دعم حفتر قضية أمن قومي للسيسي

دعم حفتر قضية أمن قومي للسيسي

11 مايو 2019
التقى حفتر السيسي مرتين في شهر واحد (فرانس برس)
+ الخط -

تعمّد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إعلان استقباله اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، بعد ساعات من جولة أوروبية لرئيس حكومة الوفاق فائز السراج بهدف حشد الدعم، التقى خلالها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومسؤولين آخرين، ليكون السيسي بذلك هو الرئيس الوحيد الذي استقبل حفتر مرتين منذ بدء هجومه على العاصمة الليبية طرابلس في 4 إبريل/نيسان الماضي. ووفقاً لمصادر دبلوماسية مصرية وأوروبية اطّلعت على بعض مجريات زيارة حفتر إلى القاهرة، فإنه لم يلتقِ أي مسؤول دبلوماسي بطبيعة الحال، بل عقد لقاء موسعاً في مكان آمن تابع لجهاز المخابرات العامة مع عدد من مسؤولي الجهاز برئاسة اللواء عباس كامل، المدير السابق لمكتب السيسي، وبحضور عدد من قيادات مليشياته الليبية، ثم التقى بالسيسي في قصر الاتحادية، قبل أن يلتقي ببعض المسؤولين العسكريين بشأن تأمين خطوط إمداد بالأغذية والمواد اللوجستية لمليشياته عبر الحدود مع مصر.

وقالت المصادر، لـ"العربي الجديد"، إن "حفتر كان قد طلب لقاء السيسي منذ أيام عدة لإطلاعه على تطورات حملته على طرابلس، والتي لا تزال تراوح مكانها على الرغم من الدعم الإماراتي والمصري والفرنسي متعدد الأشكال بسبب تماسك القوات الموالية لحكومة الوفاق حتى الآن، وطلب حفتر من مصر مساعدات في ملفات مختلفة". وكشفت المصادر أن "الملف الأول يتمثل في المعلومات والمخابرات، والملف الثاني يشمل الإمدادات الغذائية واللوجستية ومواد الإعاشة، أما الملف الثالث وهو الأهم بالنسبة لحفتر، فهو تدريب العناصر الجديدة التي لم يسبق لها أن تدربت على أيدي ضباط مصريين، والملف الرابع المطالبة بمزيد من المساعدات التسليحية، خصوصاً الذخيرة".

وأوضحت المصادر أن "هناك مشكلة تواجه حفتر حالياً تكمن في ضعف المستوى الفني والتدريبي لمعظم عناصر مليشياته، نظراً لانضمامها في وقت متأخر نسبياً. وهذا الأمر يؤدي بمرور الوقت مع صمود الجبهة الداخلية في طرابلس، إلى تسلل اليأس والإحباط والرغبة في التسلل من المعركة والانسحاب من العمل العسكري. وهو ما يحاول حفتر تلافيه حالياً ليحافظ على قوام مليشياته من ناحية العدد والنوعية". وأشارت المصادر الأوروبية تحديداً إلى أن "التقارير الواردة من طرابلس تتكامل مع هذه الرؤية، نظراً إلى حالة الجمود وعدم وضوح صورة المستقبل التي تخيّم على المعركة هناك نتيجة استمرار التخبّط الدولي واختلاط أوراق اللاعبين الإقليميين والغربيين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا، وعدم التدخّل المباشر لحسم المعركة لطرف على حساب آخر. فحتى الآن ما زالت مليشيات حفتر تتميز بعنصر عسكري واحد فقط هو الغارات الجوية المركزة، لكن ذلك ليس كافياً لتحقيق تقدّم على الأرض في ظل تماسك قوات حكومة الوفاق بشكل عام".



أما على المستوى السياسي، فكانت رسالة السيسي بدعم حفتر أكثر وضوحاً من سابقاتها بالنظر للتوقيت، ولا سيما أنه قبل أيام معدودة كان يتحدث عن وجوب إعطاء فرصة للحل السياسي. وهو ما يعكس بحسب المصادر دعم مصر ومن خلفها الإمارات والسعودية بشكل غير محدود لعملية حفتر لإنتاج واقع سياسي جديد، وسعيها لإنهاء عهد حكومة الوفاق وخلق حكومة جديدة على أسس مختلفة عما تم الاتفاق عليه في السنوات الماضية.

وفي هذا الإطار؛ يبرز التطابق بين موقف الدول الثلاث العربية الداعمة لحفتر مع موقف باريس غير المعلن للقضاء على فرص وصول "الإسلام السياسي" إلى الحكم بذريعة حظر القوات التابعة للمجموعات الإسلامية ودعم تصفيتها. وهو ما يجعل حديث ماكرون منذ يومين عن دعم حكومة الوفاق بعيداً عن الأمر الواقع. وفي المقابل فإن زيارة السراج لباريس وإبداء انفتاحه عليها على الرغم من كل الخلافات وما يجري على الأرض بشكل غير معلن من دعم لحفتر، يفتح باباً لتصورات جديدة حول ما إذا كانت حكومة الوفاق تسعى لخلخلة الدعم الفرنسي لحفتر وإغراء باريس ببعض الامتيازات مستقبلاً.

وبحسب المصادر المصرية، فإن "السيسي وعلى الرغم من مضيه قدماً مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد وولي العهد السعودي محمد بن سلمان ودوائر أخرى أوروبية وأميركية في دراسة الدعوة لمؤتمر جديد حول ليبيا يتم فيه استبعاد التيارات الإسلامية القريبة لفكر جماعة الإخوان المسلمين وقمعها سياسياً، إلا أنه لن يقدم على هذه الخطوة قبل أن يحقق حفتر تقدماً واضحاً على الصعيد الميداني. ما يجعل مساعدته أولوية لدى مصر حالياً تحت ستار دعم جهود (الجيش الوطني الليبي في دحر الإرهابيين)، بما يعتبره السيسي (قضية أمن قومي) بالنسبة له".

وكانت مصادر قد ذكرت لـ"العربي الجديد" الشهر الماضي أن "إيطاليا تحاول بشكل أساسي الوصول لصيغة تخلخل التنسيق الفرنسي المصري بشأن العمليات الميدانية وتقدم حفتر، وكذلك تضمن فتح مفاوضات على مستوى متقدم حول خريطة المستقبل في ليبيا، ومدى تمسك مصر والإمارات بوجود حفتر والموقع الملائم له، بالإضافة إلى ملف آخر يعتبر محوراً رئيسياً للنزاع على ليبيا بين إيطاليا وفرنسا هو الاستحواذ على عقود استخراج وتوريد النفط، من الآبار العملاقة التي تتحكم فيها مليشيات حفتر حتى الآن". وتحاول إيطاليا تحفيز السيسي بالقيام دور سياسي أكبر في ليبيا على صعيد ملف "توحيد الجيش الليبي" والذي كان قد تولاه لعامين تقريباً برعاية فرنسية إيطالية، قبل أن تفشل هذه الجهود رسمياً وتنتهي إلى رعاية مصرية إماراتية روسية لمليشيا حفتر والمليشيات الصغيرة المنضوية معها فقط.