فرنسا: اليمين المتطرّف يُعبّد طريق رئاسيات 2017

فرنسا: اليمين المتطرّف يُعبّد طريق رئاسيات 2017

07 ديسمبر 2015
يُخشى على موقف هولاند في 2017 (فيليب هوغوين/فرانس برس)
+ الخط -
تمخّضت نتائج الدورة الأولى لانتخابات مجالس المناطق في فرنسا، عن زلزال سياسي غير مسبوق في المشهد الفرنسي، وكرّست صعود حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرّف، بعد احتلاله الصدارة في ست مناطق من أصل 13 منطقة، في حين تعرّض الحزب الاشتراكي الحاكم، وحزب المعارضة اليمينية "الجمهوريون"، لهزيمة نكراء، بعد حلولهما في المركزين الثاني والثالث على التوالي، في غالبية المناطق.

وقد دفنت النتائج، للمرة الأولى، مشهداً سياسياً فرنسياً تقليدياً، كان حتى الأمس القريب، مكوّناً من قوّتين أساسيتين: الحزب الاشتراكي والمعارضة اليمينية، اللتين اعتادتا على تبادل السلطة بينهما خلال عقود، ليُصبح المشهد الانتخابي الآن، ثلاثي الأبعاد، بعد أن فرض "الجبهة الوطنية" نفسه، عبر صناديق الاقتراع.

ويعتبر "الجمهوريون"، الممثل الرئيسي للمعارضة اليمينية، بقيادة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، الخاسر الأكبر في هذا المنعطف الانتخابي التاريخي، لأنه كان يأمل بتحقيق نجاح ساحق في هذه الانتخابات، تجعله يخوض غمار الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2017، في وضعية مريحة. كما أن ساركوزي بنى كل استراتيجيته السياسية من أجل العودة إلى السلطة، على فكرة أن "الجمهوريين" هو السدّ المنيع والطبيعي ضد اليمين المتطرّف.

لكن الرئيس السابق، يجد نفسه الآن في موقع ضعيف، يهدد مستقبله السياسي كمرشح رئيسي لليمين في الرئاسيات المقبلة. وبات محيط ساركوزي مقتنعاً بأن استعادة السلطة شاقة وطويلة، وتتطلّب تعبئة استثنائية لناخبي اليمين، الذين فضّلوا التصويت لـ"الجبهة الوطنية" بقيادة مارين لوبان.

كما أن قرار ساركوزي، الذي أعلنه مباشرة بعد ظهور النتائج، مساء الأحد ـ الاثنين، والقاضي برفض أي اندماج مع الحزب الاشتراكي، وأي "سحب" للوائح مرشحيه في الدورة الثانية (الأحد المقبل)، لقطع الطريق أمام اليمين المتطرف، عاد عليه بانتقادات شديدة، ليس فقط من طرف اليسار وأحزاب الوسط المتحالفة معه، بل أيضاً في أوساط قيادات حزبه. وهو ما عكسته تصريحات عمدة مدينة بوردو آلان جوبيه، الذي يرى أن "المسألة واضحة الآن، نحن أمام صعود قوي للجبهة الوطنية تجب مواجهته برؤية واضحة وأعصاب هادئة".

اقرأ أيضاً "لوموند": زعيمة اليمين المتطرف تسعى لتصبح رئيسة لفرنسا

كما طالب أيضاً رئيس الوزراء السابق جان بيار رافاران، والوزيرة السابقة ناتالي كوسيسكو موريزي، بسحب لوائح مرشحي "الجمهوريون" في المناطق التي حلّوا فيها في المركز الثالث خلف "الجبهة الوطنية" والحزب الاشتراكي، لقطع الطريق على لوائح لوبان والمساهمة في وضع سدٍّ ضد "الجبهة".

أما الحزب الاشتراكي الحاكم، فيجد نفسه أيضاً في وضعية هشّة أمام الصعود المدوّي لليمين المتطرف. وعلى الرغم من أنه كان يتوقع خسارة مهمة في هذه الانتخابات، إلا أنه تلقّى صفعة قوية بحلوله ثالثاً في مناطق عدة خلف "الجبهة الوطنية" و"الجمهوريون".

