الجزائر: الانتخابات تشعل الحرب الكلامية بين حزبي السلطة

الجزائر: الانتخابات تشعل الحرب الكلامية بين حزبي السلطة

25 ابريل 2017
ولد عباس في جولة انتخابية في بومرداس(بلال بن سالم/Getty)
+ الخط -
يتصاعد العنف اللفظي والصراع السياسي بين قادة أكبر حزبين سياسيين مواليين للرئيس، عبد العزيز بوتفليقة، نتيجة الحملة الدعائية للانتخابات البرلمانية المقررة في الرابع من مايو/أيار المقبل، وسط تبادل للاتهامات بين زعيمي الحزبين، جمال ولد عباس، المفوض من الرئيس بوتفليقة لقيادة جبهة التحرير الوطني، وأحمد أويحيى رئيس الديوان الرئاسي، الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي.

ولم تشهد الجزائر سجالاً سياسياً حاداً بين حزبي السلطة على غرار ما يحدث في الأيام الماضية منذ الانتخابات البرلمانية التي جرت في يونيو/حزيران 1997، والتي فاز بها التجمع على حساب الجبهة.

ولا يخلو تجمع شعبي بمناسبة الحملة الانتخابية لقيادات أحد الحزبين من مناوشات كلامية، وإعادة فتح ملفات قديمة تخص أحد الحزبين.

ومنذ بدء الحملة الانتخابية في التاسع من أبريل/نيسان الحالي، يخصص الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني جزءاً هاماً من مداخلاته في هذه التجمعات لمهاجمة حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي يشغل منصب رئيس ديوان الرئيس بوتفليقة. واتهم ولد عباس، في تجمع أخير، غريمه أويحيى بقيادة "حزب سياسي مفبرك".

واعتبر ولد عباس أن هذا الحزب، أي التجمع الوطني الديمقراطي، والذي يعد المنافس الرئيسي للجبهة في الانتخابات المقبلة، "ولد بشواربه وصنع في مخابر من أجل إنهاء وجود الحزب التاريخي، جبهة التحرير الوطني"، في إشارة إلى استفادة الحزب من دعم السلطة والجيش وجهاز الاستخبارات في الانتخابات البرلمانية، التي جرت في شهر يونيو/حزيران 1997، وفاز بها التجمع على الرغم من أنه لم يكن قد مضى على تأسيسه سوى أربعة أشهر.
وقد دفعت السلطة وجهاز الاستخبارات يومها كوادر سياسية من جبهة التحرير الوطني وقيادات لتنظيمات وطنية إلى تأسيس "التجمع"، بعد تمرد حزب جبهة التحرير الوطني ودعمه لقوى المعارضة التي اعترضت على انقلاب الجيش على المسار الانتخابي في يونيو/حزيران 1992.

وقال ولد عباس، في تجمع شعبي عقده قبل أيام بولاية المدية وسط البلاد، "لدينا ملفات وإذا كان لزاماً سنخرجها للرأي العام". ورفض ولد عباس "منازعة" حزبه في الرئيس بوتفليقة من قبل التجمع الوطني الديمقراطي، وقال إن بوتفليقة هو رئيس حزب جبهة التحرير الوطني، والأخير هو حزب الدولة وعمودها الفقري ومؤسسها بعد استقلال البلاد في يوليو/ تموز 1962، وتعهده بالاستمرار في قيادة البلاد 100 سنة أخرى. وقال ولد عباس إنه من قيادات ثورة التحرير الجزائرية وإن سلطات الاستعمار الفرنسي أصدرت في حقه حكما بالإعدام.

في الجهة المقابلة، لم يتأخر أويحيى في الرد على هجوم غريمه السياسي ولد عباس، قائلاً إن "بوتفليقة رئيس كل الجزائريين وليس من حق أحد الزعم بأحقية احتكار مشروعيته السياسية، وحزبنا يدعم الرئيس بوتفليقة منذ 18 سنة ". ودافع أويحيى عن الشرعية السياسية لحزبه قائلاً إن "التجمع وليد فترة عصيبة كانت تمرّ بها الجزائر، وهو حزب نوفمبري وليد مبادئ بيان أول نوفمبر، التي يجب أن تشكل الإسمنت للبلاد لحمايته من الانزلاقات والمتربصين بها. وولد في زمن الكفاح من أجل بقائها حرة"، في إشارة إلى مرحلة التسعينيات التي كانت تتسم بالعنف والإرهاب والفوضى الأمنية.

