النظام المصري و"العدالة الانتقالية": لغم دستوري يُهدد السيسي وبرلمانه

النظام المصري و"العدالة الانتقالية": لغم دستوري يُهدد السيسي وبرلمانه

01 اغسطس 2016
يأمل المصريون بقانون يحاسب المسؤولين عن القمع (فرانس برس)
+ الخط -
ورطة باتت مُعلنة، تواجهها السلطتان التنفيذية والتشريعية في مصر، بعد تبرؤ الحكومة من مشروع قانون العدالة الانتقالية، وإعلانها توقف عمل اللجنة المكلفة إعداد القانون، تحت إشراف وزير الشؤون النيابية، مجدي العجاتي، بدعوى أن الدستور لا يُلزم الحكومة بتقديم مشروع القانون إلى مجلس النواب، وأن الأخير هو الملزم دستورياً بإصداره. ونصت المادة (241) من الدستور على "التزام مجلس النواب في أول دور انعقاد له، بعد نفاذ الدستور، بإصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة، والمحاسبة، واقتراح أُطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، وذلك وفقاً للمعايير الدولية".

وأتى تهرب اللجنة الحكومية من إعداد القانون، وإلقاء الكرة في ملعب البرلمان، بسبب فقرة تتحدث عن "صياغة نصوص إجراءات المحاسبة"، التي قد تطاول رأس النظام الحالي، عبدالفتاح السيسي، بوصفه كان أحد المسؤولين عن جرائم ما بعد "30 يونيو"، التي ارتكبت بحق المصريين، لا سيما عندما كان يشغل منصب وزير الدفاع آنذاك. ويكشف مصدر مطلع بوزارة الشؤون النيابية، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن عدداً من الأحداث التي وقعت بعد 30 يونيو، شكلت عقبة أمام إصدار القانون، لا سيما فض اعتصام "رابعة العدوية" دموياً، لأن القانون لا بد وأن يحدد المسؤول عن الضحايا الذين سقطوا خلال تلك الأحداث، ومن ثم محاسبتهم.

ولا بد أن ينص القانون المنتظر على الاعتراف بالجرم، والاعتذار عنه، ما يعني اعتراف حكومة رئيس الوزراء الأسبق، حازم الببلاوي، بالتورط في قتل المئات من المدنيين، ونائبه الأول حينها، السيسي، وهو ما يعد أمراً صعب التحقق، ولم تنجح الحكومة في تلافيه خلال صياغة التشريع. وتابع المصدر أن اللجنة سعت قبل توقف عملها إلى ترك المحاسبة للجهات القضائية، والمحاكم الجنائية، عوضاً عن إنشاء دوائر قضائية متخصصة، مثلما حدث في نماذج مقارنة بدول مثل تشيلي، مع عدم جواز التجريم بأثر رجعي، لتخطي عقبة محاسبة المسؤولين السابقين. ورداً على سؤال حول "الإصلاح المؤسسي" كأهم أركان العدالة الانتقالية، قال المصدر إنه "إذا كان المقصود إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، فالأمر لم يكن مطروحاً في مناقشات القانون، على اعتبار أنه ليس من أولويات النظام الحاكم في المرحلة الراهنة".


قانون شائك
وكان العجاتي قال في تصريحات سابقة، إن "القانون ليس سهلاً، وشائك، ولا بد أن يُحدد في نصوصه: ماذا حدث، ومن المسؤول، ومن أُضير، وكيفية جبر الضرر، وطرح أُطر للمصالحة الوطنية"، مضيفاً أن "الإشكالية تمثلت في كيفية التصالح مع من تلوثت يده بالدماء، في ظل تشابك الأطراف".

