التوغل الروسي بليبيا: مراهنة على حفتر أم صراع دولي؟

التوغل الروسي في ليبيا: مراهنة على حفتر أم صراع نفوذ دولي؟

07 أكتوبر 2019
ليبيا ساحة للأطماع الدولية (فاسيلي ماكسيموف/ فرانس برس)
+ الخط -
لا تزال روسيا، الحليف القديم لنظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، تتجنب الإعلان عن انحياز لأي من طرفي النزاع في ليبيا، وتشدد على مواقفها الرافضة للحل العسكري وضرورة إحلال السلام من خلال حوار سياسي شامل، لكنها في كواليس أحداث البلاد شديدة التعقيد، اختارت أن تدعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر، فهل تراهن عليه؟

وكان دبلوماسي ليبي رفيع قد كشف لـ"العربي الجديد" عن معلومات تجري في كواليس التحضير للقاء برلين الدولي المرتقب بشأن ليبيا، بهدف الحد من التوغل الروسي في ليبيا، في ظل انزعاج أوروبي أميركي بعد ظهور مؤشرات على وجود مقاتليها وأسلحتها في صفوف قوات حفتر، التي تقاتل حاليا في محيط طرابلس.
ورغم عدم صدور أي موقف رسمي من موسكو حيال التقارير المتزايدة، التي كشفت وجودا عسكريا روسيا في صفوف حفتر، إلا أن مراقبي الشأن الليبي تختلف رؤاهم بشأن حقيقة السعي الروسي للتواجد في ليبيا.
إزاء ذلك، لم يفتأ الكرملين يكرر دعوته للأطراف الليبية إلى وقف "التصعيد وتجنب إراقة الدماء"، وضرورة الانخراط في حوار سياسي يفضي لإيجاد صيغ لحل الأزمة بشكل سلمي.
ويستبعد أستاذ العلوم السياسية بالجامعات الليبية، خليفة الحداد، أن يكون الكشف الإعلامي عن وجود مقاتلين لشركة "فاغنر" الروسية الأمنية دليلا كافيا على انحياز موسكو لحفتر. وقال "الصحف ذاتها أكدت في مناسبات سابقة تورط شركات أمن أميركية عبر الإمارات، مثل (بلاك ووتر)، في دعم حفتر، وكشفت عن قواعد إماراتية ووجود فرنسي، فهل يعني هذا دعم رسمي معلن لحفتر من هذه الدول؟"، معتبرا أن "روسيا لم تخف علاقتها بحفتر، فكثيرا ما استقبلته بشكل رسمي في عاصمتها وعلى مستوى وزير دفاعها، بل عُقد اجتماعا معه في إحدى المرات على ظهر الحاملة أدميرال كوزنيتسوف التي رست قبالة بنغازي في يناير/ كانون الثاني قبل عامين جهارا نهارا".

الحداد يرى في حديثه لـ"العربي الجديد" أن الوجود الروسي يسعى لإيجاد نوع من التوازن في ليبيا، بحثا عن مصالحه والمحافظة عليها، مضيفا أن "السراج الذي يملك اتصالات بروسيا أيضا يعلم هذا". وتعليقا على العثور على أدله تؤكد وجود "فاغنر" على الأراضي الليبية، قال الحداد إن السراج ليس متأكد من أن المرتزقة الروس على علاقة بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
ومضى الحداد مؤكداً أن "كل من روسيا وحفتر يعلمان جيدا أن كلاهما لا يمكنه أن يراهن على الأخر، فروسيا لا ترى فيه الرجل القوي الذي يمكنه تحقيق مصالحها، وحفتر لا يمكنه المجازفة بانحيازه الكلي لروسيا وهو يعلم الحساسية الأوروبية من وجودها في ليبيا وفقد أصدقاءه".
من جهته، لا يرى المحلل السياسي الليبي، عبد الحميد المنصوري، أن لدى حفتر خيارات كثيرة، فهو يعيش ورطة كبيرة بسبب خسارته في محيط طرابلس، قائلا لـ"العربي الجديد" إن "الغريق يتعلق بقشة، لا سيما وأن حفتر لا يملك دراية سياسية بالخلافات والمصالح الدولية، فصديقه من يمده بالسلاح لإنقاذه من ورطته". وأشار في هذا الصدد إلى أن فرنسا اضطرت إلى التراجع خطوات إلى الوراء، بعد انكشاف وجودها العسكري لجانب حفتر في محيط طرابلس.