فشل الاشتراكي في استثمار تصاعد شعبية الرئيس فرانسوا هولاند، في استطلاعات الرأي، بعد اعتداءات الجمعة السوداء (13 نوفمبر/تشرين الثاني) بفضل سياسته الأمنية المتشددة. ويتحمّل الحزب الحاكم قسطاً كبيراً من المسؤولية في هذه الهزيمة الانتخابية، بسبب فشل الأداء الحكومي، بقيادة رئيس الوزراء مانويل فالس، في احتواء ظاهرة البطالة، التي حطّمت رقماً قياسياً، وباتت تشمل حوالي 4 ملايين شخص، بعد تسجيلها أعلى زيادة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، للمرة الأولى منذ عام 2013. كما أن الاشتراكي أظهر فشله، حين دخل معركة مجالس المناطق، أعزل ومن دون حلفائه من الأحزاب اليسارية الراديكالية وحزب "الخضر".

ويحاول الاشتراكي الحدّ من الخسائر، وتوحيد العائلة اليسارية لانتزاع مناطق عدة في الدورة الثانية. كما أن الحزب تنازل عن أي تمثيل للاشتراكيين في مجلسين على الأقلّ حين أعلن انسحابه، فور ظهور النتائج، من منطقتين رئيسيتين في الدورة الثانية من الانتخابات، بهدف منع اليمين المتطرف من الفوز بها، تحديداً في منطقة نور با دو كاليه باكاردي الشمالية، التي حلّت فيها لائحة مارين لوبان في الصدارة بنسبة 43 في المائة، ومنطقة بروفانس آلب كوت دازور الجنوبية، التي تصدّرتها ابنة أختها ماريون ماريشال لوبان بنسبة 41 في المائة.

ومهما كانت عليه نتائج الدورة الثانية الأحد المقبل، فإن نتائج الدورة الأولى تُعدّ بمثابة اختبار لمدى حظوظ الرئيس فرنسوا هولاند، في انتزاع ولاية ثانية في الرئاسيات المقبلة. وبات الآن من المؤكد، وفقاً لنتائج الأحد، ما لم يتبدّل شيء في الفترة المقبلة، أن هولاند سيجد نفسه في موقع ضعيف في مواجهة مارين لوبان. وأكثر ما يخشاه الاشتراكيون، هو كابوس إقصاء هولاند، في الدورة الأولى من الرئاسيات، إذا حلّ في المرتبة الثالثة وراء لوبان وساركوزي.

وبالنسبة لـ"الجبهة الوطنية"، فيعدّ الرابح الأول على كل المستويات، بعد نجاحه في كسر الثنائية الحزبية وتداول السلطة بين الحزب الاشتراكي والمعارضة اليمينية التقليدية. وفرض نفسه من الآن فصاعداً كأول حزب معارض للحكم الاشتراكي، بدلاً من حزب "الجمهوريون". كما أن فوزه المحتمل، ولو بمنطقتين فقط، سيُمكّنه من ممارسة الحكم التنفيذي، للمرة الأولى في فرنسا، وتطبيق شعاراته الوطنية على المستوى المحلي، وتغيير الحياة اليومية للفرنسيين بحسب مرجعيته الأيديولوجية فيما يخص التعامل مع المهاجرين وتدبير الشأن الديني والسياسة الضريبية.

ومنحت هذه الانتخابات زخماً قوياً لمارين لوبان، التي لم تخفِ أبداً أن هدفها الأساسي هو رئاسة الجمهورية، وهزيمة هولاند وساركوزي في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2017، مسلّحة بتداعيات اعتداءات باريس، وتصاعد كراهية الأجانب، وأزمة اللاجئين، وأيضاً بيأس المواطنين الفرنسيين من الأحزاب التقليدية وعدم ثقتهم بالنخبة السياسية الحالية.

اقرأ أيضاً: جمعيات إسلاميّة.. هذه تداعيات العمليات الإرهابية في فرنسا

المساهمون