عودة الدور الفرنسي في لبنان: أهداف عدة للقاء عون-ماكرون

عودة الدور الفرنسي في لبنان: أهداف عدة للقاء عون-ماكرون

11 أكتوبر 2018
يلتقي ماكرون وعون في يريفان غداً الجمعة (Getty)
+ الخط -
تتجه الأنظار إلى اللقاء الذي سيجمع الرئيس اللبناني ميشال عون بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في العاصمة الأرمينية يريفان غداً الجمعة، وذلك على هامش مؤتمر المنظمة الفرنكوفونية التي بدأت أعمالها اليوم الخميس وتستمر حتى غد الجمعة ويشارك فيها الرئيسان. علماً أنه كان متوقعاً أن يعقد اللقاء في نيويورك، على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، الشهر الماضي.

ولا شكّ أنّ اللقاء بحد ذاته يكتسب أهمية كبرى، خصوصاً في ظلّ تنوّع الملفات التي ستحضر على الطاولة؛ والتي أهمّها الإسراع في تأليف الحكومة، وضرورة إطلاق عجلة الإصلاحات المتعلّقة بمؤتمر "سيدر"، وصولاً إلى موضوع اللاجئين السوريين الذي لن يغيب عن اللقاء، بحسب مصادر نيابية مطلعة على الدور الفرنسي في لبنان.

وأوضحت المصادر لـ"العربي الجديد" أنّ اللقاء سيتطرّق إلى الوضع الإقليمي عموماً، بدءاً من العقوبات الأميركية على إيران، مروراً بالوضع السوري وانعكاسات ذلك على لبنان، ووصولاً إلى ضرورة تحصين الوضع الداخلي عبر تأليف الحكومة وإطلاق عجلة الإصلاحات.

وبدا أخيراً أنّ الفرنسيين استعدوا جيداً للقاء، خصوصاً أنّه سبقه جولة للسفير الفرنسي في لبنان، برونو فوشيه، على عدد من المسؤولين، أكّد خلالها على المواقف الفرنسية. وتزامنت هذه الجولة لفوشيه مع زيارة للسفير بيار دوكين، المكلف متابعة ملف مؤتمر "سيدر"، إلى بيروت أخيراً، حيث تمّ تأليف لجنة متابعة، ستنبثق ‏من الدول التي شاركت في المؤتمر.

وقبل أيام أعاد الحريري تحريك المياه الراكدة في مستنقع التأليف الحكومي، مانحاً نفسه والطبقة السياسية مهلة عشرة أيام للخروج بتشكيلة حكومية طال انتظارها. وعبّر الحريري عن التفاؤل وقرب إتمام المهمة، في مواقف استغربها كثر، لكنها تبدو منطقية بالنسبة للحلقة المحيطة بالحريري، والتي تقول إنه تفاؤل مبني أساساً على معطيات وإشارات.



ووصل للحريري أكثر من إشارة، لعلّ أبرزها إشارة فرنسية، بدت واضحة عندما وقف الحريري في قاعة البرلمان بعصبية للردّ على بعض النواب، والتأكيد على أنّ مهمة الجلسة التي عقدت في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، هي تشريع بعض القوانين المتعلّقة بمؤتمر "سيدر".

وفي الأيام الأخيرة أيضاً، تبلّغ المسؤولون في لبنان استياءً فرنسياً واضحاً، من تأخّر تأليف الحكومة، وهو ما تنظر إليه باريس على أنه عامل سلبي تجاه مؤتمر "سيدر" الذي احتضنته، ولعبت خلاله دوراً رئيسياً في إقناع الدول المانحة، كما في التكفل بضمان تنفيذ لبنان لتعهداته لجهة الإصلاحات المطلوبة، تمهيداً لإطلاق العجلة الاقتصادية عبر المشاريع التي رصد لها مبلغ 11 مليار دولار.

وانطلاقاً من ذلك، عبّرت باريس خلال أكثر من لقاء أخيراً عن استيائها من المراوحة في لبنان، خصوصاً أنّ النزاع هو حول الحصص الوزارية، وهو عملياً ما يخالف التعهدات اللبنانية في "سيدر"، ولا يعطي صورة عن جدية الطبقة السياسية اللبنانية في معالجة الأزمات اللبنانية، ولا سيما الاقتصادية منها. كما لا يعكس جدية في محاربة الفساد، ولا يعطي صورة شفافة وثقة لدى المؤسسات الدولية، والمجتمع الدولي.

