تصاعد مواجهات تعز اليمنية: ضرب نواة الجيش وتهديد الجنوب

تصاعد مواجهات تعز اليمنية: ضرب نواة الجيش وتهديد الجنوب

تعز

وجدي السالمي

avata
وجدي السالمي
18 يوليو 2016
+ الخط -


يراقب سكان مدينة تعز اليمنية بقلق بالغ، معارك الجبهة الغربية والمواجهات الشرسة التي تدور في محيط معسكر اللواء 35 مدرع عند المدخل الغربي للمدينة، بين قوات الشرعية مسنودة بـ"المقاومة الشعبية"، والمليشيات وقوات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، وهم يتخوفون من سقوط موقع اللواء وتمركز المليشيات في المنفذ الجنوبي والغربي، ما يُعيد فرض الحصار، الذي جعلهم يواجهون معاناة شديدة على مدى ستة أشهر.
وتدور مواجهات عنيفة بين الطرفين في جبهتين استراتيجيتين في تعز، الأولى الجبهة الغربية والمناطق المحيطة، والثانية جبهة حيفان ذات الموقع الجغرافي الاستراتيجي في الأرياف الجنوبية من تعز. وإلى ما قبل شهر من الآن، كانت الحرب سجالاً في الجبهة الغربية للمدينة، فيما احتدمت المواجهات منذ أسبوعين، ولم تتوقف الاشتباكات الضارية منذ أكثر من 10 أيام بين الطرفين.
وبحسب مصادر ميدانية عسكرية، فإن مليشيات وقوات الانقلابيين شنّت هجمات كبرى عدة، تركّزت على موقع معسكر اللواء 35 مدرع الموالي للشرعية، الواقع عند المدخل الغربي لمدينة تعز، وشملت هذه الهجمات القصف بالمدفعية وهجمات المشاة. وكان آخرها، هجوم قام به الحوثيون والموالون لصالح على المطار التابع للواء 35 مدرع ومحيط السجن المركزي أمس الأربعاء، إلا أن قوات "المقاومة" والجيش الموالي للشرعية نجحوا في إحباط الهجوم، كما أعلن المتحدث باسم المجلس العسكري في المدينة، العقيد منصور الحساني.
وكانت المليشيات بدأت هجماتها العنيفة على موقع اللواء 35 مدرع خلال أيام شهر رمضان في 29 يونيو/حزيران الماضي، بعدما دفعت بعدد من الكتائب العسكرية من صنعاء وذمار شمالي اليمن، بينها قوات الحرس الجمهوري وقوات الأمن المركزي الموالية لصالح، ومسنودة بمليشيات الحوثي، نحو الجبهة الغربية لمدينة تعز. ونفذت المليشيات هجمات عسكرية وقصفاً بالمدفعية والدبابات، بهدف السيطرة على موقع اللواء 35 مدرع. وتصدّت قوات الشرعية و"المقاومة الشعبية" بإسناد جوي من مقاتلات التحالف العربي لهذه الهجمات، وتمكنت من كسر توغّل مليشيات وقوات الانقلابيين نحو مناطق قريبة من محيط اللواء الواقع غرب المدينة، وألحقت خسائر كبيرة في صفوف المهاجمين. ونجحت طائرات التحالف العربي بتدمير آليات عسكرية كبيرة، وقتل العشرات من التعزيزات التي أرسلتها المليشيات، عبر استهداف مواقع المليشيات ومعداتهم العسكرية في مناطق محيط اللواء 35 مدرع، ومواقعهم في سواحل مدينة المخا (115 كيلومتراً غرب تعز).
ويرجّح مصدر عسكري في قيادة اللواء 35 مدرع، أن تكون المحاولة الحثيثة من قبل الانقلابيين لإسقاط اللواء، بهدف الوصول إلى مخازن أسلحة سرية قامت المليشيات بإنشائها في وقت سابق، موضحاً أنه "عندما كان اللواء تحت سيطرة المليشيات قبل دحرها من موقع اللواء ومواقع أخرى جنوب وغرب تعز من قِبل قوات الشرعية في 9 مارس/آذار الماضي، كانت مخازن ضخمة تتعرض لقصف من مقاتلات التحالف العربي، وقامت المليشيات بحفر أنفاق تحت الأرض في أكثر من منطقة في محيط اللواء غرب المدينة بهدف تخزين ترسانة أسلحة وبكميات كبيرة، كانت في مخازن اللواء 35 مدرع الرئيسية"، مضيفاً أن "المليشيات بهجماتها الحالية تحاول الوصول إلى هذه المخازن من خلال إسقاط موقع اللواء في منطقة المطار القديم غرب المدينة".
ويرى مراقبون أن الانقلابيين يريدون الانقضاض على ما تبقى من مكوّنات الجيش اليمني الذي يشكل نواة الجيش الوطني في اليمن، ويمثل رمزية للحكومة الشرعية اليمنية، وبات النواة الحقيقية لإمكانية وجود جيش يمني بأبعاد وطنية، معولين على مساهمته الفاعلة في استكمال تحرير مدينة تعز إلى جانب اللواء 22 ميكا الذي يشارك في معارك الدفاع عن موقع اللواء 35 مدرع ومعه فصائل في "المقاومة الشعبية".


