رسائل إيقاف الرحلات البريطانية... إحراج السيسي سياسيّاً وأمنيّاً

رسائل إيقاف الرحلات البريطانية... إحراج السيسي سياسيّاً وأمنيّاً

06 نوفمبر 2015
عقب استقبال كاميرون السيسي في لندن(يونس قايماز/الأناضول)
+ الخط -
تتسع دائرة تداعيات سقوط الطائرة الروسية في سماء محافظة سيناء في مصر، السبت الماضي، إذ قرّرت 10 شركات طيران عربية وأوروبية، بينها كبرى الشركات، تجنب التحليق في سماء سيناء، ليتبعها، أمس الخميس، قرار بريطانيا إيقاف رحلات شركات الطيران الإنجليزية من وإلى مطار شرم الشيخ. وهو ما يرى فيه خبراء مصريون، أنّه يعكس فقدان الثقة في قدرات النظام في مصر على إدارة الدولة وضبط الأمن في البلاد، مؤكدين أن "إعلان القرار خلال زيارة الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي إلى بريطانيا، يحمل رسائل سلبية عن الثقة البريطانية في إدارة الرجل للبلاد".

وبدا أن حالة الرعب هي المسيطرة جراء عدم حسم الظروف التي أدت إلى تحطم الطائرة وعدم استبعاد أي فرضية، هو ما انعكس في الإجراء البريطاني، فضلاً عما أشارت إليه فرنسا، أمس أيضاً، بتأكيد المتحدث باسم الحكومة الفرنسية، ستيفان لو فول، أن الحكومة الفرنسية لا تستبعد أي فرضية وراء تحطم الطائرة الروسية في جزيرة سيناء، "وخصوصاً فرضية العمل الإرهابي". أما وزارة الخارجية الألمانية، فحثت مواطنيها المتوجهين إلى مصر إلى تفادي الوصول الى شبه جزيرة سيناء، في الوقت الذي أعلنت فيه مجموعة لوفتهانزا الألمانية تعليق رحلاتها المتجهة الى شرم الشيخ في مصر.

في المقابل، يستمر المسؤولون المصريون في محاولة احتواء الموقف والتقليل من مصداقية فرضية الحادث الأمني، إذ أكد وزير الطيران المدني المصري، حسام كمال، أمس الخميس، أن فرضية تفجير الطائرة الروسية لا تستند إلى "شواهد أو بيانات". وهو الأمر نفسه الذي تحاول روسيا تطبيقه، إذ أجرى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، اتصالاً هاتفياً برئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون. وبحسب الكرملين، فإن بوتين أبلغ كاميرون بمدى أهمية أن تكون التقييمات الخاصة بالأسباب المحتملة للحادث مستندة إلى معلومات مستقاة من التحقيق الرسمي. 

ويؤكد خبراء مصريون في حديث لـ"العربي الجديد"، أن قرار الحكومة البريطانية يحمل بالإضافة إلى الرسائل السياسية السلبية، سمعة سيئة للمطارات المصرية في الخارج، وسيؤدي إلى المزيد من الكوارث الاقتصادية للسياحة الأجنبية، خلال الفترة المقبلة، خصوصاً السياحة البريطانية الوافدة خلال فصل الشتاء. ويشير الخبراء أنفسهم إلى أن الكارثة الكبرى، تكمن في أن هذا القرار، جاء مع وجود السيسي في لندن التي يزورها حالياً، ما يُعتبر موقفاً محرجاً للغاية له.

في هذا الصدد، يقول وكيل جهاز المخابرات الأسبق، اللواء محمد رشاد، إنّ "القرار الذي اتخذته بريطانيا سيؤدي إلى ارتباك شديد داخل الحكومة المصرية، خلال الساعات المقبلة، لأنّه سيكلّف خسائر اقتصادية كبيرة للسياحة المصرية خلال فصل الشتاء"، مؤكداً أن "القرار مدروس بعناية، وجاء بناء على معلومات استخباراتية، خصوصاً في ظلّ ما يتردد عن أنّ تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) يسيطر على جزء كبير من المدن السيناوية، وأنّ الطائرة الروسية المنكوبة التي سقطت فوق العريش، السبت الماضي، كانت بسبب قنبلة وضعت داخل حقائب الطائرة، بحسب تصريحات أميركية وغربية، وأنّه بذلك يكون عملاً إرهابياً وليس عطلاً فنياً، ما يثبت صحّة ما بثّه تنظيم "ولاية سيناء" التابع لـ"داعش"، عن أنّه هو من استهدف الطائرة، وأنّه سينشر في ما بعد، كيفية حدوث العملية".

ويشير رشاد إلى أنّ "السياح البريطانيين الذين يزورون مصر حالياً طلبوا من سفارة بلادهم تأمينهم من أجل الخروج من مصر، وهذا ما سيؤثر على سمعة المطارات المصرية بشكل سلبي"، مرجّحاً، أنّه "إذا أثبتت التحقيقات أن الطائرة كانت ضحية عملية إرهابية، فستكون هذه ضربة قاسية للسياحة وللنظام، خصوصاً بعدما نشرت الولايات المتحدة تحذيراً لمواطنيها من السفر إلى سيناء، بعد ظهور معلومات من الصندوق الأسود، تقضي بسماع أصوات غير مألوفة في حجرة القيادة قبل التفجير. وبالتالي، فإن التركيز ينصبّ على التحقيق بشأن العاملين في مطار شرم الشيخ، إذ يُعتقد أنه تم تمرير العبوة الناسفة المحتملة من خارج الإجراءات الأمنية المعتمدة في المطار".

