ملاحقة المتظاهرين بموسكو: المجتمع المدني يتصدى لمحاولات الترويع

ملاحقة المتظاهرين بموسكو: المجتمع المدني يتصدى لمحاولات الترويع

22 سبتمبر 2019
يقفون في الصف للمشاركة في الاعتصامات الفردية (العربي الجديد)
+ الخط -


"الحرية للجميع"، شعار رفعه المشاركون في الاعتصامات الفردية أمام مبنى ديوان الرئاسة الروسية وسط العاصمة الروسية موسكو منذ عدة أيام، للمطالبة بالإفراج عن جميع الملاحقين جنائياً، في ما بات يعرف بـ"قضية موسكو" بتهم "الاعتداء على أفراد الأمن" أثناء التظاهرات الرافضة لاستبعاد مرشحي المعارضة "غير النظامية" من انتخابات مجلس دوما (برلمان) موسكو. ولم يمنع الجو الخريفي وانخفاض الحرارة إلى ما دون العشر درجات مئوية فوق الصفر، استمرار وقوف طابور من الراغبين في المشاركة في الاعتصامات، وسط احتدام السجالات بين السلطة والمجتمع المدني الروسي الرافض للأحكام التعسفية والظالمة بالسجن لبضع سنوات بحق عدد من المتظاهرين السلميين.

ومن بين القضايا التي تحولت إلى الشغل الشاغل للرأي العام الروسي، قضية الممثل المبتدئ بافيل أوستينوف (24 سنة)، الذي صدر بحقه حكم بالسجن 3 سنوات ونصف السنة بتهمة تسببه في "خلع كتف" أحد أفراد قوات "الحرس الروسي" أثناء توقيفه، بينما تظهر مقاطع الفيديو تعرضه هو نفسه للاعتداء من قبل عناصر الأمن. ولم تثر قضية أوستينوف تضامن زملائه في المهنة من المشاهير، فقط، وإنما أيضاً المواطنين العاديين، وحتى القيادي في حزب "روسيا الموحدة" الحاكم أندريه تورتشاك، الذي وصف مقاطع الفيديو المتداولة بأنها دليل قاطع على براءته. كما طعنت النيابة العامة الروسية في الحكم أمام محكمة موسكو، مطالبة بتخفيف العقوبة حتى لا يترتب عليها سجن المدان. وحتى قائد الحرس الوطني فيكتور زولوتوف، المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، دعا إلى تخفيف العقوبة إلى السجن لمدة عام واحد مع وقف التنفيذ. أمام كل هذه الدعوات والتحركات، أفرجت السلطات أمس الأول الجمعة عنه بكفالة بانتظار استئناف محاكمته في 26 سبتمبر/أيلول الحالي.

ويتوقع مدير برنامج "المؤسسات السياسية والسياسة الداخلية الروسية" في مركز "كارنيغي" في موسكو أندريه كوليسنيكوف، أن احتمال إلغاء الأحكام بحق مدانين، لا يعني عدولاً عن التوجه القمعي في ظل صدور أحكام عبثية بحق متهمين آخرين في "قضية موسكو". ويقول كوليسنيكوف، لـ"العربي الجديد": "يبدو أن السلطة أساءت تقدير الاستياء المجتمعي، ولم تضع في الحسبان كل التداعيات المترتبة على سياسة الترويع، ولكن إعادة ضبط المنظومة أمر وارد بالنظام اليدوي فقط، وفي عدد محدود من القضايا". ويصف الأحكام الفعلية بالسجن في "قضية موسكو" بأنها "تتجاوز نطاق القمع المدقق، إذ بات القضاة يصدرون أحكاماً انطلاقاً من سوابق صدور أحكام غير تناسبية مع الفعل، ومن دون أدلة في بعض الحالات، وذلك بمباركة ضمنية من جهة ما".



وحول دوافع السلطة لتقديم تنازلات في بعض القضايا، مثل الإفراج عن الصحافي الاستقصائي إيفان غولونوف، في يونيو/حزيران الماضي، يعتبر كوليسنيكوف أن "الاستثناء من القاعدة هو مجرد صدقة من شأنها الإيهام باستعداد السلطة للحوار مع المجتمع المدني، والتأكيد أن القواعد لن تتغير بشكل عام". ويخلص إلى أن مشكلة السلطة الروسية تكمن في "عدم إيمانها بواقعية أعمال حرة يقوم بها أحرار، دون تحريض من السفارة الأميركية، ولذلك أساءت تقدير نُضج المجتمع المدني".

من جهتها، تساءلت صحيفة "غازيتا رو" الإلكترونية عن دوافع السلطة الروسية للتنازل في قضية أوستينوف تحديداً، مشيرة إلى أنه في حال حدوث الواقعة خارج موسكو، ومع أشخاص غير معروفين وليس هناك من يدافع عنهم، فإن هؤلاء الأشخاص سيواصلون أداء أحكام فعلية بالسجن بتهم عبثية. وفي مقال بعنوان "القضاة لا يُحاكمون: لماذا تجري إعادة النظر في قضية أوستينوف؟"، تشير الصحيفة إلى أن "القضايا الجنائية الغريبة، والأحكام الظالمة، واستخدام المحاكم لتصفية الحسابات في الأعمال لا تزال من أكبر المشكلات في الدولة الروسية". وتوضح الصحيفة أن "ترقية القضاة في روسيا تعتمد بشكل مباشر على السلطة التنفيذية"، وهم لذلك لن يصدروا أحكاماً تتعارض مع فهمهم لإرادة من أثار القضية الجنائية بعينها، ما أدى إلى تراجع ثقة الروس في المنظومة القضائية لبلادهم. وذكّرت "غازيتا رو" بأن نسبة الأحكام بالبراءة في روسيا انخفضت العام الماضي إلى أدنى مستوى، إذ بلغت 0.23 في المائة فقط، محذرة من أن انعدام ثقة المواطنين بالمنظومة القضائية قد يدفعهم للقيام بأعمال غير مشروعة، ما قد يهدد استقرار الدولة وتنميتها.

يشار إلى أنه بعد انتخابات مجلس دوما موسكو، التي أُجرِيت في 8 سبتمبر/أيلول الماضي، بلا مرشحين عن المعارضة "غير النظامية"، انطلقت الموجة الثانية من المحاكمات بحق المشاركين في الاحتجاجات أثناء الحملة الانتخابية، ما قضى على آمال المجتمع المدني الروسي في تخفيف السلطة من نهجها تجاهه.