لقاء برلين من أجل ليبيا: آمال لا تتخطى التهدئة

لقاء برلين من أجل ليبيا: آمال لا تتخطى التهدئة

27 أكتوبر 2019
سيسعى اللقاء لفرض وقف لإطلاق النار (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

في ظلّ الجمود الميداني في ليبيا بعد هجوم اللواء المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة طرابلس، والذي بدأ في إبريل/نيسان الماضي وأدى إلى إسقاط مساعٍ لعقد مؤتمر دولي لبحث الحلّ الليبي، تبرز من جديد جهود دولية في هذا الاتجاه، وسط تأكيدات متزايدة على "استحالة الحسم العسكري" لأي من طرفي الصراع. أهم هذه الجهود تتمثل في استعداد العاصمة الألمانية برلين لاستضافة مؤتمرٍ يهدف إلى بلورة رؤية دولية موحدة لحلّ الأزمة الممتدة منذ سنوات، فيما تتفاوت التقديرات حول مدى نجاحه.

وبعد دعوة المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، خلال إحاطة قدّمها إلى أعضاء مجلس الأمن الدولي في أغسطس/آب الماضي، الدول الفاعلة في الملف الليبي لضرورة إنهاء خلافاتها وتطوير رؤية موحدة للحلّ في هذا البلد، أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في العاشر من سبتمبر/أيلول الماضي، أن بلادها ستلعب دورها لتجنّب نشوب حرب بالوكالة في ليبيا، محذرةً من أن الوضع هناك ينذر بزعزعة استقرار أفريقيا بأسرها. وقالت ميركل، في كلمة أمام البرلمان الألماني، إن "هناك وضعاً يتطور في ليبيا، وقد يأخذ أبعاداً مثل التي شاهدناها في سورية، لذا من الضروري أن نبذل كل ما في وسعنا لضمان عدم التصعيد إلى حرب بالوكالة، وستقوم ألمانيا بدورها".


لكن وعلى الرغم من تسرب الكثير من المعلومات حول اللقاء الدولي، إلا أنه لم يتم رسمياً تحديد موعده، ما صعّب أي تكهنات حول ما يجري خلف كواليس المشاورات الدولية لجهة موعد المؤتمر وأجندته. وعلى صعيد الأطراف الدولية المشاركة، أكدت فرنسا، وهي إحدى الدول الفاعلة في الأزمة الليبية، أن لا "حلّ عسكرياً في ليبيا"، مشددة على ضرورة العودة إلى العملية السياسية. كما أعلنت السفارة الأميركية في ليبيا، الأسبوع الماضي، عزم سفيرها، ريتشارد ترولاند، المشاركة في الاجتماعات التحضيرية لمؤتمر برلين حول ليبيا، وتأييدها الكامل لهذه الاجتماعات التي تتم تحت رعاية المبعوث الأممي إلى ليبيا.

ولا شكّ بأن توقيت هجوم اللواء المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة طرابلس، والذي أجهض عقد لقاء سياسي ليبي شامل كان مقرراً منتصف إبريل/نيسان الماضي، جعل، أو أوحى، أن بداية أي حل للأزمة الليبية سيكون منحصراً في كيفية وقف الصراع العسكري الدائر حول طرابلس. من جهتها، أكدت حكومة الوفاق الليبية، رفضها لأن يكون حفتر "شريكاً في الحوار"، بسبب تقويضه المتواصل لجهود الحّل وهجومه العسكري على طرابلس، ما عقّد إمكانية الوصول إلى تسوية ترضي جميع الأطراف الليبية مستقبلاً، بحسب ما رأى المحلل السياسي الليبي سعيد الجواشي.

واعتبر الجواشي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المناخ العام في ليبيا لا يوحي بإمكانية قبول أي تسوية على الصعيد السياسي في المرحلة الراهنة، فتداعيات الحرب لا تزال قائمة، وهناك آلاف النازحين والقتلى والجرحى من الطرفين"، مشيراً كذلك إلى أن القبول بأي تسوية قد خرج من أيدي قادة الطرفين، فمقاتلو المعسكرين يرفضون اليوم أي شكل من أشكال اللقاء المباشر والحوار للشراكة.

وعلى الرغم من قدرة أطراف خارجية لعبت دورها في تأجيج الصراع في ليبيا، عبر دعمها هذا أو ذاك من الطرفين، على التقليص من حدّته، إلا أن الجواشي استبعد إمكانية نجاح أي محاولة لإقناع أفرقاء الحرب بنسيان آثارها المدمرة سريعاً. أما على مستوى النتائج المتوقعة من لقاء برلين، فلم يجد الباحث الليبي أسباباً تدعو للتفاؤل، لأن "دولاً رئيسية باللقاء تدعو للحلّ السياسي تواصل تقديم الدعم العسكري لحفتر".

في المقابل، رأى الباحث الليبي في الشؤون السياسية، مروان ذويب، أن بإمكان لقاء برلين أقلّه "وقف نزيف الحرب، وهو مطلب ملح يتقدم على الحل السياسي في الوقت الراهن"، معتبراً أن تصريحات مسؤولي الدول الكبرى عن ضرورة مراقبة تطبيق حظر توريد السلاح لليبيا "تخدم هذا الاتجاه".

ولفت ذويب، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "البعثة الأممية ودول الجوار وغيرها تعلم علم اليقين أن أزمة وحرباً امتدت طوال هذه السنوات، وتعقدت إلى هذا المدى، يصعب حسمها في أيام معدودة، لكن الحراك الدولي في العاصمة الألمانية قد يشكل أولى خطوات تفكيك الأزمة في مستواها الخارجي"، معتبراً أن مجرد تشديد المجتمع الدولي على ضرورة عقد لقاء دولي للوصول إلى رؤية موحدة بشأن ليبيا، يشكل إقراراً منه بدوره في تعقيد هذه الأزمة.

بدورها، تدرك البعثة الأممية إلى ليبيا، بحسب الباحث، أن تضارب المصالح الدولية، هو جزء من أسباب تعقّد المشهد، ولذا فهي تسعى اليوم إلى إدارة الأزمة بنهجٍ مختلف، إدراكاً منها أن تأثير التوافق الخارجي سيكون مباشراً على توجهات وسلوك المتصارعين محلياً". واعتبر ذويب أن المؤتمر لا يستطيع الذهاب أبعد من إمكانية التوافق الخارجي على رؤية الحل، ما لن يتمخض على الأرض سوى بفرض وقفٍ لإطلاق النار وتجميد الوضع، إلى حين التقدم لاحقاً لما قد يوصل إلى عقد لقاء شبيه بمؤتمر غدامس للحوار الوطني، والذي يردد سلامة اليوم بأنه "معلّق حتى إشعار آخر".