتابع: "لماذا يتم التشاور مع حماس وجلبها إلى المنظمة وهي من قامت بالانقلاب في قطاع غزة؟ وبالتالي لا نريد نقل الانقسام إلى منظمة التحرير".

وشهد صيف 2015 حراكاً كبيراً لعقد المجلس الوطني بعد تقديم غالبية أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير استقالاتهم تمهيداً لعقد المجلس الوطني، لكن سرعان ما فشلت الجهود بسبب رفض قيادات فتحاوية كبيرة لآلية توزيع المناصب في تنفيذية المنظمة، الأمر الذي دفع عباس إلى عقد المؤتمر السابع للحركة شتاء 2016، لحسم الأمر، وفي ذات الصيف تم التشاور مع حركة "حماس" حول عقد المجلس الوطني.
وعلّق مجدلاني على ذلك بالقول: "التشاور المرة الماضية مع حركة حماس حول عقد المجلس الوطني، كان مرتبطاً بالمصالحة وإنهاء الانقسام، لكن هذه المرة من الواضح أن حماس ذاهبة نحو الانفصال، لذلك سيكون التشاور لعقد المجلس الوطني مع مكوّنات منظمة التحرير"، مضيفاً: "حركة فتح جاهزة للمجلس الوطني، عكس المرة الماضية".

أما عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير عن "الجبهة الديمقراطية" قيس عبد الكريم، فله رأي مخالف لمجدلاني، إذ قال لـ"العربي الجديد" إن "التشاور يجب أن لا يقتصر على فصائل منظمة التحرير، ونعتقد أن الإعداد الأفضل للمجلس يكون عبر دعوة اللجنة التحضيرية التي اجتمعت في بيروت في يناير الماضي، والتي شاركت فيها جميع الفصائل الفاعلة في الساحة الفلسطينية، بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي"، مضيفاً: "ذلك كي تُبحث الأسباب التي أعاقت تنفيذ قرارات اللجنة التحضيرية، وسبل تجاوز هذه العقبات أو إيجاد البدائل التي تكفل انعقاد المجلس بأسرع وقت ممكن، ليقوم بوظيفته في مراجعة المسيرة السابقة بعد أن وصلت إلى المنعطف الذي نحن فيه، ووضع برنامج المرحلة المقبلة، وانتخاب هيئات منظمة التحرير بما يكفل تجديدها وتعزيز متانة وضعها، بمشاركة جميع القوى الفلسطينية، ليكون مجلساً للوحدة الوطنية وليس لتفرقة الصف الوطني".

وتم التوافق في اجتماعات اللجنة التحضيرية في يناير الماضي، التي حضرتها جميع الفصائل الفلسطينية في بيروت، على عقد مجلس وطني توحيدي بمشاركة كافة القوى الفلسطينية، وأن يُشكّل بالانتخاب الديمقراطي حيثما أمكن وبالتوافق حيث يتعذر الانتخاب. ورأى الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري "أنه من الخطر جداً عقد مجلس وطني بمن حضر ومن دون رؤية وبرنامج شراكة وطنية". وكتب المصري في مقال حول هذا الموضوع: "في وضع كهذا، تتفاقم مخاطر تحويل عقد المجلس الوطني بمن حضر ومن دون رؤية وبرنامج وشراكة وطنية، إلى محطة في سياق تعميق الانقسام الداخلي، بنقله من صراع على مؤسسات السلطة، إلى صراع مفتوح على شرعية التمثيل، بدلاً من اعتباره محطة لاستنهاض الحالة الوطنية والشعبية في مواجهة الاحتلال والاستيطان، بما يهدد بإنهاء وحدانية التمثيل الفلسطيني المستندة إلى مشروع وطني واحد قائم على الرواية والحقوق التاريخية ووحدة القضية والأرض والشعب".

المساهمون