كورونا في مصر: مخاوف على السلع تمنع إجراءات صارمة

كورونا في مصر: مخاوف على السلع تمنع إجراءات صارمة

20 مارس 2020
تسعى مصر لحصر انتشار كورونا(Getty)
+ الخط -

كشفت مصادر في مجلس الوزراء المصري عن عقد اجتماعين بين رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، ووزير المالية محمد معيط، ووزيرة الاستثمار (التي يقوم مدبولي بأعمالها بعد تفككها)، ووزيرة التجارة والصناعة نيفين جامع، وممثلين لاتحادي الغرف التجارية والصناعات خلال اليومين الماضيين لبحث سبل اتخاذ خطوات فعالة لتقليل عدد المواطنين في الشوارع والحد من انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) في مصر، وفي الوقت نفسه الحفاظ على المصالح الخاصة للمستثمرين وكبار المصنعين والمنتجين والبائعين وكذلك صغار التجار، فضلاً عن الوقوف على حالة مخزون السلع الاستراتيجية والخامات الأساسية والوسيطة في ظل تقلص حركة التجارة العالمية وتراجع الواردات والصادرات. وذكرت المصادر لـ"العربي الجديد"، أن كبار المستثمرين وممثلي الغرف التجارية حذّروا من أن يصاب المخزون السلعي من الأغذية الأساسية بقصور حادّ، إذا استمرت حركة السحب الحالية من المواطنين بغرض التخزين المنزلي، وأن حركة السحب قد تتضاعف إذا أعلنت الدولة فجأة عن حظر التجول، مما يضعف قدرة الدولة على تتبّع الأنشطة الاحتكارية ورفع الأسعار لدى صغار تجار الجملة والتجزئة.

وحذّر المستثمرون أيضاً من اتخاذ قرارات بحظر التجول الكامل أو بالغلق الكامل لكل أماكن التجمع، سواء بمختلف أنواعها أو على مدار اليوم، مؤكدين أن الاقتصاد المصري الضعيف لا يتحمّل ذلك. وهو الأمر نفسه الذي أوصى به وزير المالية ومحافظ المصرف المركزي، لتشجيع المستثمرين على إبقاء أموالهم في السوق ولتكون رسالة طمأنة لكل المواطنين، الذين من المرجو أن يكونوا أكثر حرصاً على الاستثمار الصغير والمتوسط في السوق بعد القرارات التي اتخذها المصرف المركزي منذ أيام.

وبناء على هذا التخوف استقرت الحكومة، بعد موافقة المخابرات العامة، على اتخاذ تدابير عدة قبل الشروع في تنفيذ حظر التجول، وهي إغلاق جميع المطاعم والمقاهي والكافيتريات والمقاهي والكازينوهات والملاهي والنوادي الليلية والحانات والمراكز التجارية (المولات التجارية)، وما يُماثلها من المحال والمنشآت التي تهدف إلى بيع السلع التجارية أو تقديم المأكولات أو الخدمات أو التسلية أو الترفيه، ووحدات الطعام المتنقلة. وتمّ تحديد حظر التجول من الساعة السابعة مساءً وحتى الساعة السادسة صباحاً أمام الجمهور، في كل أنحاء الجمهورية، بدءاً من أمس الخميس وحتى نهاية الشهر الحالي، باستثناء خدمات توصيل الطلبات للمنازل، وكل الأماكن التي تبيع السلع الغذائية مثل المخابز ومحال البقالة، وكذلك الصيدليات والسوبر ماركت سواء المتواجدة بالمراكز التجارية وخارجها.

وذكرت المصادر أن الاعتبارات الاقتصادية المذكورة "منعت الحكومة من اتخاذ إجراءات أكثر صرامة" وأن النقاط الخاصة ببدء توقيت الإغلاق والتأكيد على استمرار فتح محال البقالة والمخابز المتواجدة داخل المراكز التجارية، تم النص عليها بمطالبة مباشرة من شركتين خليجيتين كبيرتين تعملان في هذا النشاط في مصر، تمكيناً لهما من تأمين مصدر لاحتياجات المواطنين في المناطق المختلفة من القاهرة الكبرى والإسكندرية من السلع الأساسية، في ظل مؤشرات عجز البقالات التموينية ومحال البقالة الصغيرة والسلاسل المناطقية عن تلبية كل حاجات المواطنين طوال فترة التدابير.

وفي السياق نفسه، كشفت المصادر أن رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي كلف وزير الداخلية اللواء محمود توفيق، بشكل مباشر بالتنسيق مع المحليات لوقف أنشطة تجّمع المواطنين في القاهرة الكبرى والمحافظات، حتى قبل تطبيق حظر التجول، وعلى رأسها سرادقات (خيام) الأفراح والعزاء والجنازات، التي ما زالت تُعتبر مصدراً لقلق الدولة بسبب صعوبة إقناع المواطنين بخطورة الموقف. وذكرت المصادر أن السيسي يبحث حالياً التوجه بنفسه بكلمة للشعب المصري لطمأنته وإعلان اتجاهات تحرك الدولة في الأزمة، وأن مستشاريه أوصوا بأن يكون الظهور مقترناً بقرارات مهمة كحظر التجول الجزئي، الذي ما زالت آلياته رهن الدراسة بين الرئاسة والجيش.