لكن أويحيى لم يكتف بالدفاع السياسي عن حزبه ورد اتهامات الأمين العام لجبهة التحرير، إذ بادر إلى مهاجمة الأخير. واتهم أويحيى ولد عباس بالفساد المالي وبتشكيل قوائم مرشحي حزبه على "المال القذر"، في إشارة إلى فضائح مالية تفجرت قبل ثلاثة أسابيع داخل حزب جبهة التحرير الوطني، تتعلق بتلقي قيادات في الحزب رشى وعمولات من رجال أعمال ومرشحين مقابل ترشيحهم في قوائم الحزب. وسخر أويحيى من حزب جبهة التحرير ووصفه بالحزب الذي لا يملك برنامجاً. وقال إن "الحزب الذي ليس له برنامج ذاتي يساهم به في تسيير شؤون البلاد، كيف يمكن أن يحاسبه الشعب"، في إشارة إلى عدم تقديم حزب جبهة التحرير الوطني لبرنامجه انتخابي، والاكتفاء بإشهار برنامج الرئيس بوتفليقة الذي خاض به الانتخابات الرئاسية التي جرت في أبريل/نيسان 2014. كما لمح أويحيى إلى قضية استغلال زعيم جبهة التحرير للثورة الجزائرية، معتبراً أن التاريخ والذاكرة الوطنية ملك لكل الجزائريين، ولا يجب مطلقاً أن يكونا محل استغلال في الدعاية الانتخابية.

بين ولد عباس الذي يقدم نفسه كمفوض من قبل الرئيس بوتفليقة ومحيطه الرئاسي، وأويحيى الذي يحاول تقديم نفسه كرجل دولة يتطلع إلى قدره الرئاسي، خلافات سابقة منذ أن كان ولد عباس وزيراً للتضامن في الحكومة التي كان يقودها أويحيى حتى سبتمبر/أيلول 2012. وكان أويحيى قد انتقد أداء ولد عباس كوزير للتضامن وإسرافه في تقديم الوعود للمرضى والمعوزين من دون أن يقوم بالوفاء بها. غير أن أويحيى ظل محل استهداف سياسي لقيادات جبهة التحرير، إذ كان الأمين العام السابق لهذا الحزب، عمار سعداني، قد هاجم بحدة أويحيى واتهمه بالعمل لصالح القائد السابق لجهاز الاستخبارات الجنرال محمد مدين، والذي أقاله بوتفليقة في 13 سبتمبر/أيلول 2015. ووصف سعداني أويحيى بالرجل غير الموثوق والخائن لبوتفليقة، على الرغم من توليه رئاسة ديوانه منذ أربع سنوات.

ويضع متابعون لتطورات الاستحقاق الانتخابي والسجال الحاد بين قيادات حزب جبهة التحرير الوطني والأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي، أحمد أويحيى، في سياق البروفا السياسية التمهيدية لصراع على السلطة في الجزائر قبل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في ربيع عام 2019 لخلافة الرئيس بوتفليقة.

ويحذر مراقبون من أن تتطور هذه المشاحنات والسجال السياسي إلى عنف مادي أو أبعد من ذلك مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي في الرابع من مايو/أيار المقبل، لا سيما أن بعض المرشحين من الحزبين في بعض الولايات يعرف عنهم استمالة مجموعات من "البلطجية " الذين قد يجري توظيفهم عشية الاستحقاق الانتخابي، أو يوم الاقتراع، ضد أي طرف سياسي. وقد دفع هذا الأمر قيادات أحزاب سياسية أخرى للدعوة إلى الهدوء وإبقاء الحملة الانتخابية في إطارها السياسي وطرح منافسة على أساس البرامج الانتخابية، والابتعاد عن حالة الاستقطاب السياسي الذي يزيد من حالة الإحباط ويعمق مبررات مقاطعة الانتخابات لدى عموم الجزائريين، لا سيما في ظل الإخفاقات الاجتماعية والاقتصادية للحكومة التي يشكل حزبا السلطة تركيبتها الوزارية.

المساهمون