هل يقترب الأردن من الانخراط في "صفقة القرن"؟

هل يقترب الأردن من الانخراط في "صفقة القرن"؟

02 اغسطس 2019
يواصل كوشنر زيارته الشرق أوسطية (وكالة بترا الأردنية)
+ الخط -

عزّزت الزيارة التي قام بها جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره، إلى الأردن يوم الأربعاء، المخاوف من أن عمان بدأت تنخرط رويداً رويدا في خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة اعلامياً بـ"صفقة القرن" نتيجة الضغوط التي تمارس عليها، والتي كانت سبباً في مشاركتها في ورشة البحرين التي عقدها كوشنر في 25 و26 يونيو/حزيران الماضي وخُصصت للكشف عن الشق الاقتصادي من الخطة الهادفة إلى جذب استثمارات تتجاوز قيمتها الـ50 مليار دولار، وسط مقاطعة فلسطينية. البيان المقتضب الذي صدر عن الديوان الملكي الأردني عقب الاجتماع قال إنه "في معرض بحث الجهود المبذولة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي خلال لقاء كبير مستشاري الرئيس الأميركي، جاريد كوشنر، أكد ملك الأردن عبد الله الثاني، على ضرورة تحقيق السلام العادل والدائم، بما يضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، تعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل، استناداً إلى حل الدولتين، ووفق مبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة". وفيما لم يعلن عن تفاصيل الاجتماع، نشر الديوان الملكي الأردني على موقعه الرسمي صورة تجمع كوشنر مع ملك الأردن، حملت بالنسبة للبعض تعبيراً عن عدم الترحاب الأردني بمقترحات صهر الرئيس الأميركي، خصوصاً أنها التُقطت للرجلين واقفين، على غير العادة في الصور التي تنشر للقاءات العاهل الأردني. ويسود اعتقاد بأن المساحة المتاحة للأردن للمناورة ورفض المقترحات الأميركية محدودة.

الأردن الذي عاني اقتصادياً وتهميشاً سياسياً على المستوى الإقليمي، يجد نفسه في موقف حرج إزاء خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن"؛ ففي الوقت الذي لا تستطيع فيه عمّان الاستغناء عن المساعدات الأميركية التي تصل إلى ما يزيد عن مليار ونصف المليار دولار سنوياً، تهدّد التسريبات الصادرة عن مصادر أميركية بشأن "صفقة القرن" الهوية السياسية للأردن.

ويقول المحلل السياسي الأردني حسن البراري في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الأردن أعاد تأكيده إعلامياً على رفض خطة كوشنر، لكن لا أحد يعلم ما يجري خلف الأبواب المغلقة، مشيراً إلى أن الأردن تراجع عن موقفه من عدم المشاركة بورشة البحرين الاقتصادية بسبب الضغط الذي وقع عليه. ويوضح أن كوشنر لا يقدم في زيارته الجديدة أي مقترحات بديلة في جوهر خطته التي تقوم على تصفية القضية الفلسطينية بمباركة وتمويل عربي، موضحاً أن خطة كوشنر مقسمة على مراحل، ولا يوجد فيها تغيير. ويشير البراري إلى أن علاقات الأردن مع الولايات المتحدة علاقة يُمكن وصفها بـ"الاعتمادية" فالأردن الذي يتلقى ما يزيد عن المليار وربع المليار دولار لدعم الموازنة سنوياً من الولايات المتحدة، لا يستطيع رفض استقبال مبعوث أميركي رسمي، وقول لا مطلقة للولايات المتحدة، فالتحدي الأكبر للأردن هو حول كيفية معالجة أزمته الاقتصادية، وعلاقات الأردن الخارجية تقع في إطار هذه المعادلة.



بدوره يقول المحلل السياسي والخبير بالشؤون الإسرائيلية أيمن الحنيطي، لـ"العربي الجديد" إن بداية كوشنر جولته في المنطقة من عمّان بعد أن كانت مقررة من إسرائيل هي رسالة ومؤشر على تغير في الموقف الأميركي الساعي لإنجاح خطته للسلام بأي طريقة كانت، بعد ورشة البحرين. ويلفت إلى أنه لا يستبعد ما نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، وهو عقد مؤتمر للسلام، رغم النفي الأميركي، مشيراً إلى أن الحديث عن زيارة متوقعة لمدير المخابرات الفلسطينية إلى واشنطن في هذا الإطار.

ويتابع أن الأميركيين يحاولون الاعتماد على ما يسميه بـ"التغذية الراجعة من الأردن بشكل خاص"، على اعتبار أن الموقف بين الأردن والسلطة الفلسطينية موحّد خصوصاً بعد الاجتماع بين العاهل الأردني والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وبالتالي تدرك الإدارة الأميركية أن "ما يقبل به الأردن يقبل به الفلسطينيون والعكس صحيح أيضاً. فما يقبل به الفلسطينيون يقبل به الأردن، والخطة الأميركية ما زالت قيد الصياغة والتعديل"، لافتاً إلى تغريدة المبعوث الأميركي لعملية السلام في الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، في إبريل/نيسان الماضي التي قال فيها إن "الشائعات التي تشير إلى أن رؤيتنا للسلام تتضمن كونفدرالية بين الأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية، أو الرؤية التي تفكر في جعل الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين، غير صحيحة".

ويقول لم تعد الولايات المتحدة تربط صفقة القرن بالانتخابات الإسرائيلية بسبب تعقيد المشهد السياسي الحزبي الداخلي في اسرائيل، مشدداً على أنه لا بد أن يكون هناك مؤتمر للسلام، والحديث حالياً عن حل بــ"كيان فلسطيني" أقلّ من الدولة، وأعلى مستوى من الحكم الذاتي، تكون فيه اليد الطولى لإسرائيل "للسيطرة الأمنية على الكيان المقترح".

من جهته، استنكر حزب جبهة العمل الإسلامي (أكبر الأحزاب الأردنية) في بيان صدر يوم الأربعاء، زيارة كوشنر إلى الأردن، مشيراً إلى أن استقبال كوشنر بما يمثله من شخصية صهيونية منحازة بالمطلق لإسرائيل، يمثل تناقضاً مع التأكيدات الرسمية برفض صفقة القرن وبكل مخرجاتها، مؤكداً على ضرورة أن ينسجم الموقف الرسمي مع الموقف الشعبي في مواجهة هذه الصفقة. وأضاف أن مسار التسوية منذ أوسلو ووادي عربة لم يُفض إلا إلى تضييع الحقوق، ما يعني ضرورة وقف التعاون مع هذه الإدارة الصهيونية التي تبيع الأوهام، وضرورة دعم خيار المقاومة لإفشال هذه المؤامرة على الأردن وفلسطين.

بدوره دان مجلس النقباء المهنيين الأردنيين، الذي يضم 15 نقابة مهنية، زيارة كوشنر وما يحمله من أفكار حول ما يعرف بـ"صفقة القرن". وعبّر المجلس في بيان صادر عنه عن رفضه لصفقة القرن، مؤكداً أنها لن تمر ولن تكون فلسطين إلا لأهلها ولن تكون القدس إلا عاصمة لدولتهم. ودعا كل القوى الشعبية والحزبية والنقابية للوقوف صفاً واحداً ضد كل الاتفاقيات مع العدو الصهيوني، من وادي عربة إلى اتفاقية الغاز ورفض كل أشكال التطبيع.