في غضون ذلك، لا تزال قوات كبيرة من اللواء 35 مدرع مسنودة بـ"المقاومة الشعبية"، تخوض معارك عنيفة وشرسة وغير متكافئة ضد مليشيات الانقلابيين منذ عدة أيام في جبهة مديرية حيفان الاستراتيجية جنوب تعز. وتدور المواجهات التي أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى من الطرفين، في مناطق الأعبوس في حيفان، وأسفرت عن انسحاب "المقاومة الشعبية" من بعض المواقع في منطقة ظبى في حيفان، فيما استعادت مواقع أخرى هناك. وجاءت خسارة قوات الشرعية مواقع في منطقة ظبى التابعة للأعبوس، بعد معارك عنيفة تخللها قصف عنيف على مواقع قوات الشرعية، وفقاً لمصادر ميدانية، وفرضت المليشيات سيطرتها على تلك المناطق.
ويؤكد القائد الميداني في جبهة حيفان، الرائد عارف المقطري، لـ"العربي الجديد"، أن انسحاب قوات الشرعية و"المقاومة" من بعض مواقع ظبى حيفان، "لم يكن بسبب تفوق سلاح المليشيات، إنما لأن الأخيرة تملك معلومات استخباراتية عميقة، وهي أدركت وجود حالة تذمر في صفوف أفراد المقاومة بسبب احتياجهم لأبسط مقوّمات الحياة التي تسمح لهم بالاستمرار في مواقعهم، واستغلت المليشيات هذا الأمر وقامت بشن الهجوم على مواقعنا بضراوة شديدة". ويشير إلى أن "المشكلة الأبرز في جبهة حيفان، هي شح الأسلحة والذخائر، إذ أن بعض المقاتلين لم يبقَ معهم إلا بعض الطلقات لأسلحتهم".
ويلفت المقطري إلى أن "بعض عناصر المقاومة انسحبوا من الجبهات خلال عيد الفطر احتجاجاً على تجاهلهم من القيادات العليا وغياب أدنى مقوّمات الاستمرار، خصوصاً أنهم لم يقبضوا أي مستحقات أو مكافآت تشجيعية أسوةً بزملائهم في الجيش الوطني في مأرب والجوف". ويؤكد أن عدداً من المواقع التي سقطت خلال الأيام الماضية بيد المليشيات تمت استعادتها، ولم يبقَ غير موقع المنشارة في حيفان وهو الأهم من حيث التحكم والسيطرة.
وتفيد مصادر محلية لـ"العربي الجديد" بأن مليشيات الحوثي وصالح تواصل حشد التعزيزات العسكرية إلى جبهة مديرية حيفان جنوبي تعز، إذ قامت بتعزيز مواقعها في جبهات ظبى والهتاري والسويدة والجزب وشوكة وضلاع، بتعزيزات بشرية من قوات الحرس الجمهوري المنحل الموالي لصالح ومدافع الهاون بعد أن عززتها في وقت سابق بصواريخ الكاتيوشا بهدف اقتحام دفاعات الجيش الوطني و"المقاومة"، والتمدد إلى أبعد من مديرية حيفان والسعي للسيطرة على خط الإمداد الوحيد المتبقي لمحافظة تعز وهو خط التربة-عدن جنوباً.
ويرى الكاتب والمحلل اليمني عبدالملك الحاج، أنه من خلال ما يجري في مناطق حيفان جنوبي تعز من مواجهات عنيفة، يتضح بأن الهدف من سيطرة قوات صالح والحوثيين على حيفان والأعبوس جنوباً، والتي تحاول استكمال السيطرة على مناطق القبطية التابعة لمحافظة لحج الجنوبية، ليس الوصول إلى المناطق الجنوبية أو محافظة عدن كما يعتقد البعض، وإنما "السيطرة على الحدود السابقة التابعة للشطر الشمالي قبل عام 1990، وذلك لعدم قدرة هذه المليشيات على اجتياح الجنوب مرة أخرى". ويضيف أن المليشيات تهدف أيضاً لإحكام الطوق على محافظة تعز وخنقها من خلال إغلاق المنافذ والطرق التي تصل إليها كون حيفان تُعتبر البوابة الجنوبية الشرقية لمحافظة تعز اليمنية وشريانها الرئيسي.
ويشير الحاج إلى أنه من خلال السيطرة على السلسلة الجبلية لمديرية حيفان جنوب تعز، تستطيع المليشيات قطع الإمدادات عن تعز وكذلك السيطرة على مناطق الحجرية جنوباً أو ضرب تلك المناطق بالصواريخ والمدافع من جبالها التي تشرف على جميع المناطق الريفية الجنوبية من محافظة تعز.
