مشاريع تغيير قانون الانتخابات: انقسام تونسي إضافي

مشاريع تغيير قانون الانتخابات: انقسام تونسي إضافي

05 يونيو 2019
الحديث عن التعديلات قبل 4 أشهر من الانتخابات(فرانس برس)
+ الخط -
لم يتوقّف الجدل حول مقترحات تغيير قانون الانتخابات في تونس، عشية انتخابات تشريعية ورئاسية منتظرة بعد نحو أربعة أشهر. ويبدو أنّ الانقسامات كبيرة بشأن فصول هذه التعديلات المقترحة، وهو ما دفع إلى تأجيل مناقشتها في البرلمان أكثر من مرة، نظراً لغياب توافقات حولها. وتنقسم المقترحات إلى نوعين؛ الأول يتعلّق برفع العتبة الانتخابية، أي الحدّ الأدنى من الأصوات الضرورية التي تتيح لأي مرشّح الحصول على مقعد ودخول البرلمان، علماً أنّ لهذا المقترح انعكاسات مالية كبرى على بعض المرشحين والأحزاب الصغيرة، الذين يعوّلون فقط على دعم منحة الدولة الخاصة بالحملات الانتخابية، التي تستوجب أيضاً حداً أدنى من الأصوات. أما القسم الثاني، فيتعلّق بمنع رؤساء المؤسسات الإعلامية والجمعيات من الترشح للانتخابات، لأنّ في ذلك استغلالاً واضحاً للعمل الإعلامي والخيري بطريقة متخفية لأغراض سياسية. ويبدو أنّ هذا المقترح سيسقط، لأن حركة "النهضة" تميل إلى رفضه.

في السياق، قال الأمين العام لـ"الحزب الجمهوري" عصام الشابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "مساعي تغيير النظام الانتخابي والعتبة الانتخابية، هي محاولات للتضييق على المعارضة واستفراد الأحزاب الحاكمة بالمشهد النيابي"، معتبراً أنّ "هذه المحاولات تُقدّم بتعليل ضمان الاستقرار، وحماية هياكل المجلس النيابي، ولكن يبدو أنّ الأحزاب الحاكمة ضاقت ذرعاً بدور المعارضة، في الوقت الذي يجب أن يعكس المشهد التعددية". وأكّد الشابي أنّ "الدفع باتجاه إقصاء بعض ألوان الطيف السياسي وجعلها خارج المؤسسات التمثيلية، غير مقبول، لأن المجلس النيابي يجب أن يكون ممثلاً لجميع الألوان والفئات".

ورأى أنّ "الأفضل من ذلك التركيز على النظام الداخلي للبرلمان، بمعنى منع السياحة الحزبية، (انتقال نائب من كتلة إلى أخرى، ما يحدث ارتباكاً متواصلاً على توازنات البرلمان)، لافتاً إلى أنّ "سبب التشرذم الحاصل الآن في الكتل هو الانقسامات التي عرفها الحزب الأول الحاكم، نداء تونس، وليس الأحزاب الصغرى، وهو ما تسبب بالإرباك في عمل المجلس". وأضاف أنّ "معالجة الوضع وإصلاح الأخطاء السابقة بإقصاء الخصوم السياسيين، مضرّ بالانتقال الديمقراطي".

وأوضح الشابي أنّ "تغيير قواعد اللعبة قبل أشهر من الانتخابات، لا يعتبر من ثوابت الديمقراطية، رغم أنّ القانون لا يمنع هذا الإجراء، ولكن هناك أعراف يجب احترامها، ولا بدّ من الامتناع عن المسّ بالقوانين قبل فترة قصيرة من الانتخابات، لأنها ستكون لصالح فئة ما".

من جهة أخرى، أشار الشابي إلى أنّه في الأساس "ترشّح رؤساء بعض الجمعيات أو أصحاب مؤسسات إعلامية يتنافى مع الديمقراطية، لأنه تحايل على القانون، ويقوم على استغلال العمل الجمعياتي أو التمويلات الأجنبية وتوزيع الإعانات على المواطنين، وهي الإجراءات الممنوعة على الأحزاب. وإذاً، تغيير قواعد اللعبة أثناء اللعبة، أي قبيل الانتخابات، غير مقبول وغير ممكن". وأكد أنّ "من يرد خوض الانتخابات، فعليه أن يسلك الطريق القانوني للعمل الحزبي، فلا بدّ من سنّ قانون يوضح هذه المسائل. أما الارتباك والضعف الواضح من قبل السلطة، لاستفادتها من الجمعيات ومن وسائل الإعلام، فلا يمكن أن يستمر، ويجب منع الإرباك الحاصل من خلال إرادة سياسية واضحة".


