تماسك المعارضة السورية يسقط محاولات خرق الوفد التفاوضي

تماسك المعارضة السورية يسقط محاولات خرق الوفد التفاوضي

27 يناير 2016
جددت فرنسا أمس دعمها الهيئة العليا للمفاوضات (مصطفى يالسين/الأناضول)
+ الخط -
نجحت المعارضة السورية في معركة إسقاط الشروط التي نقلها وزير الخارجية الأميركية جون كيري، نيابة عن روسيا وإيران، إلى الرياض خلال الأيام الأخيرة، لتمنع خرق وفدها الذي أقرته الهيئة العليا للمفاوضات للمشاركة في مفاوضات جنيف المقبلة، في الوقت الذي ألمحت فيه الهيئة السورية العليا للمفاوضات، مساء أمس الثلاثاء، إلى نيتها المشاركة في المفاوضات المقرر أن تبدأ يوم الجمعة المقبل في 29 من الشهر الحالي، وذلك في نهاية يوم ماراثوني من الاجتماعات عقدتها في العاصمة السعودية الرياض، على أن يُتخذ القرار النهائي بشأن المشاركة اليوم الأربعاء.

إلا أن نجاح المعارضة في منع خرق وفدها التفاوضي قوبل بمناورة جديدة تولاها المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، الذي وجّه أمس الثلاثاء الدعوات إلى الشخصيات التي ستشارك في المفاوضات المقرر أن تبدأ يوم الجمعة المقبل، من دون الكشف عنها، وفق ما أفاد بيان صادر عن مكتبه الإعلامي، الذي لفت إلى أن ذلك جاء "وفقاً للمعايير المحددة في قرار مجلس الأمن رقم 2254". لكن ما أعلنته رئيسة حركة "المجتمع التعددي" رندا قسيس، لوكالة "رويترز"، كان كافياً لتأكيد أن المبعوث الأممي يصرّ على إعادة إشراك شخصيات اعترضت المعارضة على تواجدها في المفاوضات، وإن من خارج وفد المعارضة التفاوضي.
وفي السياق، أوضحت قسيس أنها دعيت مع رئيس "مجلس سورية الديمقراطية"، هيثم مناع، ورئيس حزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي صالح مسلم، ورئيس "الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير" قدري جميل إلى المفاوضات، وإن الدعوات وجّهت بشكل فردي. لكن مسلم عاد ليعلن أنه لم يتلق دعوة للمشاركة وإنه لا علم له بتسليم أي دعوات لممثلين للأكراد. 

دعوة هذه الشخصيات، وتحديداً مسلم، تهدد بعرقلة المفاوضات ومشاركة المعارضة من جهة، كما تهدد بتقليص الدعم الإقليمي للمفاوضات. وأعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أن بلاده ستقاطع المفاوضات السورية إذا دُعي حزب "الاتحاد الديمقراطي" إليها. وكان رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، أكد خلال خطاب ألقاه أمام الكتلة البرلمانية لحزب "العدالة والتنمية" في مقر البرلمان التركي بالعاصمة أنقرة أمس، "أننا ندرك تماماً أهمية مشاركة كافة الأطياف السورية في المحادثات التي ستُجرى خلال الأيام المقبلة، إلا أننا لا نسمح ولا نقبل بمشاركة التنظيمات الإرهابية... فإذا كان حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي يرغب بالمشاركة، فعليه أن يشارك إلى جانب النظام السوري الذي يقوم بالتعاون معه لقتل الشعب السوري".

وكانت المعارضة، قد نجحت بدفع الولايات المتحدة إلى التراجع عن ضغوطها التي مارستها عبر كيري، على رئيس الهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب أثناء اجتماعهما يوم الإثنين في العاصمة السعودية الرياض. وجاء هذا النجاح بفضل تماسك موقف الهيئة العليا للمفاوضات، إضافة إلى دعم عدد من الدول لها، وهو التماسك الذي استمر طوال يوم أمس، خلال الاجتماع الذي عقدته المعارضة في الرياض وسط إصرار على التمسك بخطوات "حسن نوايا" تسبق بدء المفاوضات.
وفي السياق، أصدرت الهيئة العليا للمفاوضات، بياناً أمس الثلاثاء، استلم "العربي الجديد" نسخة منه، أعربت فيه عن استعدادها "لأن تنظر بإيجابية في الموافقة على المشاركة في العملية السياسية المفضية إلى بدء مسار الحل السياسي للأزمة السورية استناداً إلى بيان جنيف 30 يونيو/حزيران 2012، وقرار مجلس الأمن 2118 لعام 2013 كمرجعية للتفاوض وذلك عبر إنشاء هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية مع الحفاظ على مؤسسات الدولة وإعادة هيكلة المؤسسات العسكرية والأمنية على أن يتم تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254".

وأوضح بيان الهيئة العليا للمفاوضات أنها أبلغت الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أنها بعثت رسالة إلى المبعوث الأممي لسورية ستيفان دي ميستورا "تطلب منه توضيح بعض النقاط التي وردت في خطاب الدعوة" التي وزعها دي ميستورا للأطراف المشاركة، أمس الثلاثاء.

