لبنان: الاستشارات النيابية غداً وسط توتر في الشارع

لبنان: الاستشارات النيابية غداً وسط توتر في الشارع

18 ديسمبر 2019
الحريري وضع شروط لا ترضي خصومه(حسين بيضون)
+ الخط -
من المقرر أن يعقد الرئيس اللبناني ميشال عون، غداً الخميس، أولى جلسات الاستشارات النيابية الملزمة حسب الدستور مع الكتل السياسية في قصر بعبدا، من أجل اختيار رئيس للحكومة، وسط ارتفاع التوتر في الشارع، ما قد يمهد لتأجيل نيابي جديد.

وفي الدقائق الأخيرة، أعلنت الرئاسة اللبنانية تأجيل الاستشارات النيابية التي كانت مقررة الإثنين لتسمية رئيس للوزراء، إلى الخميس، بناء على طلب من رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري.

تأجيل يعمّق أزمة تشكيل الحكومة المقبلة، ويفاقم من غضب الشارع، وسط تقاذف للمسؤولية بين الفرقاء السياسيين، خصوصاً أن التأجيل يعتبر الثاني الذي تعلن عنه الرئاسة لمنح الوقت لمزيد من المشاورات.

وأجبرت احتجاجات شعبية متواصلة الحريري على تقديم استقالة حكومته، في 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فيما يطالب المحتجون بحكومة تكنوقراط بعيدًا عن القوى السياسية.

المشكلة عند الحريري

مستشار رئيس الجمهورية للشؤون السياسية، بيار رفول، حمّل أسباب تأجيل الاستشارات النيابية للحريري.

وفي حديثٍ مع وكالة "الأناضول"، قال رفول إن "الإشكال لا يكمن لدى رئيس الجمهورية وإنما عند الحريري، فهو من يُطالب بالتأجيل". وأضاف أن "الحريري وضع العديد من الشروط ولا أحد يرضى بها خصوصاً أنّ لبنان بلد ديمقراطي".

وتابع: "الحريري يودّ تأليف الحكومة، واختيار وزرائها والحصول على جميع الصلاحيات، متناسيا أنّ لبنان ليس بلدا ديكتاتوريا".

وأعرب رفول عن استغرابه من خطوة الحريري، قائلاً: "نحن لا نعرف لماذا تصرف على هذا النحو، بالرغم من أنّنا في الأساس دعمنا بقاءه في سدّة الرئاسة، خصوصاً أنّ لبنان أمام مرحلة مصيريّة".

رفول تطرق أيضاً إلى نقطة خلافيّة أخرى مع الحريري وهي تمسّك الأخير وإصراره على تشكيل حكومة تكنوقراط (اختصاصيين)، مشدّداً على أنّ لبنان وفي المرحلة الدقيقة التي يمرّ بها، فإنه "من الأفضل أن يُشكل حكومة تكنو- سياسية (من سياسيين واختصاصيين)".

ولم يُبّرر رفول للحريري عدم دعوته حتى اليوم لانعقاد أي جلسة حكومية منذ استقالته لتصريف الأعمال، في وقت قال فيه إن الوضع الاقتصادي للبلاد "دقيق جداً"، على حد وصفه.

وأعرب رفول، في ختام حديثه، عن أمله بالتوصّل إلى حلّ جدّي خلال الـ24 ساعة المقبلة، مؤكّداً أن الاستشارات ستكون في موعدها إلا إذا قرر النواب عدم المجيء إلى الموعد المحدد من جانب الرئاسة اللبنانيّة.

التأجيل محاولة من السلطة للتجديد

في وقت يطالب فيه المحتجون بحكومة تكنوقراط، ترغب أطراف سياسية أخرى، بينها الرئيس ميشال عون و"التيار الوطني الحر" و"حزب الله" وحركة "أمل"، بتشكيل حكومة هجين من سياسيين واختصاصيين.

الكاتب والمحلل السياسي اللبناني أسعد بشارة، رأى أنّ تأجيل الاستشارات النيابية في لبنان لمرتين "لا يعكس إلّا محاولة السلطة للتجديد للحكومة السابقة بمساحيق تجميلية، بهدف التجديد لنفسها (أي للسلطة) والتجديد لنهجها"، واصفًا الأمر بـ"الكارثي".

ويعتقد بشارة، في حديثٍ لوكالة "الأناضول"، أنّ "حزب الله وراء التأجيل لأنّه لن يرضى بتشكيل حكومة تكنوقراط مستقلّة".

وقال إن "حزب الله يريد ورقة الحكومة اللبنانيّة بيده بعد ما اعتبر أنّ استقالة هذه الحكومة هو سقوط إحدى الأوراق منه، ولذلك يؤكد الأمين العام لحزب الله (حسن نصر الله) في خطاباته على تمسّكه بالحكومة الحالية، منذرًا بالفراغ في حال سقوطها".

وتابع: "هناك محاولات حثيثة من جانب السلطة للتجديد للحكومة الحالية، وأي صيغة مستنسخة عن الحكومة الماضية ستولد ميتة على الرغم من المساحيق التجميلية التي من الممكن أن يتم وضعها لها".

واعتبر بشارة أن لبنان يقع في مشكلتين اليوم، الأولى اقتصادية والثانية سياسيّة.