وتحدث المنصوري عن انعكاس الانزعاج الفرنسي في مواقف رئيس البعثة الأممية الدبلوماسي اللبناني، غسان سلامة، الذي وصفه بـ"المقرب من السياسة الفرنسية فالمعروف أنه المرشح الفرنسي لرئاسة البعثة". وقال "منذ إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن وتوصيفات سلامة لحفتر تغيرت بشكل كبير، فلم يعد المشير بل اللواء، ولم يعد يصف مقاتليه بالجيش بل قوات اللواء حفتر".
واستحضر في السياق بيان البعثة المستنكر لقصف "قوات اللواء حفتر" لنادي الفروسية واستهداف المدنيين، لتعلن بعده بساعات قليلة ألمانيا عن استنكارها للغارات على مطاري مصراته وطرابلس، مضيفا "رغم أنها دعت من سمّتهم أطراف النزاع إلى احترام القانون الدولي وتجنب استهداف المدنيين ولم تسم حفتر، إلا أنها تقصده فهو من قصف المطارين".
وعلاقة بذلك، أعاد السفير الألماني لدى ليبيا أوليفر اوفيتشا، صباح اليوم الاثنين، نشر تغريدة للسفارة الإيطالية، تعليقا على استنكار روما لقصف مطاري مصراته وطرابلس، مضيفا "نؤيد وبشكل كامل هذه الدعوة، المدنيون ليسوا أهدافا، لا في مطار مصراته أو امعيتيقة، ولا في أي مكان في ليبيا".
المنصوري يرى أنه "بالفعل هناك انزعاج أوروبي وأميركي، بل وعربي من ذهاب حفتر لروسيا"، معتبرا أنه "خطأ جديد تورط فيه حفتر في وقت شديد الحساسية وهو على وشك الانهيار جنوبي طرابلس".

وقال "لم تكن المصالح الفرنسية والإماراتية تتجه لوسط البلاد، بل كان باتجاه طرابلس لإحكام سيطرة حفتر عسكريا على العاصمة، لكن الملاحظ أن الأوضاع تغيرت منذ بدء ظهور مؤشرات الوجود الروسي، لتتحرك المعركة من محيط طرابلس الجنوبي إلى سرت ومصراته، ما يعني وسط البلاد، الذي تعتبره فرنسا امتدادا لتواجدها التاريخي في الجنوب الليبي. كما أن الجزء الأوسط في البلاد على اتصال بمنطقة الهلال النفطي المهمة بالنسبة للكثير من الدول".
وأكد المنصوري أن "موسكو لا تراهن على حفتر، ولكنها تسعى لخلط الأوراق وإرباك المشهد الذي كان يسير لصالح داعمي حفتر الأوروبيين، بتحويل المعركة إلى مناطق استراتيجية أكثر أهمية من طرابلس".
وقريبا من تحليل المنصوري، يشير المحلل الليبي الصديق بهمود، إلى أن روسيا التي تمتلك مصالح اقتصادية كبيرة في ليبيا، من خلال عقود أبرمتها مع القذافي بلغت 8 مليارات، لا يمكن لحفتر أن يؤمنها لها ويحافظ عليها.
وقال متحدثا لـ"العربي الجديد" إن "حفتر العجوز المريض لا يمكن أن يراهن عليه الروس فهو خيار على المدى القصيرن وأداة روسية في الخفاء للتشويش على الوجود الأوروبي في ليبيا"، لافتا إلى روسيا أول مصدر للغاز لأوروبا، فهي لا تسعى للتنقيب عن الطاقة في ليبيا، بل تسعى لمنع الأوروبيين من ذلك.

وأضاف قائلا "قد يكون ملائما جدا أن نفهم سبب تحويل حفتر لمعركته نحو وسط البلاد، القريب من منابع النفط وموانئ التصدير، جاء بسبب الوجود الروسي الأخير". بهمود أكد كذلك أن الوجود الروسي في كواليس معارك حفترن يمكن اعتباره كمنافسة في إطار الصدام مع أوروبا وأميركا في عدة ملفات، مستدركا بالقول إن "موسكو بكل تأكيد لا تراهن على حفتر، بل لم تحسم خيارها أصلا في ليبيا وسط تحولات وتغيرات مستمرة في هذا البلد المنزلق في الفوضى على كل الصعد".