عثرات الحوار السوداني: لاءات متبادلة بين النظام والمعارضة

عثرات الحوار السوداني: لاءات متبادلة بين النظام والمعارضة

05 ديسمبر 2015
ترى الحكومة نفسها في "الطرف الأقوى عالمياً" (فرانس برس)
+ الخط -

تنطلق، يوم الإثنين المقبل، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، فعاليات المؤتمر التحضيري، الذي يجمع الحكومة السودانية بقوى معارضة، مسلحة وسلمية، للاتفاق على الترتيبات، التي تُمكّن تلك القوى من المشاركة في الحوار الوطني، الذي أعلنه الرئيس عمر البشير قبل أكثر من عام ونصف العام.

تتمسّك الحكومة السودانية بأن يقتصر اللقاء الذي ترفض تسميته بـ"التحضيري"، على الحركات المسلّحة الممثلة في "الجبهة الثورية"، التي تضمّ "الحركة الشعبية ـ قطاع الشمال" والحركات المسلّحة الدارفورية، فضلاً عن حزب "الأمة" بزعامة الصادق المهدي. كما تستثني الحكومة كافة أحزاب المعارضة الرافضة للحوار بالداخل، على أن تدير معهم لقاءً آخر في الخرطوم.

في هذا الصدد، يؤكد مساعد رئيس الجمهورية إبراهيم محمود، أن "لجنة 7+7، التي تضمّ الحكومة والأحزاب الحليفة معها، بجانب أحزاب معارضة أشهرها حزب المؤتمر الشعبي بقيادة حسن الترابي، تُخطط للقاء المعارضة بالداخل"، مرجّحاً أن "يؤدي اللقاء لنتائج مرضية".

في المقابل، تستند المعارضة الداخلية، إلى قرارٍ إقليمي والتأييد الدولي لمبدأ إجراء مؤتمر تحضيري بالخارج بمشاركة كافة الأطراف، من دون استثناء، ما يجعلها ترفض تماماً فكرة لقاء الداخل. كما أن المعارضة في الأصل، منقسمة فيما يتصل بقضية المشاركة في المؤتمر التحضيري نفسه، اذ يُشدّد البعض منها على ضرورة أن يسبق المؤتمر التحضيري إجراءات فعلية، تتصل بإطلاق الحريات والعفو العام، فضلاً عن إيقاف الحرب، على أن يكون المؤتمر المرتقب محدّداً لشكل وهيكلية الحوار المرتقب.

ويؤكد القيادي في "تحالف المعارضة"، ساطع الحاج، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، تمسّك المعارضة بـ"عدم المشاركة بأي مؤتمر تحضيري، ما لم تحصل خطوات جادة فيما يتصل بتهيئة مناخ الحوار، حتى لا تتكرّر الأزمة عينها". ويضيف أنه "حتى الآن لم تصلنا دعوة إلى أي مؤتمر، سواء في الداخل أو في الخارج، وعندما تأتي الدعوة سنناقشها".

ويواجه المؤتمر التحضيري عقبات عدة، إلى درجة أن ثمّة توقعات بأن ينتهي من دون نتائج تذكر، لا سيما في ظلّ تراجع حماسة الحكومة بشكل كبير فيما يتصل بقضية الحوار، وتغيير لغتها بما يتعلق بنتائجه، وتأكيد رفضها الاستجابة لمطالب المعارضة في شأن تشكيل حكومة انتقالية، ووصف المطلب بـ"المستحيل والوهمي"، إلى جانب مطالبات تغيير القوانين".

اقرأ أيضاً: الجنائية الدولية تحول دون مشاركة البشير بالقمة الأفريقية الصينية

وتوجّه الحكومة رسائل ضمنية بأن الغاية من الحوار تكمن بالمشاركة معاً لصياغة ورقة عمل للحكومة الحالية، بغية الخروج من الأزمة الراهنة. وهو أمر شكّل صدمة للأحزاب الممانعة والمشاركة في الحوار معاً. كما أن الحكومة قد زادت أخيراً من حدّة التصريحات والممارسات تجاه المعارضة الداخلية والخارجية، وتعاملت بقسوة مع وقفة احتجاجية نظّمتها قوى "تحالف المعارضة" بمشاركة قيادتها أمام وزارة العدل، للتنديد بالانتهاكات التي يتعرّض لها طلاب إقليم دارفور في الجامعات. ورفضت الوزارة تسلّم المذكرة في حينه، كما مزّق رجال الأمن الرسالة التي حاول زعيم الحزب الشيوعي، مختار الخطي، تلاوتها أمام وسائل الإعلام. كما منعت الحكومة قيادات المعارضة من السفر إلى العاصمة الفرنسية باريس، للمشاركة في اجتماع لقوى "نداء السودان" هناك.

