روسيا تستبق قمة بوتين وأردوغان: هجومنا في إدلب سيستمر

روسيا تستبق قمة بوتين وأردوغان: هجومنا في إدلب سيستمر

27 اغسطس 2019
كثف النظام وروسيا الغارات في شمال غربي سورية (Getty)
+ الخط -

استبقت موسكو، أمس الإثنين، القمة المنتظرة اليوم الثلاثاء بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، والتي ستكون مسألة إدلب على رأس أجندتها، بتوجيه رسالة واضحة لأنقرة، تتعلق بدعم استكمال مسار العمليات العسكرية التي يشنّها النظام والمليشيات المحلية والأجنبية التابعة له في إدلب، متسلحة بعدم خرق اتفاق خفض التصعيد والاستمرار بـ"مكافحة الإرهاب". ومع وصول المفاوضات التركية - الروسية إلى طريق مسدود نهاية الأسبوع الماضي، وحصار نقطة المراقبة التركية في منطقة مورك، جنوب إدلب، وتشديد تركيا على أهمية ارتباط إدلب بأمنها القومي، تبدو القمة التي ستنعقد في موسكو مفتوحة على جميع الاحتمالات، وسط محاولة لتدوير الزوايا بين "حليفي الضرورة" والتوصل إلى تفاهمات جديدة على الرغم من رسائل الكرملين.

وكانت وزارتا الدفاع في كلا البلدين قد وصلتا إلى طريق مسدود في الحوار حول تقدم قوات النظام السوري في خان شيخون، ومورك، وقبلها في الهبيط، ومع وصول قافلة الإمدادات التركية إلى نقطة المراقبة، ومحاصرة النقطة بشكل كامل من قبل قوات النظام.

وقال الكرملين، أمس الإثنين، إن بوتين "يتفهم مخاوف نظيره التركي رجب طيب أردوغان، لكنه يشعر بقلق مماثل بشأن هجمات المتشددين في محافظة إدلب السورية، والتي رأى أنه ينبغي وضع حد لها". وذكر المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديميتري بيسكوف، أن أردوغان أبلغ نظيره الروسي، يوم الجمعة الماضي، بأن هجمات قوات النظام في شمال غربي البلاد تتسبب بأزمة إنسانية وتهدد أمن تركيا القومي، مضيفاً أن "بوتين قال مراراً وتكراراً إنه يتفهم مخاوف رفاقنا الأتراك، لكنه في الوقت ذاته لا يزال قلقاً من نشاط العناصر الإرهابية في إدلب والذي ينبغي القضاء عليه وتدميره"، مؤكداً أن الرئيسين التركي والروسي سيبحثان الوضع في إدلب خلال محادثات اليوم.

بدوره، اعتبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، أن قوات النظام السوري، "وبدعمٍ منا، لا تقوم بأي خرق لأي اتفاق في إطار ما يجري في منطقة خفض التصعيد في إدلب، وبالأخص في منطقة خان شيخون ومحيطها". وأضاف "أذكر مرة أخرى أن الرئيس بوتين تحدث أكثر من مرة عن هذا الموضوع، إذ إن الاتفاقات التي جرت في سبتمبر/ أيلول الماضي، تنظر في تشكيل منطقة خفض التصعيد وضمان وقف العمليات القتالية من قبل المجموعات غير النظامية، لكن الإرهابيين الذين اعترف مجلس الأمن بأنهم إرهابيون، لا يمكن أن يكونوا تحت هذه القرارات، وهم يوسعون نشاطهم داخل منطقة إدلب، ويوجهون ضربات لمواقع الجيش السوري، وأيضاً للقاعدة الروسية في حميميم". وأشار إلى أنه "تحدثنا بداية العام مرة أخرى مع زملائنا في تركيا حول ضرورة تشكيل شريط خال من الأسلحة في منطقة إدلب، ولكي يعمل هذا الشريط، كان لا بد من تشكيل نقاط مراقبة، اقترحنا أن تكون مشتركة، لكن ذلك لم يحصل، وعلى الرغم من تشكيل نقاط المراقبة التركية، فإن القصف من منطقة إدلب كان يمر أكثر من مرة فوق رؤوس المراقبين الأتراك، وقد ازداد".

