كورونا يحرج الحكومة الفرنسية: دفاع عن النفس بوجه الانتقادات

كورونا يحرج الحكومة الفرنسية: دفاع عن النفس بوجه الانتقادات والدعاوى

31 مارس 2020
تسبب سياسة الحكومة بالتعامل مع كورونا غضباً بين الفرنسيين(Getty)
+ الخط -
بعد فترة أولى بدت فيها أكثر ميلا إلى الصمت وتجنّب الردّ على الانتقادات الكثيرة لتعاملها مع وباء كورونا المستجد الذي يجتاح البلاد منذ أسابيع وأودى بحياة أكثر من 2300 فرنسي، يبدو أنّ الحكومة الفرنسية قررت التغيير في سياستها الإعلامية، وكأن فترة التفكير والبناء الاستراتيجي انتهت، وجاءت مرحلة الدفاع عن الخيارات. وشهدت الأيام الأخيرة ثلاثة تصريحات متتالية، تحمل الرسالة الدفاعية نفسها، أولها جاء على لسان الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي قال في حوار مع الصحافة الإيطالية، نشرته ثلاث صحف منها يوم الجمعة الماضي، إنه تعامل مع الأزمة "بجدية وحزم منذ البداية، أي منذ أن بدأت في الصين". ودافع ماكرون عن إدارته للأزمة بالقول إنّ فرنسا، التي رأت ما جرى في إيطاليا، لم تتجاهل إطلاقاً المؤشرات على خطورة الموقف، واتخذت "التدابير الأكثر تشدداً في أسرع وقت". وفي استخدام للهجة نفسها، قال رئيس الوزراء، إدوار فيليب، في مؤتمر صحافي مطوّل عقده السبت الماضي: "لن أسمح لأحد بالقول إننا تأخرنا في اتخاذ قرار العزل" الذي تعيشه فرنسا منذ 17 مارس/آذار الحالي، والذي أعلن فيليب تمديده حتى 15 إبريل/نيسان على الأقل. كذلك، وفي حوار مع صحيفة "لوجورنال دو ديمانش"، نُشر أول من أمس الأحد، عاد وزير الاقتصاد، أوليفييه فيران، ليؤكد على الفكرة نفسها، قائلاً إنه "ليس ثمة أيّ تأخر" في تحرّك فرنسا لوقف انتشار الفيروس، وإن "استباقها" للأمور كان "مطلقاً ومنذ اليوم الأول".

وليس تكرار أبرز وجوه السلطة الحاكمة للمقولة ذاتها ثلاث مرات خلال 48 ساعة، إلا مؤشراً على كثرة الانتقادات التي تواجههم، والتي تتهمهم بالتأخر في أخذ الوباء على محمل الجد، وبالاكتفاء بالتصفيق للعاملين في القطاع الصحي وتحويلهم إلى "أبطال خارقين" في الخطابات التلفزيونية، بدلاً من تقديم المساعدة الملموسة والفورية لهم. ولا يتوقف عدد الدعاوى القضائية ضدّ وجوه حكومية عن التزايد، متهمةً إياهم بالتقاعس عن اتخاذ تدابير مبكرة لوقف تفشي الوباء. وتستند أغلب الدعاوى إلى تصريح لوزيرة الصحة السابقة، أنييس بوزان، تقول فيه إنها نبّهت منذ يناير/كانون الثاني الحكومة من "تسونامي" كورونا آتٍ، في حين لم تُتخذ إجراءات واسعة ضدّ انتشار الفيروس إلا بدءاً من 12 مارس الحالي، وهو اليوم الذي أعلن فيه إيمانويل ماكرون إغلاق المدارس والجامعات.