وفي حين أصرّت الهيئة على ضرورة تحقيق تحسن حقيقي على الأرض قبل الشروع في العملية التفاوضية، فإنها أعادت التذكير بموقفها لناحية "ضرورة فصل العملية التفاوضية عن الحالة الإنسانية المروعة التي يجب معالجتها وفق المادتين 12 و13 من قرار مجلس الأمن 2254"، مشيرة إلى أن "العائق الحقيقي لتحقيق بنود هذا القرار الأممي الملزم هو من يضع شروطاً مسبقة لتنفيذه، وذلك من خلال ربط معالجة القضايا الإنسانية بتحقيق تقدم في المسار السياسي"، في إشارة إلى النظام السوري وحلفائه. وفي السياق، أشارت الهيئة إلى أنها "تنتظر إجابة من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي اعتبر عمليات القصف وسياسة الحصار والتجويع ضد الشعب السوري جريمة حرب".



اقرأ أيضاً: ديمستورا يوجه دعوات فردية لجنيف السورية وتركيا تهدد بالمقاطعة

وكان "العربي الجديد" قد علم من مصدر رفيع المستوى في المعارضة السورية، أن كيري مارس ضغوطاً كبيرة على حجاب أثناء الاجتماع يوم الإثنين، وأبلغه إن ما سيجري في جنيف هو محادثات لا مفاوضات، ستفضي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، لا هيئة حكم انتقالية. ولفت المصدر إلى أن "الوزير الأميركي قال لوفد الهيئة، إن من حق الموفد دي ميستورا، التدخّل في تشكيل وفد المعارضة وتعيين مستشارين له، وإن إجراءات الثقة التي تطالب بها المعارضة قبل اجتماعات جنيف كإطلاق المعتقلين، وفك الحصار عن المدن المحاصرة، وإيقاف قصف المدنيين، وإدخال مساعدات إنسانية وسواها، هي جزء من المحادثات التي ستُجرى في جنيف". وهدد كيري، بحسب المصدر، المعارضة السورية، "طالباً منها الذهاب إلى جنيف وإلا ستفقد حلفاءها، وعليها أن تتحمّل مسؤولية ذلك".

لكن عوامل كثيرة ومعطيات توفرت بين يدي المعارضة السورية الممثلة في الهيئة العليا للمفاوضات، دفعت الولايات المتحدة لإصدار بيان توضيحي مساء الإثنين، تضمّن تراجعاً عن موقف كيري، إذ نشرت السفارة الأميركية بياناً موقّعاً من قِبل المبعوث الأميركي إلى سورية مايكل راتني، حصل "العربي الجديد" على نسخة منه، قال فيه إن "حكومة الولايات المتحدة تعتقد أن وفد الهيئة العليا ينبغي أن يكون هو وفد المعارضة الموكل بالتفاوض في جنيف، في حين أن الأمم المتحدة حرة في التشاور مع أي جهة أخرى، إلا أن المعارضة السورية ينبغي أن يمثلها الوفد الذي عينته الهيئة العليا". وأكد بيان السفارة أن الحكومة الأميركية "لا تقبل مفهوم "حكومة وحدة وطنية" على النحو الذي يطرحه النظام وبعض الجهات الأخرى، كما أننا لا نقبل الموقف الإيراني تجاه سورية". وأكد البيان أنه "في حالة تسبب النظام بإفشال عملية التفاوض، فإن المعارضة السورية ستحظى بدعمنا المستمر، وأي قول خلاف ذلك لا أساس له من الصحة، لكن يجب أن تبدأ تلك المفاوضات بحسن نية حتى يعلم العالم بوضوح من هو المسؤول عن نجاح أو فشل هذه المفاوضات".

هذا البيان حمل نصراً سياسياً للمعارضة السورية المتمثّلة في الهيئة العليا للمفاوضات، التي تمكّنت نتيجة تمسّكها بمواقفها المتضمنة الإبقاء على أرضية بيان جنيف واحد الذي يتضمن تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات.

نجاح المعارضة جاء بفضل تغطية الهيئة العليا للمفاوضات لأوسع طيف ممكن من فصائل المعارضة السياسية والمسلحة، وحصولها على دعم واسع في أوساط النشطاء السياسيين والشارع السوري المعارض للنظام السوري، بالإضافة إلى حصولها على غطاء ودعم سياسي من الحليفين الإقليميين البارزين للمعارضة السورية، وهما تركيا والسعودية، إضافة إلى فرنسا.

وشددت وزارة الخارجية الفرنسية على أن الهيئة العليا للمفاوضات "هي من يجب أن يحاور النظام في المفاوضات". وقال المتحدث باسم الوزارة رومان نادال، في إفادة صحافية للصحافيين أمس، إن "مجموعة المعارضة التي تشكلت في الرياض تضم لأول مرة أطيافاً واسعة من السياسيين والعسكريين غير الجهاديين تلتف حول مشروع مشترك لكيان سوري حر وديمقراطي يضم كافة الأطراف".

اقرأ أيضاً: بغطاء روسي.. النظام السوري يسيطر على الشيخ مسكين