عودة مسلسل استهداف "داعش" لخط الغاز في سيناء

عودة مسلسل استهداف "داعش" لخط الغاز في سيناء

04 فبراير 2020
تكرر استهداف خطّ الغاز المارّ بشمال سيناء (فرانس برس)
+ الخط -
ظلّ خطّ الغاز الممتد من مصر إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، مروراً بشبه جزيرة سيناء، نحو عقد من الزمن سبق الانقلاب عام 2013، عرضةً للاستهداف المتكرر بالتفجيرات، من قبل تنظيم أنصار بيت المقدس (ولاية سيناء حالياً) الموالي لتنظيم "داعش"، إلى أن توقف بنتيجته توريد الغاز المصري إلى الاحتلال بشكل كامل. اليوم، عاد تشغيل الخطّ الناقل مطلع العام الحالي، ولكن بصورةٍ عكسية، من خلال نقل الغاز من الحقول الفلسطينية التي تنهبها إسرائيل، في اتجاه مصر، باتفاقية بين الطرفين تبلغ قيمتها 15 مليار دولار أميركي. ومعه، استأنف "ولاية سيناء" استهداف الخط.

وأعلن تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لـ"داعش"، أمس الإثنين، في بيان نشر عبر الحسابات المقربة منه على مواقع التواصل الاجتماعي، مسؤوليته عن الهجوم الذي وقع الأحد. وكانت مصادر قبلية قد كشفت لـ"العربي الجديد" أن "مسلحين مجهولين يعتقد بانتمائهم إلى تنظيم ولاية سيناء زرعوا عبوات ناسفة أسفل خطّ الغاز المارّ في منطقة التلول شرق مدينة بئر العبد، وفجروه بعد انسحابهم من المنطقة". وبحسب المصادر، فإنّ التفجير "أدى إلى عطبٍ في خطّ الغاز واشتعال النيران في المكان، من دون أن تتمكن طواقم الدفاع المدني من السيطرة عليها". وعقب ذلك، عزّزت قوات الأمن المصرية من وجودها في المكان، وعمدت إلى تمشيط المنطقة بحثاً عن المنفذين، الذين تمكنوا من الفرار، فيما واصلت النيران اشتعالها لساعات عدة، قبل أن تتمكن فرق الإطفاء من إخمادها. وقد شوهدت ألسنة النيران من مسافات بعيدة في محافظة شمال سيناء.


وكان تنظيم "ولاية سيناء" قد عمد إلى تفجير خطّ الغاز هذا أكثر من 25 مرة خلال العقد الأخير، ما أدى إلى إيقاف ضخّ الغاز لإسرائيل لسنوات طويلة، إلى أن عاد الضخ بشكل عكسي لمصر، مطلع 2020.

وعلى الرغم من أن الخطّ المستهدف يمثل جزءاً من الخطّ الناقل للجانبين الإسرائيلي والأردني، إلا أنه يُستخدم في الوقت الحالي لضخّ الغاز في اتجاه مشاريع الجيش المصري في مناطق وسط سيناء بالإضافة إلى مدينة العريش.

في هذه الأثناء، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر تأكيدها استمرار ضخّ الغاز إلى مصر على الرغم من التفجير. ويشير هذا الأمر إلى أن استهداف التنظيم للخطّ، يمثل إنجازاً إعلامياً وتعبوياً له، أكثر منه إنجازاً عملياً يؤثر بعملية الضخ.
ويأتي ذلك بالتزامن مع تعليمات لزعيم تنظيم "داعش" الجديد، أبي إبراهيم الهاشمي القرشي، باستهداف المصالح الإسرائيلية، رداً على إعلان الإدارة الأميركية خطة إملاءاتها لتصفية القضية الفلسطينية تحت عنوان "صفقة القرن".

وتعليقاً على اتفاق إعادة الضخ، قال أحد مشايخ سيناء، لـ"العربي الجديد"، إن أهالي المنطقة "تفاجأوا بالقرار المصري بالدخول في اتفاقيات غاز جديدة، على الرغم من فشلها في الاتفاقيات السابقة نتيجة عمل التنظيم في سيناء، وتعرضه لخط الغاز". واعتبر المصدر أن "لا شيء تغير اليوم على الأرض فعلياً، فالتنظيم لا يزال موجوداً، وبقوةٍ عسكرية تمكنه من استهداف خط الغاز، الذي يمرّ من مناطق سيطرته، ولمسافات طويلة". ولفت إلى "استحالة تأمين خطّ الغاز بشكل كلّي، إلا في حال نشر الجيش المصري عسكرياً على كل متر من الخط الممتد من أول سيناء إلى آخرها، وهو ما يُعَدّ من المستحيلات، وما أدى إلى إعادة استهداف الخط مجدداً". 

