إغلاق غوانتانمو... وعد أخلفه أوباما

إغلاق غوانتانمو... وعد أخلفه أوباما

06 نوفمبر 2016
غوانتانمو.. الوعد الذي لم يفِ به أوباما (Getty)
+ الخط -




إبّان حملته الانتخابية عام 2007، وفي لحظة محتدمة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي قبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية، قطع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وعداً على نفسه بإغلاق معتقل غوانتانمو، متعهداً بتحويل رقم معتقليه إلى "صفر".

والآن بعد ثماني سنوات له في سدّة الرئاسة، وعلى عتبة مغادرته البيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني المقبل، سيجرّ الرئيس أوباما ذيول وعده، ولو أنّ ما حققه في هذا الملف لا يصل إلى درجة "صفر".  

وقد أمر أوباما عام 2009 بإغلاق المعتقل بموعد أقصاه 22 يناير/ كانون الثاني عام 2010، وأُطلق في عهده سراح عشرات من المعتقلين، ليتحوّل عددهم إلى 61 معتقلاً فقط، من أصل 242 معتقلاً عندما تسلّم الرئاسة، من أصل 779 معتقلاً ضمهم المعتقل منذ افتتاحه عام 2002، توفى منهم 9 داخله.

معتقل غوانتانمو الذي وصفه أوباما بأنّه "وصمة العار في سمعة وروح أميركا الديمقراطية"، كان سلفه الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش قد افتتحه في يناير/ كانون الثاني عام 2002 في قاعدة بحرية أميركية في جنوب شرق كوبا، ليؤوي المعتقلين الأجانب، والذين توقفهم الولايات المتحدة على خلفية ما تصفه بـ "الحرب على الإرهاب"، وذلك في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول عام 2001، وغزو أفغانستان.

كان اعتماد غوانتانمو من قبل بوش لعبة خبيثة بامتياز، فالمعتقل يعتبر سلطة مطلقة لوجوده خارج الحدود الأميركية؛ لا يخضع لدستور البلاد، ولا تنطبق عليه أي من قوانين حقوق الإنسان الدولية، ولم توجّه إلى معظم المعتقلين فيه أي اتهامات.

وتبقى قصص التعذيب والانتهاكات الفاضحة بحق المعتقلين خير دليل على ماهية المعتقل، والذي وصفته منظمة العفو الدولية في أحد تقاريرها بأنّه "يمثّل همجية العصر"، وأوصت في عام 2012 بعدم شرعية الاعتقال فيه، مشددة على ضرورة التزام الولايات المتحدة بالقانون الدولي واحترامه.


وقد تكون تلك القصص من أحد العوامل التي دفعت أوباما إلى رفع شعار إغلاق المعتقل، إلا أنّ الأسباب تتعدّد، وقد يكون من ضمنها أنّ المعتقل يكلّف الولايات المتحدة كلفة باهظة تصل إلى 445 مليون دولار سنوياً.

ومع أنّ أوباما، وهو العارف بالقانون الدستوري خلال دراسته الجامعية في هارفرد، كان قد لجأ إلى تبريرات قيمية إنسانية خلال دعوته إلى إغلاق غوانتانمو، من باب أنّ المعتقل أدى إلى "خسارة أميركا أغلى قيمها"، عاد ليستخدم مسوّغات سياسية يبدو أنّها انقلبت عليه، واستخدمها معارضوه لاحقاً ضد خطته التي قدّمها إلى الكونغرس.

فخلال تقديمه خطة لإغلاق معتقل غوانتانمو، في فبراير/ شباط الماضي، حذّر أوباما من أنّ بقاء المعتقل يشكل تهديداً لأمن الولايات المتحدة، قائلاً خلال كلمة من البيت الأبيض إنّه "من الواضح منذ سنوات أنّ مركز الاعتقال في خليج غوانتانمو لا يعزّز أمننا القومي بل يهدّده".

في المقابل، استخدم معارضو خطة أوباما لإغلاق المعتقل، لا سيما من الجمهوريين القوة الغالبة في الكونغرس، الحجج ذاتها لتبريرهم الإبقاء عليه، من باب أنّ إغلاقه سيؤدي إلى إطلاق متهمين بالإرهاب قد يشكّلون تهديداً لأمن البلاد، خاصة أنّ عدداً من المعتقلين عادوا إلى ساحات القتال بعد إطلاق سراحهم، وفق تصريحات مسؤولين أميركيين.

