خيارات "حماس" ضد عقوبات عباس: مسيرة العودة وجبهة وطنية

خيارات "حماس" ضد عقوبات عباس: مسيرة العودة وجبهة وطنية

21 مارس 2018
بدا خطاب عباس وكأنه خطاب وداع (عصام ريماوي/الأناضول)
+ الخط -
بات المشهد الفلسطيني العام، مرشّحاً لمزيد من التدهور الداخلي الذي يضاف لما يمكن وصفه بالمؤامرة الخارجية، في أعقاب الخلاف الحاد بين قطبي الساحة الفلسطينية، "فتح" والسلطة المنبثقة عنها، و"حماس". ومع هذا التدهور، دخلت المصالحة المتعثّرة منعطفاً خطيراً، وأضحت فعلاً لا قولاً، أمام طريق مسدود، مع تبادل الاتهامات الجديدة بين الرئاسة وحركة "فتح" من جهة، وحركة "حماس" من جهة أخرى، وسط تهديدات بعقوبات جديدة، أطلقها الرئيس محمود عباس أخيراً.

وتصاعد الخلاف بين "فتح" و"حماس" عقب حادثة محاولة اغتيال رئيس الحكومة رامي الحمدالله ورئيس جهاز الاستخبارات العامة اللواء ماجد فرج، شمالي قطاع غزة يوم الاثنين من الأسبوع الماضي. ورغم عدم اكتمال التحقيقات حتى الآن، التي تجريها أجهزة أمن غزة، إلا أنّ السلطة وفتح والحكومة حمّلت حركة "حماس" المسؤولية عنها. وأضفى الرئيس عباس في خطابه الأخير، شرعية رسمية على الاتهامات التي كانت تحمّل "حماس" في البداية مسؤولية الحدث لأنها مسؤولة عن أمن غزة، ليتطوّر الأمر إلى تحميلها المسؤولية عن التنفيذ والتخطيط والإشراف، رغم أنّ كثيرين يعتبرون ذلك اتهاماً سياسياً غير مبني على معطيات.

لكن "الأصعب" في خطاب عباس، كان تهديده المباشر بفرض إجراءات (عقوبات) مالية وإدارية وسياسية على قطاع غزة. ورغم عدم إعلانه تفاصيل أخرى، إلا أنّ التوقعات تشير إلى نية السلطة وقف تحويل أموال الكهرباء إلى سلطات الاحتلال ما يعني استفحال الأزمة، ووقف التحويلات الطبية، وربما تصل إلى وقف دفع رواتب سبعين ألف موظف يعملون في مؤسسات السلطة الفلسطينية في القطاع. وكان لافتاً جداً أن كلام عباس أول من أمس، جاء مطابقاً تماماً لما "تنبّأ" به وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان حين حذر من أن عباس يسعى إلى تفجير مواجهة عسكرية بين حماس وبين دولة الاحتلال، عبر استغلال عملية تفجير موكب رامي الحمد الله. وقال ليبرمان للقناة الإسرائيلية الثانية إن عباس "يسعى إلى زيادة تردي الأوضاع في قطاع غزة، من خلال زيادة العقوبات الاقتصادية على حكومة حماس، ووقف دفع الأموال عن الكهرباء والمياه والصحة والرواتب لقطاع غزة"، متوقعاً أنه "في اللحظة التي سيتوقف فيها عباس عن تحويل الأموال لتغطية هذه المجالات، فسوف تتدهور الأوضاع أكثر".

وفرضت السلطة الفلسطينية في الربع الثاني من العام الماضي عقوبات على قطاع غزة أدّت إلى شلل اقتصادي ومالي وتدهور معيشي غير طبيعي، وأوصلت القطاع إلى حافة الانهيار إن لم يكن الانهيار الحقيقي. ولم ينجح اتفاق أكتوبر/تشرين الأول الماضي بين "حماس" وفتح" في إنهاء العقوبات التي شملت الموظفين وقطاعات الكهرباء والصحة والتحويلات الطبية. وإذا حدث ذلك، وهو السيناريو الأسوأ، فإنّ الوضع في غزة سيصبح مهيّأ تماماً لحرب جديدة مع إسرائيل، ستجد فيها "حماس" ومعها الفصائل الأخرى، السبيل للخروج من المأزق الذي تعيشه غزة، ويهدد القضية الفلسطينية برمتها.