وفي ظلّ الحراك السياسي، كان وزير الدفاع السوداني عوض بن عوف، يُعلن عن "استعداد قواته لتحرير كافة المناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية، في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، بعمليات عسكرية ضخمة". ويُرجّح خبراء عسكريون أن تشهد الفترة المقبلة معارك بين الطرفين، لا سيما بعد فشل الجولة الأخيرة من المفاوضات بين الحكومة والحركة بأديس أبابا أخيراً. ويتوقعون أن "تعمل الحكومة على ضرب مواقع الحركة بشكل شرس، بينما ستعمد الحركة للقيام بالضربات السريعة، ومحاولة السيطرة على مناطق استراتيجية للحكومة، كما فعلت سابقاً عبر احتلال منطقة أبوكرشولا، التي أربكت النظام فيها".

ويرى مراقبون أن الحكومة "بدأت تزهد في مسألة الحوار الذي طرحته تحت ضغط المجتمع الدولي والمحيط الإقليمي، فضلاً عن الضغط الاقتصادي بسبب الحصار الخارجي". ويعيدون ذاك، إلى "رهان الحكومة على المتغيرات العالمية والإقليمية، المتمثلة بتمدّد المجموعات الإرهابية تجاه العمق الغربي، وانشغال الغرب بنفسه، فضلاً عن الأحداث الإقليمية والتوترات الحاصلة في سورية ومصر وليبيا واليمن".

ويتفق القيادي في "المؤتمر الوطني" نافع علي نافع، مع هذا رأي، ويقول في ندوة جماهيرية، إن "التغييرات في المنطقة جاءت في صالح الحكومة، وستحصل أمور جيّدة"، قبل أن يصب جام غضبه على المعارضة.
وتؤكد مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة ظلّت تُثير مخاوف القوى الغربية، عبر تأكيدها أن بديلها لن يكون سوى المجموعات المتطرّفة، التي لا يُمكن السيطرة عليها، والموجودة في خلايا نائمة يُمكن أن تنتعش بمجرد وصول العنف للسودان. وسيكون الأمر، إن حصل، مصدر قلق كبير للعالم والإقليم، بالنظر إلى حدود السودان المفتوحة. كما يُهدّد الأمر التجارة العالمية، عبر السيطرة على مياه البحر الأحمر التي يمرّ عبرها 80 في المائة من النفط".

ويُشكّل تجاهل دعوة قوى المعارضة الداخلية الرافضة للحوار إلى المشاركة في مؤتمر أديس أبابا، عقبة أمام نجاحه. الأمر الذي دفع حزبي "الأمة"، و"الإصلاح الآن" بقيادة غازي صلاح الدين، إلى التحذير من تلك الخطوة، وتأكيد رفضهم إقصاء أي حزب، والتشديد على شمولية اللقاء التحضيري. وينصح الحزبان الآلية الأفريقية برئاسة ثامبو أمبيكي، عدم الاستجابة لشروط الحكومة في الخرطوم لهذا الجانب، معتبرين أن "مشاركة الجميع أساس الجدية والالتزام بالحوار الحقيقي".

ودفع رئيس "حركة العدل والمساواة"، جبريل إبراهيم، بصفته رئيساً لـ"الجبهة الثورية" برسالة احتجاجية لأمبيكي، بسبب إقصاء قوى المعارضة عن المؤتمر التحضيري. ويؤكد إبراهيم في الرسالة بأن "من لم يُسمح لهم بالمشاركة في التحضيري، لن يشاركوا في المراحل اللاحقة، ما يُفقد الحوار دستوريته وشموليته، ويدفع نحو مواصلة النزاعات بدلاً من حلّها".

ويرى في خطوة إبعاد معارضة الداخل "تهديد لمبدأ المساواة والحياة، والآلية لم تدعُ تلك القوة لأن الحكومة لا ترغب في حضورهم". ويُشدّد على أنه "ليس من حق الخرطوم تحديد من يشارك، فضلا عن أن اقامته بالداخل لا معنى له، في ظلّ منع الحريات". ويدعو إبراهيم الآلية الأفريقية، إلى القيام بمزيد من المشاورات، لخلق الإجماع السوداني العام.

