هل تنجح الحكومة التونسية باستثمار نتائج المؤتمر الاقتصادي سياسياً؟

هل تنجح الحكومة التونسية باستثمار نتائج المؤتمر الاقتصادي سياسياً؟

02 ديسمبر 2016
أبدى الشاهد ارتياحاً لنتائج المؤتمر (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
انتهى مؤتمر "تونس 2020" أو المؤتمر الدولي للاستثمار، الذي عقد طيلة يومين استحوذ فيهما على اهتمام التونسيين رسميين وأوساطاً شعبية، لتبدأ مرحلة ترقب النتائج السياسية للمؤتمر بالنسبة لحكومة يوسف الشاهد. وقد شكل المؤتمر بحدّ ذاته نجاحاً اقتصادياً أولاً لاقتصاد الدولة العربية الوحيدة التي نجت نسبياً من "الثورات المضادة"، لكونه نقل الدعم العربي ــ الدولي من الإطار اللفظي إلى مرحلة التنفيذ، وذلك بمبادرة كانت دولة قطر أساسية في ولادتها، إيماناً منها، بحسب ما يقول حكامها، بضرورة دعم اقتصاد التجربة الديمقراطية الأكثر نجاحاً في عائلة انتفاضات الربيع العربي، وهو ما ترجم حتى داخل أعمال المؤتمر، ما بين من قدّم مِنَحاً مالية، وبين مَن اكتفى بقروض وودائع تحتاجها تونس طبعاً، لكن جدواها الاقتصادية لن تكون بمستوى تأجيل سداد قروض (أعربت الدوحة عن استعدادها لتأجيل سداد تونس قرضاً بنصف مليار دولار) وتقديم مساعدات مالية مباشرة وافتتاح مشاريع استثمارية وإنتاجية هي أكثر ما يحتاجها الاقتصاد التونسي الواعد لكن المتعثر بفعل أسباب عديدة.


خفتت أصوات السجالات السياسية في تونس ليومين، على وقع تحصيل هذا البلد نحو 15.4 مليار دولار (بين مساعدات وقروض وودائع...)، وبالكاد التفت التونسيون إلى احتجاجات المدرسين أمام وزارة التربية مطالبين بإقالة الوزير ناجي جلول في معركة كسر عظام تجاوزت السنة بين الطرفين، من دون أن تنتهي إلى تفوق أحدهما على الآخر إلى حد الآن.

وبدت ملامح الارتياح واضحة على وجه ونبرة رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، في الإعلان عن حصيلة المؤتمر، وهو يدرك تماماً، مثل معارضيه، أنه كسب جولة سياسية مهمة جداً في مسيرته الشخصية وفي مسار حكومته التي انطلقت بكثير من الصعوبات والعوائق، وتهدّدتها مواجهات كثيرة، آخرها مع الاتحاد العام التونسي للشغل.

حصيلة المؤتمر كانت واعدة، بعد حضور أكثر من 4500 مشارك من بينهم 1500 شريك اقتصادي، و70 دولة و40 وفداً رسمياً. ومع التشكيك الذي امتد على طول هذه السنوات في قدرة البلاد على الخروج من مأزقها الاقتصادي، والتشكيك أيضاً في نوايا دعم هذه الديمقراطية الناشئة وثورتها، جاء هذا المؤتمر بمثابة خطوة تنفيذية للدعم المعلن نظرياً، يواكبه مناخ سياسي وأمني ملائم نسبياً، يتعزز بإرساء مؤسسات دستورية ضامنة للشفافية وأجواء ديمقراطية هي الأفضل على الأرجح في كل الوطن العربي.