وفي ظل هذه التصريحات، تبدو التوقعات برفع روسيا لسقف مطالبها خلال القمة عالية. وفي هذا الإطار، لم تستبعد مصادر عسكرية في المعارضة السورية مطلعة على جزء من المفاوضات "ألا يمانع الجانب الروسي في بقاء النقطة التركية في بلدة مورك بريف حماة الشمالي، على أن تكون مشتركة (روسية – تركية)، مع إخراج الفصائل المعارضة من المنطقة منزوعة السلاح التي حددها اتفاق سوتشي، على أن يرفع علم النظام على الدوائر الحكومية في المنطقة". كما يطالب الروس بفتح الطريقين الدوليين "إم 4"، الذي يربط مدينة حلب بالساحل السوري، و"إم 5" الذي يربط حلب بمدينة حماة، وسط البلاد، وتسيير دوريات روسية - تركية مشتركة لتأمين الطريقين. ورأت صحيفة "الوطن" السورية التابعة للنظام أن "الأمور تسير باتجاه التوافق على (اتفاق) سوتشي جديد خلال القمة الروسية التركية، يتضمن بقاء قوات النظام في المناطق التي سيطرت عليها خلال الحملة الأخيرة، وإعادة تموضع نقاط المراقبة التركية في محيط محافظة إدلب، وإعادة فتح الطريقين الدوليين اللذين يصلان حلب بكل من حماة واللاذقية، وبشروط الجيش السوري".

من جهتها، أفادت مصادر تركية بأن اللقاء سيكون مفتوحاً على كافة الاحتمالات، ولن يكون "لقاء الفرصة الأخيرة" بين البلدين، المرتبطين بعلاقات أبعد من مسألة إدلب، على الصعد الثنائية والإقليمية والدولية، على الرغم من أهمية إدلب على صعيد الأمن القومي التركي، وهو ما يؤكد عليه أردوغان.

وأفادت المصادر لـ"العربي الجديد"، بأن الجانب التركي "سيعمل على كبح جماح روسيا في إدلب، ومنعها من التقدم أكثر، وعقد صفقات جديدة في المنطقة"، مشيرة إلى جاهزية تركيا لتقديم بعض الأفكار، وتوسيع النقاش إلى مسألة شرق الفرات. وشددت على أن "الجانبين لا بد أن يعقدا صفقة حول إدلب، لأن روسيا وتركيا بحاجة لبعضهما البعض، وللولايات المتحدة أيضا في سورية، وبالتالي العلاقات التي تحكم بين الدول"، بدون أن تكشف مضمون الصفقات التي يمكن أن تعقد.

في الأثناء، قالت مصادر ميدانية تركية إن القافلة التركية التي دخلت قبيل سقوط خان شيخون، تراوح مكانها، حيث اتخذت وضعية الدفاع عن النفس، والاستعداد القتالي في الوقت ذاته، احتساباً لأي تطورات. وفي ما يتعلق بتصريح أردوغان حول أهمية إدلب بالنسبة للأمن القومي التركي، شرحت المصادر أن أنقرة "لديها معلومات عن مساعي من تنظيمات إرهابية في المنطقة من بقايا داعش، والوحدات الكردية، لزج مقاتليها بين النازحين، في حال تواصلت الهجمة الروسية".

مجزرة جديدة

في هذه الأثناء، لم تتوقف الآلة العسكرية الروسية، وتلك التابعة للنظام السوري، عن ارتكاب المجازر بحق المدنيين في شمال غربي سورية، إذ صعّدت، أمس الإثنين، عمليات القصف الجوي، قبيل القمة الروسية – التركية المرتقبة اليوم، في وقت لم يتمكن فيه الروس من تحقيق اختراق مهم في ريف اللاذقية.

وارتكب الطيران الروسي، أمس، مجزرة جديدة بحق المدنيين في شمال غربي سورية، حيث قتل خمسة مدنيين وجرح ثلاثة آخرون على الأقل، جراء غارات استهدفت بلدة بسقلا وقرية معرة حرمة في ريف إدلب الجنوبي.

وقال مصدر من الدفاع المدني السوري لـ"العربي الجديد"، إن الطيران الحربي الروسي ألقى قنابل شديدة الانفجار على منازل مدنية في بلدة بسقلا، ما أدى إلى مقتل أربعة مدنيين، بينهم طفلة، وإصابة ثلاثة آخرين بجروح.

من جهته، أفاد "المرصد السوري لحقوق الإنسان" بأن طائرات النظام الحربية نفذت، أمس، أكثر من 31 غارة، استهدفت بلدات احسم وسفوهن وكفرعويد وكفرسجنة وركايا وبسقلا وكفروما والفطيرة، جنوب إدلب، مشيراً كذلك إلى تنفيذ طائرات حربية روسية 20 غارة جوية على مناطق في احسم ومعرة حرمة ومحيط كفرنبل بالقطاع الجنوبي من الريف الإدلبي، ومحور السرمانية بسهل الغاب في ريف حماة، ومحور كبانة في جبل الأكراد في ريف اللاذقية الشمالي، بينما ألقى الطيران المروحي 18 برميل متفجرات على أماكن في كفرنبل ومعرة حرمة ومحيط كنصفرة والبارة في ريف إدلب الجنوبي.

إلى ذلك، يحاول النظام استثمار سيطرته أخيراً على مدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي إعلامياً. ومن ضمن ذلك، تأتي الزيارة التي قامت بها للمدينة، أول من أمس الأحد، المستشارة الإعلامية لدى رئيس النظام بشار الأسد، بثينة شعبان، والتي وصفت خلالها السيطرة على المدينة بـ"الانتصار العظيم".