عملياً، يعني الدخول الفرنسي على خطّ تأليف الحكومة، إسقاط أيّ حجة مرتبطة بالعرقلة الخارجية، التي يقول البعض إنها السبب الرئيسي خلف تأخير تأليف الحكومة، خصوصاً أنّه، وفق المصادر، أعرب الجانب الفرنسي وسيعرب خلال لقاء عون – ماكرون عن استعداده لتذليل أي عقبة من هذا النوع. وبالتالي، سيحشر الطبقة السياسية اللبنانية، ويضعها أمام مسؤولياتها، بما أنّ المسعى الفرنسي سيشكّل مظلّة دولية لتأليف الحكومة. وبناءً على ذلك، يصبح التحجج بالوضع الإقليمي غير ممكن، بل وسيكون على من يعرقل داخلياً أن يتحمّل مسؤولية هذه العرقلة، ليس لبنانياً فحسب، بل دولياً أيضاً.

مع العلم أنه لعلّها المرة الأولى التي تتأخّر فيها فرنسا بالدخول على خطّ الأزمات في لبنان والمساهمة في تذليلها. إذ مضت خمسة أشهر قبل أن يرصد تدخل فرنسي أو دولي فعلي، داعٍ إلى الحلحلة في ما يتعلّق بأزمة تأليف الحكومة اللبنانية، وذلك لمواجهة المخاطر التي تتربّص بلبنان، على الرغم من التحذيرات الفرنسية والدولية المتكررة، والدعوات إلى استعجال التأليف وإطلاق عجلة الإصلاحات التي يتطلبها مؤتمر "سيدر" لدعم لبنان، الذي استضافته باريس في أبريل/نيسان الماضي.
ويبدو اليوم أنّ فرنسا قرّرت معاودة نشاطها في ما يتعلّق بلبنان  بعد أن غابت لأشهر عدة، إذ لا تزال فرنسا تنظر إليه بوصفه موطئ القدم الأقوى لها في المنطقة، على الرغم من القناعة أنّ التعقيدات في المنطقة عموماً تجعل الأولوية اللبنانية تتراجع إلى مراتب ثانوية، لا سيما مع تمدد النفوذ الإيراني عموماً في المنطقة، وصعوده بشكل خاص في لبنان عبر "حزب الله".

وشمرت فرنسا عملياً عن ساعديها. إذ لم تعد الدعوات إلى ضرورة النهوض اقتصادياً وتطبيق الإصلاحات الضرورية لمؤتمر "سيدر" تجدي نفعاً أمام تأخّر التأليف الحكومي، فدخلت رسمياً عبر أكثر من طرف محاولةً الدفع باتجاه التأليف سريعاً. وتنطلق فرنسا من عاملين في هذا الخصوص. الأول علاقتها عموماً برئيس الحكومة اللبنانية المكلّف، سعد الحريري، خصوصاً بعد الدور الذي لعبه ماكرون خلال الأزمة التي تعرّض لها الأخير في الرياض، والتي أعلن منها استقالته، قبل أن يخرج إلى فرنسا، ويعود منها إلى لبنان، ويتراجع عن الاستقالة. فيما العامل الثاني يتمثّل بعلاقتها بعون، الذي أمّنت له يوماً، ملاذاً ومنفى بعد خروجه من قصر بعبدا عام 1990 في آخر فصول الحرب الأهلية اللبنانية، وإثر اتفاق الطائف، وموقفه المعارض منه.


إلى ذلك، يلخّص أحد بنود مؤتمر القمة الفرنكوفونية النظرة الفرنسية إلى لبنان، إذ من المتوقّع أن يعتُمد لبنان المقرّ الاقليمي للمنظمة في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يعني أنّ الحضور الفرنسي في لبنان، ليس تفصيلاً، بل أساسي بالنسبة لها، وهو ما يمكن أيضاً أن يلخّص الحركة الفرنسية الدائمة على خط حلحلة الأزمات في لبنان، وإيلاءه أهمية تتخطّى أيّ دولة أخرى، في منطقة تعجّ باللاعبين الدوليين والإقليميين.