واقع أكده يوسف الشاهد بدوره، معتبراً أن نجاح تونس في هذا المؤتمر لم يقتصر على الأرقام المهمة فقط، وإنما تعداها إلى الصورة الجديدة التي أرسلتها تونس للعالم، وهي صورة تونس التي تستكمل مسارها الديمقراطي، وتسعى إلى إرساء مؤسسات الجمهورية الثانية، في ظل حرية الصحافة وحرية التحزب وكل مقومات البناء الديمقراطي. ويمثل نجاح المؤتمر سياسياً وعملياً انطلاقة جديدة لحكومة الشاهد، بعد ثلاثة أشهر قصيرة جداً من عمرها، ولكنها طويلة جداً بما تلقته من سهام المعارضة التي انهالت عليها بحكم وظيفتها الطبيعية مع كل الاختبارات التي عاشتها. لذلك اعتبر الشاهد أن هذا الحدث "هو أول الطريق ليكون المستقبل أفضل لتونس". وأشار إلى أن توقيع الاتفاقيات هو بمثابة رسالة للشعب التونسي، مفادها أن حكومة الوحدة الوطنية حريصة على إحداث نقلة جديدة للاقتصاد التونسي وللتجربة التونسية ككل، داعياً التونسيين إلى تعزيز ثقتهم ببلادهم، ومؤكداً أن تونس عائدة بقوة إلى مجال الاستثمار. واختصر وزير التنمية والتعاون الدولي، فاضل عبد الكافي، الجو الذي خلقه المؤتمر بالقول إنه "حسّن مزاج التونسيين في يومين".

من جهته، ربط وزير الخارجية، خميس الجهيناوي، النجاح الاقتصادي بالمناخ السياسي العام بما أن الاستثمار الأجنبي "لا يتحقق من دون ثقة في البلاد ودعم سياسي من الأطراف الدولية واستقطاب المستثمرين الأجانب هو نتيجة لتشجيعهم من قبل الدول التي ينتمون إليها"، في إشارة واضحة إلى دور الدبلوماسية التونسية. واعتبر رئيس الدبلوماسية التونسية أن نجاح المؤتمر "هو نتيجة مباشرة للزيارات المكوكية التي قام بها الرئيس الباجي قايد السبسي إلى العديد من الدول، خصوصاً دول الخليج (الكويت وقطر والسعودية) بما ساهم في تحسين العلاقات مع هذه الدول". وبالفعل، كانت مساهمة هذه الدول في الندوة لافتة، خصوصاً دولة قطر التي كانت شريكاً أساسياً في ولادة فكرة المؤتمر والترويج الدولي لنجاحه، بالإضافة إلى دورها في دعم مختلف الحكومات التونسية على امتداد سنوات ما بعد الثورة، وفق تأكيد الرئيس التونسي نفسه، وهو ما يبدو أنه سيشهد زيادة في الوتيرة بدليل ما أعلنه أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني من استثمارات قطرية كبيرة مقررة في دولة تونس.

ويبدو من الطبيعي سياسياً أن تحاول الحكومة استثمار نتائج المؤتمر للخروج من الأزمات المتلاحقة، ووضع حد للتشكيك فيها وفي قدراتها، والتقليص من صوت المعارضة أمام استحقاقات متلاحقة، أهمها في الوقت الحالي مناقشة موازنة العام المقبل وما يحيط بها من خلافات متعددة أبرزها مع اتحاد الشغل الذي بدأ يستعد لإضرابه العام بعد أسبوع. ولم تشر حكومة الشاهد لحد الآن إلى كيف يمكنها التوصل إلى اتفاق يقود إلى إلغاء هذا الإضراب، لكنها ستتمكن، إن نجحت في ذلك، من العمل براحة أكبر على امتداد الأشهر المقبلة وستسحب البساط من تحت أقدام الأصوات المعارضة، خصوصاً إذا وضعت خطة ذكية لمواصلة استثمار نتائج المؤتمر لمصلحتها وبدأ التونسيون يشاهدون أتربة المشاريع على الطرقات وفي قراهم البعيدة ومدنهم الداخلية، وهو ما سيغيّر جوهرياً من شكل المعادلة السياسية في تونس.