من جهته، دعا رئيس الجمهورية السابق، مؤسس حزب "حراك تونس الإرادة"، المنصف المرزوقي، إلى ضرورة التصدّي لمقترح منع أصحاب المؤسسات الإعلامية من الترشح للانتخابات الرئاسية. وقال المرزوقي في منشور له على صفحته الرسمية على موقع "فيسبوك" أخيراً، إنه "كان من الضروري سنّ هذا المشروع من قبل، لأنه يجب إعادة النظر في كل شروط الترشّح وفي ظروف نزاهة الانتخابات". ولفت إلى أنه "لا أحد أكثر اقتناعاً مني بوجهة النظر القائلة بمنع استعمال المال والإعلام (وموارد الدولة أيضاً)، لكي تكون الانتخابات نزيهة لا فقط حرة، ومن السخف الحديث عن انتخابات ديمقراطية ومرشّح لديه تلفزيون وجمعية يتملكها هوس حب الفقراء عند اقتراب الانتخابات، فيما آخرون لا يملكون شيئاً". لكنه أوضح أنه "في القضية الحالية، كل الناس تعلم أنها تصفية حسابات بين القوى التي قادت الثورة المضادّة، وتتصارع اليوم على الغنائم"، مضيفاً أنه "أحياناً يتطلب الحفاظ على مصلحة عليا ودائمة، التضحية بمنفعة عاجلة، حتى ولو كانت شرعية". 

وشدّد المرزوقي على أنّ "إرساء دولة القانون والمؤسسات، أهم ألف مرة من قطع الطريق على خصم سياسي وعدوّ أيديولوجي"، مؤكداً أنّه "إذا مرّ هذا القانون، فالباب سيكون مفتوحاً على مصراعيه لقوانين على مقاس السلطة الحاكمة، وآنذاك وداعاً لفترة قد تطول أو تقصر لدولة القانون والمؤسسات".

بدوره، قال رئيس كتلة "حركة النهضة" نور الدين البحيري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الحركة "ضدّ إقصاء أي طرف ومنعه من الترشح للانتخابات الرئاسية، طالما أنّ القانون يسمح بذلك، وطالما أنّ المرشح تونسي وتتوفر فيه الشروط"، موضحاً أنّ "تونس صادقت على قوانين تمنع الإقصاء، ومن ثم لا يمكن منع أي شخص من ممارسة حقه". وأضاف أنه "ينبغي مع اقتراب المواعيد، مناقشة كل ما تقتضيه الممارسة الديمقراطية، ومصلحة تونس من أجل الصالح العام".

ورأى البحيري أنّ هذا "لا ينفي أنّ على الناشطين في الجمعيات احترام قانون الجمعيات والأسس التي بعث من أجلها العمل الجمعياتي، ولكي لا تتحوّل جمعية خيرية إلى جمعية سياسية، تماماً مثل الأحزاب التي عليها احترام القوانين. وإذاً على الجميع التقيّد بالقانون، لأنه إطار لكل عمل في تونس".

وعن العتبة الانتخابية، أكد البحيري أنّ "القانون الانتخابي السابق، كان يهدف إلى إشراك أكبر قدر من التونسيين في العملية السياسية، ومقترح الترفيع في العتبة الانتخابية الآن، جاء لخلق توازن في الساحة السياسية والعمل على مزيد من الجدية ولتحمل المسؤولية كما يجب". وأضاف أنّ "هناك اتفاقاً بين العديد من الكتل على الترفيع في العتبة، رغم بعض الاختلافات حول نسبة العتبة المنتظر أن تكون في حدود 3 في المائة، وذلك لمصلحة العملية الديمقراطية، ولضمان وجود مؤسسات تجمع أوسع طيف من الفاعلين السياسيين، مع حد أدنى من الجدية".

إلى ذلك، اعتبر القيادي في حزب "تحيا تونس" كريم الهلالي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "العتبة الانتخابية أصبحت ضرورة، ولا بد من توفّر حدّ أدنى للتمثيل في مجلس النواب، وأن يتحسّن المشهد البرلماني أكثر، إذ لا يمكن قبول دخول أشخاص للبرلمان بـ200 صوت فقط"، مشيراً إلى أنّ "هناك شروطاً يجب أن تحترم لحماية الديمقراطية من الشعبوية والإشاعات". وأوضح الهلالي أنّ "المنافسة الشريفة مطلوبة، ولكن لا يمكن أن يتم استعمال قنوات تلفزيونية خاصة، أو الترشح تحت غطاء جمعياتي وأعمال خيرية، فهذا غير مقبول لأنه يقوم على استغلال الناس"، مضيفاً أنّ "عدداً من الممارسات مضرّة بالديمقراطية وبقواعد المنافسة الشريفة".

وترفض جمعيات كثيرة معنية بالانتخابات هذه المقترحات، من بينها جمعية "عتيد"، التي استنكرت "عدم تركيز السلطة التشريعية على الأولويات الحقيقية لإصلاح المنظومة الانتخابية القانونية والمؤسساتية، والاقتصار فقط على اقتراح مسألة العتبة"، معتبرةً أنّ هذا الأمر "يثير تساؤلات عدة". وأكدت "عتيد" أنّ "إقرار عتبة مرتفعة بـ5 في المائة، سيكون له تأثير سلبي على مستقبل الانتقال الديمقراطي"، موضحةً أنها "نسبة عالية وفيها ضرب للتعددية الحزبية، وإقصاء صريح لفئة هامة من المستقلّين والأحزاب". كما اعتبرت الجمعية أنّ هذا التعديل "يرمي إلى الاستئثار بالسلطة من طرف الأحزاب الكبرى، بغض النظر عن التمثيل الحقيقي، من خلال اعتماد الأصوات المحصول عليها في الانتخابات المقبلة".