ولمديرية حيفان جنوب تعز موقع استراتيجي، إذ تضم منافذ وطرقاً هامة، تربطها بمناطق طور الباحة في محافظة لحج الجنوبية، كما تتصل بمناطق كرش في لحج من الجهة الشرقية، فيما تمتد طريق حيفان الأعبوس-هيجة العبد، لتخترق مناطق مدينة التربة جنوب تعز. كما تشرف مناطق حيفان على الطريق الرئيسية الرابطة بين محافظتي عدن وتعز.
وتطل سلسلة جبال الأعروق والأغابرة والأعبوس في حيفان جنوباً، على مدن الأطراف الجنوبية من محافظة تعز، منها مدينة الراهدة ومدينة الدمنة ومدينة التربة جنوب تعز. وتشرف بشكل مباشر على منطقة ورزان حيث يقع مقر المنطقة العسكرية الرابعة التابعة لصالح والحوثي والتي توجد فيها أيضاً قاعدة لمنصات الصواريخ.
وعن تصاعد الأحداث في مديرية حيفان، يوضح الحاج أن مديرية حيفان كانت إلى ما قبل سيطرة المليشيات قبل ثمانية أشهر، هادئة ومستقرة، وعلى الرغم من أن المليشيات كانت لديها معرفة مسبقة مدعومة بالمعلومات الاستخبارية بأن هذه المناطق مسالمة ولا تتواجد فيها أية مقاومة مسلحة، إلا أن المليشيات أصرت على السيطرة عليها بموجب الأوامر من الجهات العليا في صنعاء، وفقاً للحاج.
ويلفت إلى أن "المليشيات استطاعت الوصول إلى حيفان بمساعدة ودعم بعض الموالين لها وبعض المشايخ والرموز التابعة لحزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه صالح". ودخلت مقاتلات التحالف العربي على خط المواجهة بعد اقتحام المليشيات مناطق حيفان، وقصفت المقاتلات منشآت ومباني عدة. وتشكّلت في حيفان "المقاومة الشعبية"، ودارت العديد من المواجهات وأصبحت مناطق المديرية مشتعلة بالصراع المسلح.
وبعد العديد من المعارك بين الطرفين، تمكّنت المليشيات من السيطرة على بعض المواقع المشرفة على الأعبوس ومنها حصن الهتاري، حيث لا زالت تدور المعارك فيه حتى الآن. فيما تمكّنت "مقاومة" حيفان مسنودة بقوات الجيش الوطني، من استعادة مواقع هامة في حيفان كانت قد سيطرت عليها مليشيات الانقلابيين، ومنها أهم المنافذ الرابطة بين مدينة الراهدة ومحافظتي عدن وتعز، وأحكمت الخناق على هذا المنفذ الذي أصبح البديل بعد أن توقفت الطريق الرئيسية بين محافظتي عدن وتعز وطريق طور الباحة وهيجة العبد المتصلة بمدينة التربة جنوباً.
وبحسب الحاج، فإن الموقع الاستراتيجي لمديرية حيفان، جعل السيطرة عليها من أولويات تحالف الانقلابيين، الذين عملوا على فرض هيمنتهم وتحويل هذه المناطق من مناطق مسالمة إلى مناطق حرب وصراع مسلح وإحكام السيطرة على المنافذ التي تشكّل شرياناً رئيسياً لمحافظة تعز بشكل أساسي وعزلها عن المناطق المتصلة مع طور الباحة في محافظة لحج وعدن الجنوبيتين وإحكام طوق الحصار عليها من كل اتجاه.

ذات صلة

الصورة
مقاتلون حوثيون قرب صنعاء، يناير الماضي (محمد حمود/Getty)

سياسة

بعد 9 سنوات من تدخل التحالف بقيادة السعودية في اليمن، لم يتحقّق شيء من الأهداف التي وضعها هذا التحالف لتدخلّه، بل ذهب اليمن إلى حالة انهيار وانقسام.
الصورة

مجتمع

يقصد اليمنيون في شهر رمضان المدن القديمة والمساجد التاريخية المنتشرة في مختلف أنحاء اليمن ويتخذون منها أماكن للفسحة والتنزه.
الصورة
11 فبراير

سياسة

تحيي مدينة تعز وسط اليمن، منذ مساء أمس السبت، الذكرى الثالثة عشرة لثورة 11 فبراير بمظاهر احتفالية متعددة تضمنت مهرجانات كرنفالية واحتفالات شعبية.
الصورة
موانئ ماليزيا/Getty

اقتصاد

تتسع رقعة حرب الملاحة البحرية ضد السفن الإسرائيلية وغيرها التي تبحر نحو دولة الاحتلال، ولكن هذه المرة ليس في البحر الأحمر الذي يشهد هجمات مكثفة من قبل الحوثيين.