ويأتي ذلك في ظلّ خفوت الحضور الفرنسي في الشرق الأوسط والذي شهد تراجعاً واضحاً منذ تخلّي الدولة الفرنسية عن الدول التي كانت يوماً تنتدبها. ومنذ ذلك الوقت، انحصر الدور الفرنسي بحضور ثقافي ولغوي وسياسي في لبنان حصراً. ولعلّ هذه الروابط هي التي تشكّل أهمية قصوى بالنسبة لفرنسا، فلبنان قد يكون الساحة الوحيدة التي من خلالها يمكن أن تطلّ على الشرق الأوسط، خصوصاً أنّها انسحبت يوماً منه من دون أن يؤدي ذلك إلى توتر العلاقات بين البلدين، على عكس العلاقة مثلاً مع الجزائر، التي لا يزال جرح الاحتلال الفرنسي لها، مفتوحاً حتى يومنا هذا.

ويعتبر الدور الفرنسي في لبنان حاضراً منذ عقود، ومنذ ما قبل وجود لبنان، الدولة المعروفة اليوم. فباريس كانت راعية أساسية لما عرف سابقاً بمتصرفية جبل لبنان. ولعلّ هذه الرعاية هي التي منحتها صفة "الأم الحنون" التي يطلقها عليها المسيحيون في لبنان، وخصوصاً الموارنة، بما أنها كانت أيضاً لاحقاً خلف إنشاء دولة "لبنان الكبير" بأغلبية مسيحية، وفصله عن سورية.

كل هذا يؤكّد حقيقة أنّ الدور الفرنسي في لبنان، ليس تفصيلاً تاريخياً، بل أساسي في طريقة تعاطي الدول الأوروبية معه. ففرنسا لم تغب يوماً عن الأزمات اللبنانية، رغم أنها انتقلت بعد الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت عام 1975، إلى دور يحاول إنجاح التجربة اللبنانية وتعزيزها، بعد أن كانت سابقاً طرفاً، تماماً مثلما حصل في ثورة عام 1958 عندما وقفت إلى جانب الرئيس كميل شمعون في مواجهة الثورة الناصرية.

كذلك، ورغم أنّ اتفاق الطائف السعودي الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990، وقّع برعاية سورية وأميركية، لكنّ الدور الأهم فيه كان لفرنسا التي مهّدت له، خصوصاً أنّ رجل السعودية في لبنان وقتها، رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، كان في تلك الفترة أيضاً يعبّر عن موقف فرنسي، نظراً إلى علاقاته القوية معها. ولهذا سبق اتفاق الطائف بأعوام، مؤتمرا جنيف ولوزان، اللذان يعتبران اللبنة الأولى للطائف.

ونجحت فرنسا في مرحلة ما بعد الطائف في محاولاتها لإنجاح التجربة اللبنانية، ولعبت أدواراً في مختلف القضايا، ولا سيما في ما يتعلّق بالصراع مع إسرائيل والحروب المتتالية في هذا السياق والقرارات الدولية التي تبعتها، مثل تفاهم نيسان (1996) الذي أنهى اعتداءً إسرائيلياً على لبنان، والقرار 1701 (2006) الذي أنهى ما يعرف بـ"حرب تموز". كما كان لباريس مشاركات اقتصادية في لبنان، وخصوصاً في مراحل إعادة الإعمار، إذ استضافت مؤتمرات "باريس 1"، و"باريس 2"، و"باريس 3".

لكنّ اغتيال رفيق الحريري عام 2005 شكّل ضربة للحضور الفرنسي في لبنان، على الرغم من الدور الذي لعبته قبل الاغتيال في إصدار القرار الدولي 1559 (سبتمبر/أيلول 2004)، أو بعد الاغتيال عبر إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والتي تنظر في قضية اغتيال الحريري ورفاقه، وصولاً إلى محاولة التوفيق بين الأفرقاء على الساحة اللبنانية بعد الانسحاب السوري من لبنان، والذي توّج بمؤتمر "سان كلو" في العام 2007.

وعادة ما يتحرّك المجتمع الدولي تجاه لبنان عبر فرنسا. وثمّة شبه إجماع دولي على أنّ باريس قادرة على لعب دور الوسيط في الساحة اللبنانية، وقد أوكلت إليها هذه المهمة مراراً، خصوصاً في لحظات التعثّر السياسي التي تتطلّب تدخّلاً دولياً للإفراج عن مساعي انتخاب رئيس للجمهورية مثلاً، أو تأليف حكومة طال انتظارها.