وأوضح: "اليوم المشكلة في لبنان ذات بعدين الأوّل وهو الأخطر وهو الوضع الاقتصادي - المالي ودخلت هذه الأزمة إلى البيوت والعائلات اللبنانية دون استثناء، حتى أصبح الأمن الاجتماعي مهددّا، أمّا الأمر الثاني فهو سياسي خصوصاً أنّه ساهم في وصول الكارثة الاقتصادية". وأردف: "هناك قوة مهيمنة تحمي هذه المنظومة السياسية وتحمي فسادها وتريد التجديد لهذا الفساد بالتالي، لن تُحلّ الأزمة اللبنانيّة إلا بحكومة نظيفة ومستقلّة سوى ذلك الانتفاضة باقية في الشارع".

الحكومة الحيادية وحدها من ينقذ البلاد

من جهته، لفت أمين سرّ تكتل "الجمهورية القوية"، فادي كرم، إلى أنّ الأسباب التي دفعت القوات اللبنانيّة إلى عدم تسمية الحريري هو اعتبارها أن الأخير لن يذهب إلى الهدف الرئيسي وهو تشكيل حكومة "حيادية" من اختصاصيين بعيدة كلّ البعد عن القرارات الحزبية.

وأكّد كرم وقوف القوات اللبنانيّة بصف الحراك الشعبي، مشدّداً على أنّ الحكومة الحيادية هي فقط وحدها قادرة على إنقاذ البلاد.

ورأى أنّ "سبل نجاح الحريري في تشكيل حكومة حتى الساعة غير مؤمنة، والدليل على ذلك أن القوات متجانسة مع نفسها ومع القاعدة الشعبية منذ السنوات الفائتة". وبعد أن كان رجل الأعمال سمير الخطيب، الأكثر حظاً لتشكيل الحكومة المقبلة، أعلن الأحد، اعتذاره، وقال إن مشاورات داخل الطائفة السُنية توافقت على تسمية الحريري لتشكيل الحكومة.

وأعاد التوافق على الحريري داخل الطائفة السُنية عملية تشكيل الحكومة إلى المربع الأول، إذ اعتذر الحريري، في السابق، عن عدم ترشحه لتشكيلها، لإصراره على تأليف حكومة تكنوقراط، استجابةً للمحتجين.



عنف الشارع

وفي ظل ضبابية المشهد السياسي، شهد الشارع خلال اليومين الماضيين ارتفاع بمنسوب العنف، وتحول وسط بيروت إلى ساحة اشتباك تشهد بشكل يومي أعمال عنف، سواء بين الناشطين وعناصر قوى الأمن الداخلي، أو بين الناشطين وشبان المناطق المتاخمة للمعارضين للثورة.

وشهدت مدينة طرابلس، أعمال شغب خلال ليل أمس، إذ أقدم بعض الشبان، على إحراق شجرة الميلاد عند دوار النيني كما عملوا محتويات غرفة أمن منزل مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، ثم عمدوا إلى إحراقها.

وتمكن الجيش اللبناني، اليوم الأربعاء، من توقيف 4 أشخاص في مدينة طرابلس شمالي البلاد، على خلفية ارتكابهم "أعمال شغب"، وتحطيمهم للأملاك أمام منزل مفتي طرابلس والشمال، الشيخ مالك الشعار.

وقالت قيادة الجيش، في بيان: "حوالي الساعة الرابعة من فجر اليوم، أقدم عدد من الأشخاص يستقلّون دراجات نارية على التجمع أمام منزل مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار".



وأضاف البيان أن هؤلاء الأشخاص "قاموا بارتكاب أعمال شغب وتحطيم للأملاك، مطلقين شعارات نابية، ثمّ أقدموا على إلقاء زجاجات حارقة على شجرة الميلاد في مستديرة النيني، ما أدى إلى اشتعالها".

وتابع: "على الفور، داهمت دورية من مديرية المخابرات أماكن تواجد هؤلاء الأشخاص في مدينة طرابلس وأوقفت شخصين مع دراجاتهما".كما أكّدت قيادة الجيش اللبناني في بيانها توقيف شخصين آخرين لحيازتهما أسلحة ومخدرات في ميناء طرابلس(شمال لبنان). كما لفتت إلى تدخّلها ومعالجتها التوتر الذي وقع في منطقتي كورنيش المزرعة وبربور (غرب العاصمة بيروت) على خلفية نزع صور.

كما شهدت منطقتا بربور والطريق الجديدة (غرب بيروت)، في ساعات الفجر الأولى توتراً بين مناصري "تيار المستقبل" وحركة "أمل". في حين سُمع إطلاق نار في منطقة بربور (غرب بيروت) وأحرقت إطارات مطاطية، إلّا أنّ الجيش اللبناني ضبط الوضع على الفور.

وتوتّرت الأجواء مساء الثلاثاء، في منطقة كفررمان الجنوبية، وحصلت عمليات كرّ وفرّ بين المحتجين وعدد من الشبّاب (20) يناصرون حركة "أمل" حاولوا مهاجمة مكان اعتصامهم.

وتأتي التطورات في ظل تواصل الاحتجاجات في بيروت ومدن لبنانية أخرى منذ 17 أكتوبر/ تشرين الثاني الماضي، على وقع أوضاع اقتصادية متدهورة، واتهامات للنخبة السياسية بـ"الفساد" و"سوء الإدارة".