واشترط عباس على "حماس"، ومثله فعلت حكومة "الوفاق"، تسليمها قطاع غزة دفعة واحدة لتتولى المسؤولية الكاملة عنها، إذا أرادت المصالحة وإنهاء الانقسام، في حين أنه ينظر إلى ذلك في غزة على أنه فرصة للتهرب من استحقاقات المصالحة، وخصوصاً في ملفي الأمن والموظفين الذين عملوا خلال فترة حكم "حماس".

وكانت لافتة الدعوة التي أطلقتها "حماس" للرد على خطاب عباس، إذ طالبت بالذهاب إلى انتخابات عامة رئاسية وتشريعية ومجلس وطني "كي ينتخب الشعب قيادته ومن هم أهل لتحقيق الوحدة وتحمّل المسؤولية ورعاية مصالحه". ولكن فكرة الانتخابات بحدّ ذاتها في ظلّ الانقسام الحاصل، لن تجلب إلا مزيداً من الانقسام، خصوصاً أنّ تجربة الانتخابات البلدية السابقة التي كان من المفترض أن تجرى قبل أكثر من عام، توقّفت نتيجة تنازع صلاحيات المحاكم بين غزة والضفة الغربية. وتقول مصادر في "حماس" لـ"العربي الجديد"، إنّ الحركة "ليس لديها نية لإعادة السيطرة على حكومة غزة (إعادة تشكيل اللجنة الإدارية الحكومية)"، وأنها "أبلغت الفصائل بذلك صراحة، إذ أنها تعتبر نفسها خارج إطار الانقسام في ضوء ما قدمته من تسهيلات في سبيل الوصول للمصالحة".

وتشير المصادر إلى أنّ "حماس" تسعى لتشكيل "جبهة وطنية" من الفصائل والقوى، في مواجهة "تغول" السلطة الفلسطينية ضد غزة، لكنّ ذلك يبدو صعباً إنّ لم يكن مستحيلاً، في ظلّ حسابات القوى الوطنية والإسلامية الفردية والخاصة، وارتباط بعضها بـ"منظمة التحرير" التي يتحكّم بها عباس، ورغبة القوى بالابتعاد عن هذا المربع. ولا تملك "حماس" الكثير من الخيارات لمواجهة العقوبات الجديدة، لكنها تعتقد أنّ مسيرات العودة التي يجري التخطيط لإطلاقها بشكل متدرّج، ستحرّك الأوضاع في القطاع المحاصر، وستلفت الانتباه للأوضاع المأساوية التي يعيشها مليونا فلسطيني، وهو أحد خياراتها المحدودة لتجاوز حالة التدهور المعيشي والإنساني.

كما أنّ الفصائل الأخرى، لا تملك وسائل ضغط حقيقية على الطرفين، ولا يمكنها العمل على احتواء الأزمة الراهنة، كما لم تستطع في الأزمات الأقل صعوبة أنّ تفعل شيئاً، ما بات يقلق الفلسطينيين الذين باتوا يتقدمون على الفصائل والأحزاب في البحث عن مخرج.

من جهة أخرى، بدا خطاب عباس وكأنه خطاب "وداع"، فالرجل للمرة الأولى يخرج عن دبلوماسيته المعهودة، إذ استخدم مفردات حساسة في وصف السفير الأميركي لدى الاحتلال الإسرائيلي، ديفيد فريدمان، وهو بالتأكيد لم يقل ذلك عبثاً. ووصف عباس فريدمان بأنه "ابن كلب"، بسبب تأييده للمستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة.

ويعتقد فلسطينيون أنّ رسائل من أطراف مختلفة وصلت إلى عباس، بأنّ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وحلفاءها في المنطقة العربية، باتوا يعدون العدة لاستبداله من منصبه، والمجيء بشخصية جديدة، قادرة على التماشي مع مخططات تصفية القضية، وما بات يعرف بـ"صفقة القرن".

وهناك مؤشرات كثيرة على هذا الاعتقاد، إذ أنّ العلاقة بين عباس ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي الذي أنيط به جزئياً تمرير "صفقة القرن"، تمرّ بأزمة حقيقية، في ظل محاولة مصر تجنب الانفجار في قطاع غزة الذي سيطاولها بالتأكيد. ولوحظ أنّ الزيارات التي كان يقوم بها عباس بانتظام إلى مصر، توقفت، وظلّت العلاقة حبيسة اتصالات هاتفية قصيرة.