ويرى المحلل أحمد الصادق، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "مخاوف المجتمع الدولي والإقليمي من انهيار السودان، وآثاره السلبية على المنطقة ككل، سيدفعه إلى الضغط على الحكومة في الخرطوم، نحو التسوية السياسية". ويشير إلى أن من الدوافع لذلك "تفاقم الأزمة الاقتصادية بالبلاد، ومؤشرات حدوث مجاعة فيها، واحتمال أن ينجم عنها ثورة الجياع".

ويُبدي اعتقاده بأن "الخطوة الأخيرة التي أقدمت عليها السعودية، عن طريق حظر عدد من كتب الإسلاميين، بينهم كتب لزعيم المؤتمر الشعبي حسن الترابي، تُعتبر رسالة واضحة للحكومة السودانية، فيما يتصل بالحوار، الذي يعتبره البعض، حوار إسلاميين ومحاولة للمّ الشمل، بعد الفصل الذي تمّ فيما بينهم في تسعينات القرن الماضي".

ويتابع "أعتقد أن ما تواجهه الحكومة خلال الفترة المقبلة من ضغط كبير، سيقودها لتقديم تنازلات، خصوصاً أن هناك تراجعاً واضحاً لالتزامات الرياض تجاه الخرطوم، إذ كانت تتوقع منها إرسال عشرة آلاف جندي لليمن، بينما لم يتجاوز العدد الـ600 جندي".

ويعتقد المُطّلع على ملف الحوار عبد المنعم أبو إدريس، أن "الخرطوم تحاول أن تستثمر انشغال المجتمع الدولي عنها بمناطق أكثر سخونة، لتسوية ملفاتها بطريقتها الخاصة، عبر فرض حلولها على المعارضة، التي ترى أنها ضعيفة، فضلاً عن بسط سيطرتها على المجموعات المسلّحة، قبل أن يعود المجتمع الدولي إليها".

ويرى "أن الحكومة مدركة تماماً لخوف العالم، وترى في نفسها الطرف الأقوى، وأنها حققت الأمن بالنظر لما يحدث بدول الربيع العربي، وأن البديل لها إما الفوضى أو أن تقفز المجموعات المتطرفة للسلطة. وعدا ذلك، تملك الحكومة معلومات تتصل بالمجموعات الإرهابية، بالنظر لخبراتها القديمة وما يُمكن أن يتم من تعاون استخباراتي مع الغرب بشأنه".

ويؤكد أبو إدريس، أن "المجتمع الدولي لن يسمح بانهيار السودان، لتأثيره السلبي على دول الجوار، المضطربة منها، أو التي تعاني من وضعية هشة، مثل مصر وليبيا وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان. ما يُمكن أن يُمثّل خطراً، ويحدث كارثة إنسانية ضخمة".

ويعتبر أن "هناك ضغوطا أساسية تدفع الخرطوم خلال الفترة الحالية للتنازل، بسبب الوضع الاقتصادي، وما يُصاحبه من تراجع للعملة المحلية، التي وصلت إلى 11 جنيهاً مقابل الدولار، في ظلّ فشل الحكومة في تنفيذ برنامجها الخمسي، بفعل تراجع قيمة الصادرات من 3.6 مليارات دولار خلال العام الماضي إلى 1.8 مليار دولار، في النصف الأول من العام الحالي، وفقاً للمصرف المركزي". ويضيف أن "موسم الأمطار كان ضعيفاً، وأثّر سلباً على قطاع الزراعة، الذي يعتمد عليه 60 في المائة من السودانيين". ويُردف "الأمر يُشكّل هاجساً كبيراً للحكومة الآن، ويجعلها تقدم تنازلات مع بقاء الدعم الخليجي، التي كانت تعوّل عليه، دون المتوقع".

من جهته، يعتبر الأمين السياسي لـ"المؤتمر الشعبي"، كمال عمر، أن "انهيار السودان من شأنه توسع نشاط داعش وبوكوحرام في أوروبا". ويقول في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إنه "على الرغم من سوء النظام الحالي في الخرطوم، في ملف الحريات والديمقراطية، غير أن عدم المضي قدماً معه نحو ترتيبات محددة، لتحسين الوضع، سيُفسح المجال لتيارات التطرف الموجودة أصلاً، وسيكون المناخ موآتياً لتنمو. الأمر الذي يجعل من وجود منظومة متفق عليها، تخلق استقرار وتزيح الخطر ضرورياً، وهو ما جعلنا نقبل بالحوار".

اقرأ أيضاً: تأجيل مفاوضات سدّ "النهضة" لتصفية الإشكالات المصرية ـ السودانية