مؤتمر ميونخ للأمن بعيون إسرائيلية

مؤتمر ميونخ للأمن بعيون إسرائيلية

24 فبراير 2018
هدد نتنياهو خلال المؤتمر بضرب إيران بشكل مباشر(فرانس برس)
+ الخط -
اعتبر مدير مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، عاموس يادلين، والباحث أساف أوريون، أن مداولات "مؤتمر ميونخ للأمن" تعكس صورة مقلقة للأمن الإسرائيلي، خصوصاً في ظلّ التحديات التي تواجه الأمن العالمي عموماً، بفعل التغييرات الأمنية والاستراتيجية العالمية وما يرافقها من تحوّلات في الاقتصاد العالمي أيضاً، وتطوّر التكنولوجيا.


وبحسب الكاتبين في ورقة أطلقا عليها عنوان "انطباعات من مؤتمر ميونخ للأمن"، فإنه في الوقت الذي تقف فيه كوريا الشمالية على رأس نقاط التوتر العالمية التي تهدّد السلم العالمي، فإن إحدى أهم نقاط التوتر الإقليمية التي تؤثر على الأمن الإسرائيلي في الوقت الراهن هي سورية، وذلك بعد تراجع حدة المعارك والقتال فيها، واقتراب الحرب الأهلية من نهايتها.

سورية أهم نقاط التوتر الإقليمية

والعامل الأخطر في هذا السياق، بحسب الكاتبين، هو تحوّل سورية والصراع فيها من حرب أهلية إلى ساحة مواجهة مباشرة بين دول عظمى (روسيا، الولايات المتحدة، تركيا، إيران وإسرائيل)، وهي تشكّل بالتالي نقطة توتر تهدّد السلم العالمي أكثر من حالتها السابقة كحرب أهلية داخلية.

ويشير الكاتبان، في هذا السياق، إلى أنّ ما يحدث في سورية واحتدام الصراع والمواجهة المباشرة بين الأطراف المذكورة، تجلّى مثلاً في التهديد المباشر الذي وجّهه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بضرب إيران بشكل مباشر على خلفية نشاطها في سورية. لكن صورة الوضع كما يراها يادلين شائكة: "فإيران في المقابل تتهم الولايات المتحدة باحتلال غير شرعي للمناطق السورية شرقي الفرات، وروسيا مصابة من الضربة الأميركية لمليشيات من معسكر (بشار) الأسد التي أصيب فيها عدد كبير من الجنود الروس، ووزير الخارجية التركي (مولود جاووش أوغلو)، يصرّ على محاربة بلاده للإرهاب الكردي ويدعو للحفاظ على سلامة أراضي سورية (رغم أن بلاده تنتهك ذلك في عملياتها في عفرين)، ووزير الخارجية اللبناني (جبران باسيل) يلقي بمسؤولية التوتر على إسرائيل التي تنتهك باستمرار السيادة اللبنانية عبر قصف سورية من فوق الأجواء اللبنانية، فيما تركّز روسيا على خفض عدد "الإرهابيين"، وتتحدّث عن بدء عودة الحياة الطبيعية لسورية، وكل ذلك من خلال شبكة دبلوماسية تبدأ في موسكو وتنتهي بتل أبيب، مروراً بأنقرة ودمشق وطهران وواشنطن".

وتحدّث يادلين وأوريون عن التوتر في العلاقات بين الدول العظمى، وتحديداً بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، خصوصاً أن واشنطن تعتبر أن الصين وروسيا تشكّلان تحدياً خطيراً للسلم العالمي، مع ظهور بوادر أولية، بموازاة الأزمة في الجزيرة الكورية، لانطلاق سباق التسلّح النووي مجدداً بين موسكو وواشنطن. في المقابل، أشار الكاتبان إلى أنّ المنظومة الدولية بدأت تعتاد على نمط سلوك الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ووجهته في العلاقات الدولية، فيما تبدو أوروبا، بحسب الباحثيْن، أكثر ثقة بنفسها ودورها في الحلبة الدولية وفي مواجهة روسيا وأخطار الإرهاب وموجات المهاجرين واللاجئين، رغم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

