إدارة ترامب تتعامل مع لبنان كامتداد لمعركتها مع إيران

إدارة ترامب تتعامل مع أزمة لبنان كامتداد لمعركتها مع إيران

31 أكتوبر 2019
تشديد أميركي على تجنب قمع الحراك في لبنان(العربي الجديد)
+ الخط -
كسرت وزارة الخارجية الأميركية صمتها فجأة وأصدرت بياناً حول الأوضاع الراهنة في لبنان، إذ انتهزت فرصة استقالة حكومة سعد الحريري، لتبعث برسالة مبطنة تحذر فيها من استخدام القوة ضد المتظاهرين. 

ودار الشق الأهم من البيان المقتضب حول التشديد على ضرورة تجنب قمع الحراك السلمي، ولم يكن من غير مدلول أن يتزامن كلام الوزير مع دخول "حزب الله" على خط التصدي للتظاهرات بالعنف، وحديث المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، عن التدخلات الخارجية في الانتفاضة اللبنانية.

ومضى أسبوعان على موجة الاحتجاج من دون أن تخصها الإدارة بإشارة ولو عابرة، وحتى الإعلام تجاهلها إلى حدّ بعيد. وبقيت الأزمة على الهامش كل هذه المدة.
وظل الاهتمام ضعيفاً بالساحة اللبنانية، لا سيما مع الانشغال بالأحداث السورية ومقتل البغدادي، لكن مع بداية الاحتكاكات بالشارع واستقالة الحكومة تبدلت الصورة، إذ وضعت هذه التطورات الأزمة في دائرة الضوء.
وسارع الوزير مايك بومبيو إلى اقتناص الفرصة ليخاطب لبنان بلغتين: واحدة موجهة ضمناً إلى حزب الله بدعوى أنه يمارس "العنف والأعمال الاستفزازية التي يجب أن تتوقف"، مع ما ينطوي عليه ذلك من تلويح بخطوات مؤذية مثل فرض المزيد من العقوبات التي لا يتحملها الاقتصاد اللبناني "المهدد بالانهيار"، وأخرى يطالب فيها "الجيش وقوى الأمن بالعمل على حماية حقوق وسلامة المتظاهرين".
تفريقه بهذا الشكل بين الجهتين قد يصب الزيت على النار ولو أنه يتفق مع الواقع القائم على الأرض، فالفريق المناوئ للحراك قد يوظف كلام الوزير كدليل على صحة زعمه بأن القوى الأجنبية ومنها واشنطن تقف وراء الموجة وتمولها وتحرضها، خاصة وأن هذا الفريق بدأ في بث مثل هذا الخطاب لتبرير حملته لتفكيك وحدة الناقمين وفرط تحركهم.

وتعد واشنطن غير معنية جدياً بنجاح الهبّة الشعبية غير المسبوقة في لبنان، فحساباتها في المنطقة تتجاوز هذا الحدث، لا سيما وأن الاعتقاد السائد هو أن أزمة لبنان متجذرة ولا مخارج قريبة أو ميسورة على المدى القريب، فآليات ومؤسسات الحكم "معطّلة"، حتى قبل استقالة الحكومة التي كانت نتيجة محتومة لهذا التعطيل الذي فرضه ارتباط البلد بالأزمة المتشعبة في المنطقة وبالقرار الإقليمي.
ويتمثل التطور الفارق وربما الواعد في أمرين لافتين توقف عندهما المراقبون: تماسك الحراك واستمراره بزخم ووعي ملحوظين بالرغم من غياب القيادة، والثاني، شموله لمناطق كان يعتقد أنها عصية على الاختراق ومحصّنة ضد الخروج على الولاء الضيق.
ويتمثل مأزق حزب الله، حسب هذه القراءة، في أنه "مع رأس السلطة فيما قسم من جمهوره أو المحسوب عليه انضم إلى قافلة التمرد السلمي"، ثم إن هذا التمرد ليس محصوراً كما كان عليه الأمر عام 2008، في بيروت أو في مناطق مناوئة متفرقة، إذ يمتد هذه المرة في كل مناطق البلد، ولا يعد حزب الله وحيداً في هذا الوضع، بل يشمل جميع الأطراف التي رفضها الإجماع الشعبي اللبناني.
وثمة من يرى أن ما يقف وراء هذا الإجماع هو أعمق من تهمة الفساد ومشتقاته، ضد أهل السياسة، لكن المعضلة الأساسية في لبنان "أن الحكومة لا تحكم"، فثمة مانع في طريقها، وتشغيلها لا يرتبط "بنظافة" أركانها بقدر ما هو مرهون بوجود طريق سالكة أمامها، وهذا شرط غير متوفر. وفي ظل المعادلة الراهنة من الصعب، إن لم يكن من غير الممكن، توفر ذلك الطريق، والوزير مايك بومبيو، الذي دعا في بيانه إلى تشكيل حكومة تحارب الفساد وتعمل لازدهار البلد، يدرك ذلك.