ما الرسائل التي يحملها التهديد الأمني الأخير للعاصمة طرابلس؟

ما الرسائل التي يحملها تهديد "الطرود البريدية" للعاصمة طرابلس؟

24 مارس 2019
داخلية الوفاق تحاول طمأنة المواطنين (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

فيما تبدو حركة الحياة تسير بشكل طبيعي في العاصمة الليبية طرابلس، بعد يوم من التوتر على خلفية تحذير أطلقته السفارة الأميركية لرعاياها من "هجوم وشيك على مؤسسة حيوية وطنية بطرابلس"، إلا أن الإجراءات التي أعلنت عنها وزارة داخلية حكومة الوفاق، آخرها "إيقاف منح التراخيص وتنظيم المظاهرات والاعتصامات مؤقتا"، تشير إلى استمرار قلق ومخاوف الحكومة.

وكانت وزارة الداخلية ردت فورا على تحذيرات السفارة الأميركية بشأن "وجود تقارير مفتوحة المصدر تشير إلى أن منطقة مكتب البريد المركزي في شارع الزاوية قد تم تطويقها بعد اكتشاف عبوات ناسفة"، مؤكدة أن فرق الأمن تحققت من "عدم وجود عبوات ناسفة أو مفرقعات أو مواد قابلة للتفجير داخل هذه الطرود البريدية".

ولفتت الوزارة إلى أن التحذيرات انبنت على "بلاغ وصل من الجهات الأمنية المكلفة بحراسة مقر البريد بوجود علب مقفلة على شكل طرود مجهولة المصدر، ما أثار الريبة لديهم"، ومشيرة إلى أن جهات التحقيق تواصل فحص الطرود.

في مقابل محاولة الداخلية طمأنة المواطنين عبر الحديث عن "عدم وجود عبوات ناسفة أو مفرقعات أو مواد قابلة للتفجير داخل هذه الطرود البريدية"، تحدثت مصدر أمني تابعة لمديرية أمن طرابلس عن "عملية كانت ستنفذ عن بعد بواسطة متفجرات أراد لها المنفذ أن تصل إلى البريد المركزي داخل طرود".

وأكد المصدر، من جهته، أن فرق الأمن المكلفة بتأمين البريد المركزي أبلغت عن طرود غريبة وصلت على خلفية أوامر وصلتها بالتحقيق مع أي طرد يصل، وأكد أنه "لا خيوط حتى الآن توصل إلى الفاعل".

وأضاف المصدر أن وزارة الداخلية استعانت بخبرات أجنبية لملاحقة من يقف وراء المحاولة، "لكنها لم تتعرف على الأسباب التي دعت الإرهاب لاستهداف مبنى البريد المركزي".

المصدر، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، اعتبر أن "الحديث عن السعي لقطع الاتصالات هدف لا يخدم الإرهاب فحسب، لكن يرجح أنه تهديد يحمل رسائل بقدرة الإرهابيين على إفشال جهود الوزارة التي أعلنت عن قدرتها على تأمين الانتخابات البلدية المقبلة، وربما يكون على علاقة بجهود الوزارة لتعزيز قدرات أجهزتها الأمنية في ملاحقة خلايا الإرهاب في البلاد، سيما بعد الاتفاقات مع الجهات الرسمية الأميركية".

وبيّن المصدر أن الاستنفار في أوساط جهاز المباحث عال منذ الجمعة الماضية، ويتجه في جزء كبير من عمله على البحث عن خلايا نائمة في العاصمة أو مناطق الجوار.

الخبير الأمني الليبي محيي الدين زكري يؤكد أن استهداف العاصمة يعتبر هدفا كبيرا للتنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها "داعش"، مشيرا إلى نجاحه في تنفيذ عدة هجمات في السابق استهدفت مقر مؤسسة النفط ومقر وزارة الخارجية في النصف الأخير من العام الماضي.

وقال الخبير الأمني، متحدثا لـ"العربي الجديد"، إن "نهاية طموح التنظيم في وجود معلن بعد هزيمته على يد قوات البنيان المرصوص في سرت نهاية عام 2016، اضطره للعمل على استراتيجيات أخرى، من بينها العمل من خلال الخلايا النائمة ومن خلال ربط تحالفات مع عصابات تهريب المهاجرين غير الشرعيين، وشبكات المقاتلين المرتزقة المنتشرين في الجنوب الليبي"، مشيرا إلى أن "خطره أصبح أكثر تعقيدا".

وبالإضافة إلى هشاشة الوضع الأمني في العاصمة وعدة مدن ليبية لا تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دوليا بشكل فعلي، يعتبر زكري أن "الجنوب الليبي، بعد دخوله في دوامة حرب لم تنته مع قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، أصبح ملاذا أكثر أمنا للمجموعات الإرهابية"، وقال: "كثيرا ما ظهر مسلحو "داعش" علنا في مناطق هراوة وجنوب سرت، وهي مناطق تسيطر عليها قوات حفتر، وأخرى لا تخضع لسيطرة أي أحد، ما يعني أنها مناطق يمكن للتنظيم الانطلاق منها لتنفيذ هجماته"، مؤكدا أن "مناطق مرتبطة بشبكة طرقات معقدة بصحراء وصولا إلى الحدود الجنوبية توفر السلاح والمقاتلين لـ"داعش"".

من جهته، يرى المحلل السياسي الليبي عقيل الأطرش أن قوات حفتر تسعى لمحاربة داعش في الجنوب لـ"كسب أوراق سياسية"، مخالفا رأي زكري بالقول إن "قوات حفتر أثبتت أكثر من مرة نجاحها في عمليات ضد "داعش" في الجنوب، وهو ما زاد من رصيدها السياسي، وجعل حفتر يفرض شروطه لتقاسم السلطة مع فايز السراج، كما رشح مؤخرا من لقاء أبوظبي قبل أسابيع".

واعتبر الأطرش أن "تضييق قوات حفتر على التنظيمات الإرهابية، ومنها "داعش"، يهدف إلى حصره في المناطق القريبة من العاصمة، وجعلها مساحة حركته فقط لدفع الحكومة لأوضاع حرجة دوليا".

واعتبر التهديد الأمني الأخير في طرابلس يحمل رسائل سياسية كبيرة جاءت من خارج ليبيا، وقال "وزارة الداخلية نفت صحة وجود التهديد، علاوة على أن تفجير مقر البريد لا يحمل أهمية كبيرة بالنسبة للإرهاب"، موضحا أن "الرسائل تحمل أمرين: الأول إما أنها أرادت القول إن الحكومة في طرابلس ضعيفة وتحتاج إلى الجيش الذي سيفرض الأمن كما تمكن من ذلك في الجنوب، وإن لم يكن الأمر صحيحا، بالنظر لواقع الجنوب".

أما الأمر الثاني، بحسب رأي الأطرش، فيرتبط بـ"قرب تدخل، فليس من الصدفة أن يسبق التهديد الأمني حديث إيطالي وأميركي، والأغرب أنه يحدد المكان والزمان"، في إشارة إلى تصريحات رئيس الحكومة الإيطالي جوزيبي كونتي الخميس، والسفارة الأميركية الجمعة، عن "خطر إرهابي وشيك يتهدد طرابلس".

المساهمون