البرازيل تودّع حكم اليسار بأسوأ الطرق: تامر رئيساً بـ2%

البرازيل تودّع حكم اليسار بأسوأ الطرق: تامر رئيساً بـ2%

12 مايو 2016
من الشعارات المنددة بتامر (كريس فاغا/Getty)
+ الخط -
بعد فترة طويلة من الترقّب، بدأت منذ الصيف الماضي، انتهت، يوم الخميس، مسيرة رئيسة البرازيل ديلما روسيف، بإقصائها من الرئاسة، وذلك بعد صراعٍ طويل مع الشرطة الفيدرالية، التي تشنّ حرباً بلا هوادة ضد "الفساد" في البلاد، بدأت منذ إطلاق عملية "غسيل السيارات"، التي طاولت شركة "بتروبراس" النفطية، وإفرازاتها السياسية والشعبية، عام 2014.

لم تنتهِ الأمور عند حدّ الإقالة، ففي جلسة وُصفت بـ"التاريخية"، صوّت مجلس الشيوخ بغالبية 55 عضواً من أصل 81، على محاكمة روسيف بتهمة "التلاعب بالحسابات العامة"، بينما عارض 22 عضواً ذلك. وكما كان متوقعاً فقد تولّى نائبها، اللبناني الأصل، الذي تخلّى عنها منذ أشهر عدة، ميشال تامر، السلطة، إلى حين صدور الحكم النهائي لمجلس الشيوخ بحق الرئيسة السابقة خلال ستة أشهر.

ووصف أحد معاوني روسيف، الوضع في القصر بأنه "حزين"، كما أكدت سيدة تعمل في مكتب الرئيسة السابقة، بأن "الأجواء حزينة هنا، إذ يبحث كثيرون منا عن فرصة عمل. ونحن لا نريد أن نعمل مع نائب الرئيسة". وخوفاً من حصول صدامات، وضعت السلطات عوائق معدنية أمام مجلس الشيوخ للفصل بين متظاهري الطرفين.

أن تخرج روسيف، البلغارية الأصل، من الباب الخلفي، يُعتبر من أكثر اللحظات حزناً في مسيرتها. روسيف كانت من الذين ناضلوا ضد الحكم العسكري في البرازيل، وشاركت في أواخر ستينيات القرن الماضي، بنشاط في العملية الثورية في البلاد. وعلى مدى عدة سنوات انتمت روسيف إلى تنظيمات مسلحة سرية، لكنها لم تشارك في الأعمال العسكرية بصورة مباشرة، على الرغم من تداول سكان ساو باولو أخباراً عن إلقاء الرئيسة السابقة، قنابل "مولوتوف" على ثكنات تابعة للجيش البرازيلي في المدينة.

كما دفعت روسيف ثمن معارضتها العسكر، باعتقالها في عام 1970، فتعرّضت في السجن للضرب والتعذيب بالصدمات الكهربائية. وبعد إطلاق سراحها أواخر 1972، شغلت منصب أمينة صندوق بمدينة بورتو أليغري، ورئيسة صندوق الاقتصاد والإحصاء غير الحكومي أيضاً، قبل أن تنخرط في السياسة.

بإقصاء روسيف عن السلطة، ينتهي حكم حزب "العمال" اليساري في البرازيل، الذي دام 13 عاماً، بقيادة الرئيس السابق، لويس ايناسيو لولا دا سيلفا "لولا"، بأبشع طريقة ممكنة. مع العلم أن "العمال" دفع البلاد إلى تحقيق طفرة اقتصادية واجتماعية، هي الأفضل له، منذ مرحلة ما بعد الحكم العسكري في البرازيل (1964 ـ 1985). لكن فضائح "بتروبراس"، أكبر شركة نفطية في القسم الجنوبي من العالم، وتورّط معظم أركان الطبقة الحاكمة في الفساد، كشفت عن هشاشة النزاهة في البلاد.

في البرازيل، لم يكن أحد يتوقع مواصلة الشرطة الفيدرالية عملها، والإطباق على المتوّرطين بالفضيحة، الذين كان من بينهم الرئيس السابق "لولا" بالذات، الذي أنجدته روسيف بتعيينه رئيساً لديوان الحكومة، وهو المنصب الأعلى فيها، في مارس/آذار الماضي. وذلك بموازاة بدء المعارضة البرازيلية، جهودها البرلمانية، ثم في مجلس الشيوخ، لإطاحة روسيف.