وأوضحت مصادر خاصة تحدثت لـ"العربي الجديد" أن قرارات رئيس الوزراء مصطفى مدبولي تُعدّ خطوة تمهيدية، سيتبعها قرار بحظر التجول في غضون أسبوع في حال عدم استجابة المواطنين والتزامهم بالتعليمات. كما كشفت عن قرار غير معلن برفع عدد مستشفيات العزل الصحي للمصابين بالفيروس في عدد من المحافظات التي ارتفعت فيها أعداد الإصابة خلال الأيام الماضية. وأشارت المصادر إلى أن المحافظات شملت القاهرة ودمياط والمنيا والدقهلية وأسوان بالإضافة إلى مرسى مطروح، وسيتم زيادة مستشفيات العزل بكل محافظة منها إلى خمسة مستشفيات. وأشارت إلى صدور قرارات للمستشفيات الجامعية بندب وإخلاء طرف للأعداد اللازمة لتلك المستشفيات من أطباء الأمراض الصدرية والصيادلة وأطباء الأسنان.

كما كشفت المصادر عن خطة طوارئ في كافة المستشفيات الحكومية والجامعية تحسباً لتفشٍّ واسع للمرض، قائلة إنه تم منع الزيارات نهائياً عن المرضى في كافة وحدات العناية المركزة، ووحدات الأطفال، على أن تكون الزيارات لباقي الأقسام في أضيق الحدود بما لا يزيد عن اثنين فقط من أقارب المريض يومياً. وأفادت عن صدور تعليمات برفع تقارير يومية بشأن عدد الأسرّة الخالية في كل مستشفى، وعدد الحالات المنتظر خروجها في أقرب وقت، مع صدور تعليمات لعدد من المستشفيات الجامعية بعدم قبول أي حالات جديدة في كافة التخصصات لـ15 يوماً. وأوضحت المصادر بأن هناك مخاوف من تزايد أعداد الإصابات بشكل مفاجئ، نتيجة وجود حالات مصابة غير معروفة ويصعب الوصول إليها.

من جهتها، ذكرت المصادر أن هناك لجنة مشكلة من عدة مسؤولين في وزارة الصحة والنقل وجهات سيادية، للتوصل إلى حل لأزمة مترو الأنفاق داخل القاهرة في ظل الازدحام والأعداد الضخمة التي تستخدمه يومياً، موضحة أن هذا المرفق يمثل خطراً بالغاً. وأشارت إلى أن هناك عدداً من السيناريوهات التي يتم بحثها لضمان عدم نقل العدوى بما لا يؤثر على تقديم الخدمة، ومنها زيادة عدد العربات والقطارات وتقليل زمن التنقّل لتخفيض الأعداد داخل عربات المترو. وسبق لـ"العربي الجديد" أن نشرت فحوى قرارات الحكومة بالإغلاق الجزئي المسائي لأماكن التجمعات في تقرير أخير، نقلاً عن مصادر حكومية أكدت أن اتخاذ هذه الخطوات بتوصية مباشرة من وزارة الصحة، التي ترى ضرورة تطبيقها بشكل عاجل، ولاتخاذ تدابير تحمل في طيّاتها حظراً للتجول من دون فرض الحظر بشكل كامل يرتب مسؤولية المتابعة الميدانية بشكل قد يضر بالجيش والشرطة.

وتبدو حاجة مصر لاتخاذ قرارات من هذه النوعية أكثر إلحاحاً حالياً، خصوصاً بعد وصول عدد الحالات إلى 210 وتسجيل أول حالة وفاة من العاصمة القاهرة منذ يومين، لمواطن يبلغ من العمر 70 عاماً كان عائداً من العمرة، وله ابنة تعمل في مطار القاهرة، ولهما امتدادات عائلية وصداقة في منطقتي حدائق حلوان جنوبي القاهرة وفيصل بالجيزة، كما كشف مصدر بوزارة الصحة، لـ"العربي الجديد". وأضاف أن هناك خطورة في تعدد تسجيل حالات الإصابة لدى أصحاب مهن يختلطون بالعديد من المواطنين، مثل الأطباء الذين اكتشفت حالات لهم في دمياط والدقهلية ومنطقة الهرم وفيصل بالجيزة والمنوفية ولسائح إيطالي في الإسكندرية، ثبت مخالطتهم للمئات من الأشخاص غير المعروفين على وجه التحديد.

وكانت المصادر قد كشفت في وقت سابق وجود عدة اعتبارات ومخاوف طرحها ممثلو الجيش والأمن العام والأمن الوطني، تصعّب من وجهة نظرهم فرض حظر تجول كامل، أو يشمل كل أنحاء البلاد، أبرزها خشية قيادة القوات المسلحة من احتكاك أفراد الجيش بالشارع وبالتالي زيادة فرص تعرضهم للعدوى، خصوصاً أن القوات المسلحة قد فرضت في الأسبوعين الأخيرين إجراءات طبية وتأمينية مشددة على كل معسكراتها على مستوى الجمهورية. وبحسب المصادر؛ اعتبرت وزارة الدفاع أن الدفع بالقوات المسلحة لمتابعة تنفيذ قرار حظر التجول المقترح، كما كان الوضع عام 2011 عقب ثورة يناير/كانون الثاني، أو في 2013 عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة، يمكن أن تكون له أضرار يصعب تلافيها، مما دفعها للمطالبة بأن يتضمن المقترح آليات لتقليل الحاجة للتواصل المباشر بين أفراد الجيش والمدنيين. ولم تطرح الداخلية المخاوف نفسها، في موقف ترجعه المصادر لأن الشرطة من الأساس مختلطة بالشارع، لكنها أكدت على صعوبة الاستعانة بمجندي الأمن المركزي في عمليات ضبط الشارع في هذه المرحلة، بسبب قلة الأعداد قياساً بالمتطلبات على مستوى المحافظات.




المساهمون