ريف اللاذقية

في موازاة ذلك، لا تزال قوات النظام السوري عاجزة عن إحداث اختراق في ريف اللاذقية الشمالي يمكنها من السيطرة على تلة الكبانة الاستراتيجية، وسط فشلها في زحزحة الفصائل المقاتلة عن تلك المنطقة رغم القصف الجوي الكثيف.

وذكرت مصادر "الجبهة الوطنية للتحرير"، أكبر تجمع لفصائل المعارضة في شمال غربي سورية، أن مقاتلي الجبهة دمروا دبابة لقوات النظام على محور الزويقات في جبل الأكراد بريف اللاذقية، فيما قالت وكالة "إباء" الناطقة باسم "هيئة تحرير الشام"، ليل أول من أمس الأحد، إن الفصائل المدافعة عن محور الكبانة أفشلت هجوماً جديداً لقوات النظام بعدما قتلت 13 عنصراً تابعاً لها أثناء محاولتها التقدم.

ومنذ أواخر إبريل/ نيسان الماضي، تسعى قوات النظام والمليشيات الموالية لها و"الفيلق الخامس" التابع لروسيا، إلى السيطرة على منطقة الكبانة لأهميتها، لكنها فشلت، وسط تكبدها خسائر فادحة في صفوف عناصرها، على الرغم من استخدامها مختلف صنوف الأسلحة، بما فيها الغازات السامة.

وتضم منطقة الكبانة في جبل الأكراد بريف اللاذقية الشمالي تلالاً استراتيجية عدة، يستميت النظام وحلفاؤه الروس لانتزاع السيطرة عليها، كونها بوابة منطقة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي، التي تعد الهدف الكبير للنظام.

وأوضح مصدر قيادي في فصائل المعارضة، لـ"العربي الجديد"، أهمية "الكبانة" في أنها "أعلى قمة مطلة على جسر الشغور وسهل الغاب وبداما والناجية والشغر والجانودية وغيرها من المناطق، وصولاً إلى جبل الزاوية في محافظة إدلب"، معتبراً أن "سيطرة النظام على التلة تعني رصد المنطقة نارياً، ليصبح تقدّمه أكثر سهولة إلى باقي المناطق".

ويستفيد مقاتلو الفصائل المدافعة عن تلة الكبانة من طبيعة المنطقة الجغرافية الوعرة والمرتفعة، في إفشال محاولات قوات النظام والمليشيات المساندة لها، والقوات الروسية، في انتزاع السيطرة على كامل ريف اللاذقية الشمالي. من جهته، أوضح القيادي السابق في "الجيش السوري الحر"، المقدم سامر الصالح، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "طبيعة المنطقة الجبلية وكثافة أشجارها تصعب عمليات الاستطلاع الروسية".

إلى ذلك، وثق فريق "منسقو استجابة سورية" مقتل 1373 مدنياً، بينهم 381 في شمال غربي سورية، منذ توقيع اتفاق سوتشي في سبتمبر/ أيلول الماضي وحتى 25 من شهر أغسطس/ آب الحالي، مع توثيق مقتل 1331 مدنياً، بينهم 364 طفلاً، منذ بداية العام الحالي.

ويبدو أن اللقاء سيكون الفرصة الأخيرة للحفاظ على التفاهمات الحاصلة في سورية، بعد الإصرار التركي على بقاء نقاط المراقبة كما هي، على لسان المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم كالن، فيما ترد موسكو بإصرار على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بأن أعمال جيش النظام السوري في خان شيخون ضد الإرهاب مشروعة، وأن التقدم في المنطقة يأتي في إطار التفاهمات مع تركيا بمكافحة الإرهاب.

أكار: دوريات مشتركة

إلى ذلك، يواصل الأتراك التأكيد على ثبات اتفاقهم مع الولايات المتحدة بشأن المنطقة الآمنة. وفي هذا الصدد، جدد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أمس، التأكيد على "العمل من أجل تسيير دوريات مشتركة بين الجنود الأتراك والأميركيين بما يخص المنطقة الآمنة في سورية في أقرب وقت".

من جهته، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن القوات البرية التركية ستدخل المنطقة الآمنة المقرر إنشاؤها في شمال سورية "قريباً جداً"، مضيفاً "أننا نحقق تقدماً بطيئاً في مساعينا لإقامة منطقة آمنة. أولويتنا هي الحوار والتعاون، لكن إذا أُجبرنا على السير في طريق لا نريده أو واجهنا مماطلة، فإننا على أتم الاستعداد وسننفذ خططنا الخاصة. طائراتنا المسيرة والهليكوبتر دخلت المنطقة. وقريباً جداً ستدخل قواتنا البرية المنطقة كذلك".