اقرأ أيضاً: بريطانيا تعلق رحلاتها الجوية إلى شرم الشيخ

من جهته، يقول خبير سياسي في مركز الأهرام للدراسات، إن "المسلك البريطاني يؤكد عدم وجود ثقة في الإجراءات الأمنية التي تقوم بها الأجهزة الأمنية المصرية، ما يعزز نظرية البروباغندا الإعلامية التي يتمتع بها النظام المصري على حساب الحقائق"، مؤكداً أنّ "هناك شكوكاً كبيرة حول أسباب سقوط الطائرة الروسية، وترجّح المعلومات الاستخباراتية لدى الأجهزة البريطانية، أنها سقطت نتيجة عمل إرهابي.

ويشير الخبير ذاته، إلى أنّه "ربما يكون هناك ترحيب من رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بزيارة السيسي، لكنَّ هناك نظاماً ديمقراطياً لن يقف عند كاميرون، كما أنّ هناك مخاوفَ على الرعايا البريطانيين في مصر وضرورة عودتهم سالمين إلى بلادهم".

ويلفت الخبير السياسي إلى أنّ "السيسي تلقّى صفعة جديدة في بريطانيا، تؤكد أن هناك فساداً وعدم مسؤولية في البلاد"، معتبراً أن "الموقف البريطاني سيلقي بظلاله على الموقف الأوروبي برمّته وسيضع حكومة السيسي في حرج جديد، يتعلق بإجراءات الثقة، وهو ما يعطي انطباعاً أنّ الإجراءات الأمنية المصرية في مواجهة الإرهاب غير كافية، في الوقت الذي تواجه منظمات حقوقية مصرية ودولية إجراءات القمع التي يتّبعها النظام المصري مع مواطنيه.

بدوره، يعتبر الخبير العسكري، العميد صفوت الزيات، أنّ الموقف البريطاني يحمل رسائل عدة؛ أولها، التشكيك في قدرة النظام المصري على مواجهة الإرهاب وحماية الرعايا الأجانب في الداخل. أمّا الرسالة الثانية، هي عدم ثقة المجتمع الدولي، حتى الآن، بقدرة النظام المصري الحالي على التعامل بإيجابية مع القضايا الدولية والمتعلقة في المنطقة، بالإضافة إلى عدم تحقيق الاستقرار في مصر باعتبارها إحدى أهم الدول العربية في المنطقة، وزيادة عدد المعارضين لنظام الرئيس السيسي، خصوصاً الذين أيّدوه في انقلاب 30 يونيو/حزيران 2013.

وبحسب العميد، فإنّ الرسالة الثالثة تتعلق بالتحفظ المبطّن على موقف النظام المصري من الأزمة السورية بوقوفه إلى جانب المعسكر المناوئ للمعسكر الغربي والذي يضم روسيا وإيران. والرسالة الأخيرة، وجود حالة من اليقظة الدولية لإعادة تقييم النظام المصري، خصوصاً أنّه وجّه رسالة أساسية إلى العالم الخارجي، مفادها أنّه جاء ليحارب الإرهاب، وثبُت العكس، إذ إن الأنظمة القمعية والديكتاتورية هي من تساعد على وجود الإرهاب، في ظل التقارير المتوالية من المنظمات الحقوقية العالمية ومنظمات المجتمع المدني في مصر، والتي تفيد أن المصريين تعرّضوا للقمع والتعذيب، ورصدت تلك المنظمات أعداداً هائلة من الذين تعرضوا للظلم، على حدّ قول الزيات.

أمّا الخبير السياسي، محمد عز، يعتبر أن إعلان بريطانيا وقف رحلاتها الجوية تزامناً مع زيارة السيسي إلى لندن، لا يمكن تفسيره إلّا في ضوء رسالة لإحراج الرجل، مضيفاً أن بريطانيا كغيرها من الدول، تسعى إلى تأمين مواطنيها في كل مكان، وبالتالي جاء القرار المصيري الذي لا يمكن تأخيره، عقب إسقاط الطائرة الروسية.

ويتابع عزّ، "كان من الممكن انتظار نتيجة التحقيقات في سقوط الطائرة الروسية، أو على الأقل انتظار مغادرة السيسي بعد إجراء المباحثات مع كاميرون"، مضيفاً، أن تزامن القرار مع زيارة السيسي نقطة تحوّل في النظرة إلى النظام الحالي". ويشير الخبير السياسي إلى أن توقيت القرار يحمل دلالة عدم وجود علاقات قوية بين البلدين، ما يعني أن لندن ربما توجه انتقادات لطريقة أداء الرجل في مجال الحريات العامة والاضطرابات الداخلية التي تشهدها مصر منذ 3 يوليو/تموز 2013.

اقرأ أيضاً: السيسي في لندن وسط ضباب سياسي ثقيل

المساهمون