تماهٍ إسرائيلي سعودي حيال إيران

وتوقّف الباحثان عند الملف النووي الإيراني وخطاب نتنياهو في هذا السياق، وانتقاداته الشديدة خلال المؤتمر للاتفاق النووي بين إيران والغرب، مقابل الموقف الذي أبداه وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، بشأن عدم خرق الاتفاق أو الانسحاب منه، خصوصاً أن الأوروبيين يعارضون بشدة إلغاء الاتفاق، أو إدخال أي تعديلات عليه، بل إنهم يبدون حماسة للاستثمار الاقتصادي في إيران.

وفي السياق الإيراني، أبرز الكاتبان التوافق والتماهي بين الموقفين الإسرائيلي والسعودي، والذي عبّر عنه خلال المؤتمر وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، وصولاً إلى القول إن التشابه بين الموقفين كان مثيراً.

الصراع الإسرائيلي ــ الفلسطيني مهمش

ووجد الكاتبان الإسرائيليان أن الصراع الإسرائيلي ــ الفلسطيني دُفع جانباً وظلّ هامشياً، وذلك على ضوء تأثيره المتدني على المشاكل الساخنة في الشرق الأوسط ككل، وبقي محصوراً في نقاط طرحها، من وصفهما الكاتبان، بلاعبين "قدماء" مثل جامعة الدول العربية، أو "متلاعبين به" مثل لبنان. في المقابل، سعى نتنياهو للترويج لمبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، رغم معارضة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، مع ترسيم حدود التنازل الإسرائيلي، أو شروط إسرائيل لاتفاق التسوية النهائي، وهو ما دون الدولة المستقلة مع أقصى حدّ ممكن من الإدارة الذاتية، لكن بدون تنازلات في مسألة السيطرة الأمنية الإسرائيلية، مع تأكيد رفض المسعى الفلسطيني لعقد مؤتمر دولي متعدد الأطراف يكسر الاحتكار الأميركي لمسيرة التسوية.


أمّا في ما يتعلّق بدلالات المؤتمر وإسقاطاته على إسرائيل، فرأى الكاتبان أن الشرق الأوسط ككل بات نقطة جذب ثانوية لاهتمام الحلبة الدولية، بفعل التحديات ومخاطر اندلاع حرب نووية بفعل التوتر في شبه الجزيرة الكورية، لا سيما من منظور الولايات المتحدة المنشغلة كلياً في هذا الملف إلى درجة تقلّص اهتمامها وتأثيرها على الحلبات القريبة من إسرائيل كسورية ولبنان، وضمن ذلك أيضاً الملف الفلسطيني.

وبحسب الكاتبين إن "هذا الأمر يفسح المجال أمام إسرائيل، ويمنحها حرية كبيرة للمبادرة لبلورة مستقبلها ومستقبل بيئتها القريبة، ولا سيما في ما يتعلّق بعلاقاتها مع الفلسطينيين". واعتبرا أن "هناك إمكانيات للتقدّم في دعم المصالح بين إسرائيل ولاعبين إقليميين ودوليين، خصوصاً في مواجهة إيران والإرهاب، في حال كان هناك تحرّك وتقدم إسرائيلي إيجابي مقابل الفلسطينيين، وهو ما سيساهم في إزالة العوائق أمام تطوير هذه المصالح وخدمتها".

وخلصا إلى القول إنه "في المقابل، إن مسار المواجهة المباشرة بين تصميم إسرائيل على وقف التأثير الإيراني في سورية، وبين مساعي إيران لتعزيز نفوذها، يشير إلى تسارع في اقتراب هذه المواجهة بين الطرفين".