شرعية البرلمان
وأعلن الصحافي المحسوب على دائرة السيسي، البرلماني أسامة هيكل، رفض معظم أعضاء ائتلاف "دعم مصر" الذي يتمتع بالأغلبية في البرلمان، لإنجاز قانون للعدالة الانتقالية، لأنه يعني بالضرورة تحقيق مصالحة وطنية مع الإخوان المسلمين، متهماً واضعي المادة في الدستور بـ"التواطؤ على الدولة"، بعدما تساءل في حوار صحافي: "ما المقصود بتعويض الضحايا؟ وهل كان يُقصد بهم ضحايا رابعة"؟ وقال هيكل في تصريحات إعلامية لاحقة: "نحن لا نحتاج إلى قانون عدالة انتقالية، فالدولة باتت مستقرة، والمادة الدستورية كارثية، ووُضعت كفخ، لأن طرح فكرة المصالحة سيؤدي لانقسام البرلمان والمجتمع من جديد"، مشيراً إلى أن "المجلس التشريعي لن يجرؤ على استصدار قانون يتصالح فيه مع الإخوان، لأن ذلك يعني إنهاء شرعيته في الحال".

من جانبه، قال رئيس البرلمان، علي عبد العال، إن إصدار القانون خلال دور الانعقاد الحالي أو المقبل "يعتمد على المواءمات التي يتفق عليها أعضاء المجلس"، في تمهيد لمخالفة دستورية جديدة، بعدم إقرار القانون في دور الانعقاد الجاري، والذي يُفض بنهاية شهر أغسطس/آب المقبل.

التمييز بين الضحايا
في غضون ذلك، رأى عضو اللجنة التشريعية، ثروت بخيت، في تصريح خاص، أن فكرة المصالحة الوطنية مع جماعة الإخوان أو تيار الإسلام السياسي مرفوضة من الأساس، قائلاً "سنقف ضدها كنواب خلال مناقشات القانون تحت القبة"، ومشيراً إلى أن أحداثاً مثل "رابعة" يعالجها القانون بحصر التعويضات بضحايا الشرطة، لأن لا تعويض "لمن باعوا الوطن"، على حد قوله. واعتبر عضو لجنة حقوق الإنسان، سمير غطاس، أن القانون لا بد من أن يحدد الفترة الزمنية التي ستشملها نصوص القانون، والتي ستبدأ، في الأغلب، منذ يوم 25 يناير/كانون الثاني 2011، مع وضع معايير محددة ومعممة، تسري على جميع ضحايا الأحداث التي شهدتها البلاد طوال تلك الأعوام. وأضاف غطاس في تصريح خاص، أن القانون لا يجب حصره في ضحايا الإخوان، فلا يمكن تجاهل ضحايا التعذيب داخل السجون، معتبراً الحديث عن المصالحة يتجاوز أحكام القانون، الذي يُجرم التحريض أو المشاركة في أعمال العنف، وأنه يجدر التركيز على حصر كل الأحداث، دون استثناء، والمسؤولين عنها، والمساواة بين الضحايا، سواء من الأمن أم المدنيين.


كيان غير قائم
بدوره، قال المتحدث باسم الكتلة البرلمانية لحزب الوفد، محمد فؤاد، إن حركة "الإخوان" لم تعد كياناً قائماً حتى يمكن الحديث عن مصالحة معها، مشيراً إلى أن التصالح يجب أن يشمل جميع المصريين من غير المتورطين في قضايا دم أو فساد. إلا أن عضو تكتل "25 – 30" البرلماني، محمد عبد الغني، اعتبر أن المشرّع الدستوري عمد إلى أهمية إقرار القانون في أول دور انعقاد للبرلمان، وذلك من أجل طي صفحة الماضي، وشمول كامل الفترة الانتقالية منذ العام 2011 وحتى الآن، وليس اقتصارها على فترة حكم الإخوان أو عهد الرئيس مرسي، ومحاسبة المتورطين في سفك دماء المصريين، أو إفساده، دون تمييز.