إذاً قبيل سنة فقط على انتهاء ولايته الرئاسية، قدّم أوباما خطة لإغلاق غوانتانمو، وتشمل نقل 35 معتقلاً إلى بلدان أجنبية، وإعادة تقييم جدوى الاحتفاظ ببقية المعتقلين بشكل دوري، إضافة إلى مواصلة استخدام الآليات القانونية للتعامل مع بقية المعتقلين، والعمل مع الكونغرس للاتفاق على موقع في الولايات المتحدة لاحتجاز المعتقلين الذين لن ينقلوا إلى دول أخرى، معتمداً على أنّ الخطة ستوفر 180 مليون دولار سنوياً.

وفي وقت أكد الرئيس الأميركي ضرورة نقل عدد قليل من المعتقلين "الخطرين" إلى أراضي الولايات المتحدة لمحاكمتهم هناك، لم تشمل خطته، والتي استغرقت صياغتها شهرين، تفاصيل تقنية حول أي منشأة بديلة لإيوائهم، على الرغم من أنّ مسؤولين عسكريين تفقدوا سابقاً سجن فورت ليفنوورث في كنساس، وسجن تشارلستون في كارولاينا الجنوبية.  

رفض مجلس النواب خطة أوباما لإغلاق معتقل غوانتانمو، ومنحه ميزانية بقيمة 80 مليون دولار لهذا الهدف، مشترطاً تقديم خطة واضحة حول مصير المعتقلين. كذلك فعل مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، حزب أوباما، ورفض الموافقة على الخطة.

ولعلّ اعتراض الكونغرس على خطته، هو شماعة قد يستعملها أوباما لاحقاً كمبرر واضح لعدم الإيفاء بوعده إغلاق المعتقل، إلا أنّ الرئيس الأميركي تجاهل وسائل أخرى، كان، لو تشجع وأقدم عليها، لسجل في عهده فعلاً إنجاز إنهاء ملف كهذا، ويا له من إنجاز أساساً بأن يغلق معتقل ما كان يجب أن يقام بالأصل.

فالكونغرس فرض حظراً على نقل معتقلين من غوانتانمو إلى الولايات المتحدة، ورضخ أوباما لذلك حيث لم يصدر قراراً أو أمراً تنفيذياً، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، بترحيل من تبقّى من المعتقلين إلى الأراضي الأميركية، وتقديمهم لمحاكمات أمام القضاء الأميركي، وبالتالي إغلاق سجن غوانتانمو نهائياً، بل اكتفى بخطوات تحفظ ماء الوجه.

ومن ذلك أنّ أوباما وقع قانون الدفاع لعام 2016 الذي يؤكد على منع إغلاق معتقل غوانتانمو، ويحصن ميزانية الدفاع التي بلغت 607 مليارات دولار بمنع الرئيس نقل أي معتقل إلى البلاد، مكتفياً بإرفاق ملاحظة بأنّ "الأحكام الواردة في هذا القانون بشأن نقل المعتقلين تنتهك الفصل الدستوري بين السلطات".

لم يستخدم إذاً أوباما سلطاته التنفيذية، لنقل المعتقلين الباقين في غوانتانمو إلى معتقلات أو محاكمات داخل الولايات المتحدة من دون انتظار موافقة الكونغرس، ولن يستخدمها في الوقت المتبقي لولايته على ما يبدو، كونه كما صرح في عدد من المحطات، وكما أثبت في أكثر من ملف، لا يريد الاصطدام بالمؤسسة التشريعية في عامه الأخير.

سيورّث أوباما كرة النار هذه إلى خلفه، على الرغم من أنّه قال بالحرف حين عرض خطته في فبراير/ شباط الماضي "دعونا نمضي قدماً ونطوي هذه الصفحة. لا أريد أن أحيل هذه المشكلة إلى الرئيس المقبل".

سيمضي أوباما ولم تطو هذه الصفحة، بل قد تزداد فصولاً، خصوصاً أنّه على عكس تأييد المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون إغلاق غوانتانمو، يدعو المرشح الجمهوري دونالد ترامب إلى فتحه أيضاً أمام المواطنين الأميركيين المشتبه بعلاقاتهم بـ "الأنشطة الإرهابية" لمحاكمتهم عسكرياً.

ومع عدم الإيفاء بوعده، فإنّ شعارات أوباما حول غوانتانمو ما قبل وصوله إلى البيت الأبيض، بقيت كما بعده، وكلماته التي قالها يوماً "إبقاء هذه المنشأة مفتوحة يناقض كل قيمنا، ويقوّض سمعتنا في العالم، إذ ينظر إليه كوصمة عار تلطخ سجلنا"، ستبقى محفورة بالتاريخ، لأنّ وصمة العار تلك لن تقوّض فقط سمعة بلاده، بل حتى سمعة ولايته الرئاسية.

المساهمون