حاولت روسيف الاستناد على نائبها تامر، رئيس حزب "الحركة الديمقراطية البرازيلية". لكن الأخير تعامل مع الموضوع بكثيرٍ من الدهاء. وضع نفسه جانباً في البداية، ثم تخلّى عنها. اعتبرت روسيف أن "تامر غدرها لصالح أحلامه الرئاسية"، لكن الرئيس البرازيلي الجديد، لم يأبه لذلك بفعل تحقيقه حلماً سعى وراءه لأكثر من 30 عاماً، ولو أنه لا يحظى سوى بثقة 2 في المائة فقط من البرازيليين.

ليس هذا فحسب، بل إن تامر يُعتبر من رموز الفساد في البرازيل، لكنه يعوّل على حصانة تمتدّ لستة أشهر على الأقلّ، قبل اتهامه بشيء أو اتخاذ أي إجراء بحقه، وفقاً للقضاء البرازيلي. وعلى العكس من "العمال"، فإن تامر يهادن الشرطة الفيدرالية، رأس الحربة في مواجهة "بتروبراس"، في محاولة منه للتهرّب من أي تهمة لاحقة.

على أن "لائحة" الفاسدين في البرازيل، لا تقتصر على روسيف ولولا وتامر، بل تطاول أيضاً رئيس البرلمان إدواردو كونيا، ورئيس مجلس الشيوخ رينان كاليروس، المنتميين إلى حزب تامر، لكنهما لم يكونا دائماً على علاقة جيدة به، خصوصاً حين دعا بعض نواب الحركة لدعم روسيف، متهمين تامر بـ"الانزلاق وراء رغبته الشخصية".

مع العلم أن كاليروس، سبق أن أُقيل من منصبه كرئيس مجلس الشيوخ في المرة الأولى عام 2007، للاشتباه بضلوعه في عمليات تبييض أموال عبر مصنع للجعة بمبالغ تتجاوز الـ27 مليون دولار، قبل أن يُعاد تعيينه، وما زال، في المنصب، منذ عام 2013.

ولا تبدو البرازيل في طور التحوّل إلى الهدوء بعد انتهاء قضية روسيف، بل تُرجّح المصادر في البرازيل استمرار حملات الشرطة الفدرالية، التي يقف وراءها القاضي سيرجيو مورو. يُصنّف مورو، في الأوساط اليسارية، بأنه "الرجل الأميركي" في البرازيل، فعدا كونه أحد الطلاب السابقين في جامعة هارفارد الأميركية عام 1998، إلا أن مساره في السلك القضائي، اتخذ بعداً أوسع، مع زيارته المعاهد والوكالات الحكومية في الولايات المتحدة عام 2007، مطّلعاً على الأنظمة ووسائل التعامل القضائية مع جرائم غسيل الأموال.

وقد أدى كل ذلك، إلى قيادة مورو، عمليات قضائية عدة، كعملية "غسل السيارات"، التي طاولت روسيف ولولا، وعملية "بانيستادو" المتعلقة بحرب العصابات والتي أدت إلى محاكمة 97 فرداً من رجال العصابات. كما يقود مورو عملية "فارول دا كولينا"، المتعلقة بغسيل الأموال، والتي أُلقي القبض فيها على 103 مشتبهاً بهم في تبييض الأموال، والتهرّب من دفع الضرائب وجرائم أخرى.

الآن، أمام البرازيل ستة أشهر قبل تقرير مصير روسيف القضائي، وفي غضون ذلك، سيحكم تامر مرتاحاً. وربما سيُمهّد لمعركة رئاسية مقبلة في عام 2018، على اعتبار أنه "يُكمل ولاية روسيف فقط"، ولا يرأس البلد لولاية أصيلة. على أن مهمته الرئيسية تتمحور حول تأمين الوضع الرياضي لدورة الألعاب الأولمبية الصيفية، المقررة بين 5 أغسطس/آب المقبل و21 منه، في مدينة ريو دي جانيرو الساحلية. 

دلالات

المساهمون