عدالة انتقائية
"لن يحاسبوا أنفسهم"، هكذا تحدث نائب يساري عن مشروع القانون، مشيراً إلى أن الحكومة كانت ستضع قانوناً "أقرب للعدالة الانتقائية، منها للانتقالية"، يُركز على تعويض أهالي ضحايا شهداء الجيش والشرطة، مادياً ومعنوياً، مع عدم التطرق إلى الضحايا المدنيين، لا سيما إذا كانوا من المحسوبين على التيار الإسلامي. وأضاف البرلماني، الذي تحفظ على ذكر اسمه، أن قانوناً مثل العدالة الانتقالية لا بد وأن ترافقه مؤشرات لرغبة النظام في تحقيق العدالة، والمحاسبة من خلال لجان تحقيق محايدة، وضمانات للمحاكمات العادلة، واستقلال القضاء عن السلطة التنفيذية، وهو أمر غير محقق حالياً.

التلاعب بالدستور
في هذا السياق، كشف رئيس لجنة حقوق الإنسان، محمد أنور السادات، عن وجود بعض الأصوات داخل اللجنة البرلمانية، وخارجها، تنادي بعدم عرض مشروع القانون في دور الانعقاد الجاري، بما يعد تلاعباً بالدستور، الذي ينص صراحة على إصدار القانون في دور الانعقاد الأول. وقال السادات في تصريح خاص، إن اللجنة البرلمانية لن تنتظر المشروع الحكومي، فلديها مشروعان جاهزان، أولهما جرى إعداده بالاشتراك مع وكيل اللجنة عاطف مخاليف، وأمين سرها محمود محي الدين، والثاني أعده المجلس القومي لحقوق الإنسان، وسيتم دمجهما معاً في مشروع قانون واحد.

مُقترح "مُفصل"
وكان البرلماني عن ائتلاف "دعم مصر"، محمد فرج عامر، قد أعد مشروع قانون لإنشاء "المفوضية الوطنية للحقيقة والعدالة والمصالحة"، وقدمه لرئيس البرلمان المصري، بعدما حصل على توقيعات 120 نائباً، وأحاله في شهر مايو/أيار الماضي إلى لجنة مشتركة من لجان الشؤون التشريعية والخطة والموازنة وحقوق الإنسان. ويتكون القانون المقترح من 102 مادة، مقسمة على عشرة أبواب، تبدأ بتعريفات المفوضية، واختصاصاتها، وطريقة تشكيلها، وأدواتها في تحقيق العدالة الانتقالية، والتي تتضمن توثيق الفعل الإجرامي، ومحاسبة المسؤول عنه، وفقاً للقوانين القائمة، والاعتراف بكل ضحايا الأحداث السابقة. ولم يتجاهل المشروع عملية الإصلاح المؤسسي كإجراء مكمل للمحاكمات، والمحاسبة، وضرورة إجراء تعديلات هيكلية في بعض المؤسسات ذات الصلة بالانتهاكات، وإبعاد العناصر التي يثبت تورطها في ارتكاب الجرائم سواء كانت في الإعلام أو القضاء أو الشرطة، دون أن يتطرق إلى الجيش. إلا أن القانون المُعد من قبل أحد قياديي الائتلاف، المشكل تحت إشراف الدائرة الرقابية الاستخباراتية، ركز في مواد جبر الضرر، والتعويضات المادية، والمعنوية، على أسر وأهالي الجيش والشرطة، وغض الطرف عن الضحايا من المدنيين، مع الاكتفاء بنص عن إقامة نصب تذكاري لشهداء ثورة "25 يناير" بميدان التحرير، واحتفال سنوي لتكريم أسر ضحاياها.

تجدر الإشارة إلى البيان المالي لموازنة الدولة للعام 2016/2017، أظهر تخصيص 291 مليون جنيه تحت بند "منح ومساعدات" لعلاج ورعاية أسر ضحايا ضباط الشرطة، والمحالين منهم إلى التقاعد، في حين لم يُخصص سوى 1.3 مليون جنيه للمجلس القومي لرعاية أسر شهداء ومصابي ثورة "25 يناير".