وأضاف الشيخ القبلي، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، أن كل الأنظار تتجه الآن نحو خط الغاز العريش - عسقلان الذي يمرّ في جنوب مدن العريش والشيخ زويد ورفح، وهي مناطق الظهير الصحراوي التي يوجد فيها "ولاية سيناء"، ولا يتمكن الجيش المصري من الولوج إلى مناطق واسعة منها، نتيجة تمكن التنظيم من التصدي لكل حملاته العسكرية. وشرح المصدر أن "اكتفاء الجيش بالقصف الجوي لمجموعات ولاية سيناء في تلك المناطق، من دون التحرك برياً فيها، يُصعّب إمكانية حماية خطّ الغاز خلال الفترة المقبلة، وخصوصاً في ظل تمدد انتشار التنظيم إلى مناطق جنوب مدينة بئر العبد ووسط سيناء، وقدرته على التحرك فيها، والقيام بهجمات ضد أي هدف قد يكون لخطّ الغاز نصيب منها إذا قرر التنظيم استهدافه".





وبموجب الاتفاق المصري - الإسرائيلي الذي بدأ تنفيذه منتصف شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، تشتري شركة خاصة في مصر، هي "دولفينوس" القابضة، 85 مليار متر مكعب من الغاز بقيمة 19.5 مليار دولار من حقلي "لوثيان" و"تمار" المحتلين على مدى 15 عاماً، فيما سيُورَّد الغاز إلى مصر بواقع 200 مليون قدم مكعب يومياً من طريق خط أنابيب تحت الماء يربط ما بين الأراضي المحتلة وشبه جزيرة سيناء شمال شرق البلاد. وكانت القاهرة تستخدم هذا الخط في تصدير غازها إلى الاحتلال، قبل وقفه بعد اندلاع ثورة 25 يناير 2011. ولدى استعادة الضخ، ولكن بشكل معاكس منتصف الشهر الماضي، كتبت صحيفة "هآرتس" أن الخطوة تمثل بالنسبة إلى إسرائيل تطوراً هاماً يكرس علاقات السلام البارد بين الطرفين والقائم بالأساس على العلاقات الأمنية. أما من وجهة نظر القاهرة، فاعتبرت الصحيفة الإسرائيلية أن تنفيذ الاتفاق يعتبر خطوة تساعد مصر على تقوية مكانتها كمركزٍ أساسي للغاز في شرق المتوسط. وفي السياق، قالت وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية في بيان لدى بدء الضخ، إن استيراد الغاز "يمثل تطوراً مهمّاً يخدم المصالح الاقتصادية لكلا البلدين، حيث سيمكن هذا التطور إسرائيل من نقل كميات من الغاز الطبيعي لديها إلى أوروبا عبر مصانع الغاز الطبيعي المسال المصرية". وبموجب الاتفاق، سيُنقَل غاز الاحتلال إلى منشآت التسييل في مصر تمهيداً لتصديره إلى أوروبا.

ولتوضيح صورة الاتفاق وعمل الخط، قال مسؤول حكومي في محافظة شمال سيناء لـ"العربي الجديد" إن "الخط الناقل للغاز بين الاحتلال ومصر ينقسم إلى خط ناقل بري وآخر بحري، يمتد من مدينة العريش إلى مدينة عسقلان المحتلة"، لافتاً إلى أنه "كان قد جرى قبل ستة أشهر، ضخ تجريبي للغاز في الأنبوب البحري الممتد بين المدينتين، مروراً بسواحل قطاع غزة، وهو خط كان يطلق عليه اسم "حسين سالم" ويمتد بطول 89 كيلومتراً، يبدأ من العريش وينتهي في عسقلان". ويبلغ قطر الخط، بحسب المصدر، نحو 26 بوصة، ويمكنه نقل نحو 700 مليون متر مكعب من الغاز سنوياً، فيما كان القسم البري يقدَّر طوله بمئات الكيلومترات، وكان يعتمد عليه في نقل الغاز من مصر قبل توقفه عام 2012 بعد استهداف التنظيم له. وقد جرى التعديل على الخط البحري فنياً، لجعله قادراً على نقل الغاز في الاتجاه العكسي من الأراضي المحتلة إلى مصر، بعدما كان مخصصاً لنقل الغاز المصري في السابق.

وشدد المسؤول الحكومي على أن "حركة نقل الغاز في سيناء لا بد أن تمر في كل الأحوال على الطرق والاتجاهات التي يوجَد فيها داعش، سواء أكان ذلك من خلال الخط البري، أو البحري الذي سيكون آخره في مدينة العريش، ومن ثم سيُنقَل الغاز بأشكال عدة، ستكون عرضة للاستهداف إذا قرر التنظيم ذلك خلال المرحلة المقبلة". وجزم المصدر بأن "الحالة الأمنية ستبقى المسيطرة على آلية ضخّ الغاز، فإذا استقرت سيستمر الضخ، أما إذا تضعضعت بسبب هجمات التنظيم فسيتوقف"، ما يعني أن القرار، بحسب رأيه، "بيد التنظيم الذي قد يحدد مصير الاتفاقيات الجديدة التي أبرمتها الشركات المصرية مع نظيرتها الإسرائيلية".




 

المساهمون