وإذا كانت الحكومة قد قررت، في الأيام القليلة الماضية، اعتماد سياسة "التعامل بشفافية" مع الأزمة، عبر خروج وجوه منها كل يوم أمام الكاميرات لإعلام الفرنسيين بالوضع، ولشرح القرارات المتخذة لمواجهة الأزمة وسدّ النقص في المعدات، وعبر تخصيص يومين في الأسبوع لمناقشة سياساتها الخاصة بكورونا أمام البرلمان، فإنّ المرحلة الأولى من إدارتها للأزمة تميزت بغموض وغياب للقرارات الواضحة، مع لجوء مستمر إلى بلاغيات الحرب والوحدة الوطنية ضدّ "العدو الخفي"، كورونا. لكنّه اتضح أنّ هذه السياسة لم تقنع أحداً وتسبب غضباً واسعاً بين الفرنسيين، خصوصاً أنّ الناس تنتظر أفعالاً ملموسة أكثر من أي وقت مضى. وربما وجدت الحكومة في "سياسة الشفافية" حلاً مزدوجاً؛ فهي تحاول كسب ثقة الرأي العام من جهة، عبر التكلم بلغة المواطنين وتفصيل الأمور حتى أبسطها، فيما تجد في "الاعتراف" بشحّ الإمكانات والمعدّات حتى قبل الأزمة وسيلةً لصدّ الاتهامات، من جهة أخرى. من هنا، فإنّ كل قرار وتدبير حاسم تتخذه الحكومة لمواجهة الوباء ولسدّ النقص في المعدات والبنية التحتية، قد يعتبر في حدّ ذاته نجاحاً يُسجّل لها في هذا السياق.

ويلاحظ المتابع أنّ ثقة الفرنسيين في الحكومة قد ارتفعت في الأيام الماضية، إثر اتخاذها، كما الرئيس، قراراً تمثّل بإغلاق المدارس والجامعات، وفرض العزل، ودعم القطاعات الاقتصادية الأساسية والعمال المضطرين إلى البقاء على رأس عملهم أو هؤلاء المضطرين إلى أخذ عطل مدفوعة والبقاء في منازلهم. ووصلت ثقة الفرنسيين في حكومتهم، نهاية الأسبوع قبل الماضي، إلى أعلى مستوى لها منذ 2018، لتبلغ 51 في المائة بحسب استطلاع لمؤسسة "هاريس إنترآكتيف"، في زيادة قدرها 13 نقطة عن فبراير/شباط الماضي. لكنّ هذا المؤشر سرعان ما هبط، مع تزايد مخاوف الفرنسيين من الأزمة، واعتقادهم بأنّ تدابير الحكومة غير كافية للحدّ منها. وأظهر استطلاع لمعهد "إيفوب"، نُشر أول من أمس الأحد، أنّ 43 في المائة فقط من الفرنسيين يبدون رضاهم الآن عن سياسة الحكومة في مواجهة الوباء، في ما يمثّل انخفاضاً قدره 8 نقاط خلال أسبوع واحد.

وحدها شعبية الرئيس وحكومته تستمرّ في الارتفاع في استطلاعات الرأي، لكن هذا أمر متوقع في وقت لا يتوقف فيه ماكرون وأعضاء الحكومة عن الظهور على شاشات التلفزة وفي الصحف للحديث عن الأزمة، ولإعلان قرارات متعلقة بها. وبالتأكيد، فإنّ "شعبية" الحكومة لدى الفرنسيين لا تعني "ثقتهم" بها.

ويمكن إرجاع هذا الانخفاض في ثقة الفرنسيين في حكومتهم إلى عدد من الأسباب؛ أبرزها غموض الدعم الموجه للمستشفيات، التي يستهلك وضعها والضغط الكبير الذي تتعرض له، حديث الفرنسيين ووسائل الإعلام في البلد. وقد استُقبلت وعود الرئيس الفرنسي، في خطاباته الأخيرة، بخطط دعم ومكافآت للقطاع الصحي، بغضب واسع من قبل الأطقم الطبية والفرنسيين عموماً، الذين ينتظرون دعماً فورياً، وينتقدون الهوة الكبيرة بين الوعود الطنانة على الشاشات وواقع الدعم الضئيل. وفي مؤتمرهما المطول الذي عقداه السبت الماضي، تحدث رئيس الوزراء، إدوار فيليب، ووزير الاقتصاد، أوليفييه فيران، بشكل مفصّل عن وضع المستشفيات، وعن سياسة الدعم التي اتخذتها الحكومة، والهادفة إلى رفع عدد أسرة الإنعاش من 5 آلاف حالياً إلى أكثر من 14 ألفا، وإلى النهوض بعدد فحوصات الإصابة بكورونا من 5 آلاف فحص يومي حالياً إلى 50 ألف فحص يومياً بنهاية إبريل/نيسان المقبل. ولن يكون من المفاجئ أن تؤدي هذه القرارات المفصّلة، والتي تقدّم حلولاً من شأنها أن تكون ملموسة قريباً، إلى ارتفاع نسبي في ثقة الفرنسيين في حكومتهم خلال الأيام القليلة المقبلة.