باكستان والتحالف الهندي-الأفغاني-الأميركي: طبول حرب لن تقع

باكستان والتحالف الهندي-الأفغاني-الأميركي: طبول حرب لن تقع

17 فبراير 2018
توتر متصاعد بين باكستان وأفغانستان (ناريندر نانو/فرانس برس)
+ الخط -
تثير أحداث إقليم كشمير المكثفة خلال اليومين الماضيين، وسقوط عدد من القتلى في صفوف الجيشين الباكستاني والهندي في المنطقة المتنازع عليها بين باكستان والهند والصين، الكثير من المخاوف في إسلام آباد، في موازاة مؤشرات تصدر عن التحالف الأميركي ــ الأفغاني ــ الهندي تخشى إسلام آباد أن تؤدي إلى حرب رابعة مع نيودلهي تضاف إلى الحروب الثلاث السابقة، منذ استقلال باكستان، عام 1947. مع ذلك، لا يبدو في الأفق ما يشير إلى احتمال وقوع حرب شاملة على غرار الحروب الثلاث التي خاضها البلدان: الأولى في 1949 والتي انتهت بتقسيم إقليم كشمير، والثانية في 1965 ولم تؤدِّ إلى أي نتيجة، بينما انتهت الثالثة في 1971 إلى انفصال بنغلادش عن باكستان.

ولكن ما يحصل حالياً هو حرب من نوع آخر، يحلو للمسؤولين الباكستانيين تسميتها "حرباً غير مباشرة"، قد تؤدي إلى تمزيق باكستان على المدى البعيد بعد تقويض نفوذها السياسي والاقتصادي، وهو ما يعتقد حكام إسلام آباد أن التحالف الثلاثي الأميركي الهندي الأفغاني يريد حصوله من خلال أوراق ثلاث: تحريك إثنيات وقوميات داخل باكستان ضد الحكومة المركزية، وإنهاك الجيش الباكستاني على الحدود الهندية والأفغانية، وثالثاً عبر ممارسة المزيد من الضغط الاقتصادي، الأميركي خصوصاً، ضد باكستان، في زمن باتت فيه واشنطن غير مرتاحة لاستمرار النظام الباكستاني الحالي في الحكم، بما أنها تعتبره "راعياً للإرهاب"، أو على الأقل "متسامحاً معه"، هذا إن لم يكن الانزعاج الأميركي من باكستان سببه الحقيقي التحالف المتين الذي يجمع بكين وإسلام آباد.

وبرأي مسؤولين باكستانيين عسكريين وسياسيين، فإن ما يفعله التحالف الثلاثي حالياً، هو جزء من الحرب غير المعلنة على باكستان، عبر إحداث توتر على الحدود الغربية مع أفغانستان  والشرقية مع الهند، لإشغال الجيش الباكستاني، والتحرك في الداخل، من خلال عرقيات مختلفة بذريعة أو أخرى. كذلك تحريك جماعات مسلحة من جديد، وتنشيط الحركات الانفصالية البلوشية، لجعل باكستان ترضخ لمطالبه، خصوصاً حيال ما تقول واشنطن ونيودلهي وكابول إنه دعم باكستاني لحركة "طالبان" واحتضان "الإرهاب" عموماً.

وقبل يومين، أعربت وزارة الخارجية الباكستانية عن أسفها الشديد إزاء موقف الرئيس الأفغاني أشرف غني حيال التظاهرات والاعتصامات لقبائل البشتون في باكستان والتي استمرت ثمانية أيام. وتراقب باكستان هذا التحرك للقبائل، وخصوصاً أن أفغانستان هي الموطن الأصلي لقبائل البشتون وتقف إلى جانبها، كما لمح إليه الرئيس الأفغاني قائلاً إن هذا "تحرك تاريخي لأجل الحصول على الحق ولأجل إحلال الأمن في المنطقة". وعلى الرغم من أن وزارة الخارجية الباكستانية أكدت أن تلك التظاهرات كانت فقط من أجل محاكمة قتلة شاب قبلي يدعى نقيب الله محسود في مدينة كراتشي، إلا أن اللافتات والشعارات الداعية للانفصال والاستقلال والكلمات المناهضة لـ"السطوة البنجابية على البشتون"، وضعت باكستان في حيرة، وجعلت القضية أهم لدى صنّاع القرار في باكستان من مجرد حراك مطلبي إثني.


وينبع الخوف الباكستاني خصوصاً من حقيقة أن تلك القبائل تسيطر على جانبي الحدود الأفغانية الباكستانية ومعروفة بالتماسك في ما بينها، كما أنها تقطن على ما يقرب من 2500 كيلومتر من الحدود الباكستانية الشرقية مع أفغانستان وفي منطقة استراتيجية مهمة. بالإضافة إلى ذلك، تخشى باكستان تحريك جماعات مسلحة تنشط في المنطقة القبلية ضد الجيش الباكستاني كـ"طالبان باكستان" وجماعة "الأحرار"، وهي مدعومة، على حد الرواية الباكستانية، من قبل الهند وأفغانستان، ولها معاقل على الجانب الثاني من الحدود، أي في أفغانستان، وهو ما تنفيه كابول. وتلك الجماعات تحركت من جديد وزاد نشاطها في الآونة الأخيرة، ومن أبرز ما قامت به، الهجوم الانتحاري الأسبوع الماضي داخل ثكنة للجيش في منطقة وادي سوات.

أيضاً، تفتح قضية الانفصاليين البلوش، ملفاً آخر في وجه باكستان وورقة ضغط قوية في يد أعدائها وخصومها. فتلك الجماعات نشّطت حراكها ضد كل ما ينتمي إلى باكستان وتحديداً إقليم البنجاب، زعماً منها أن الإقليم يقود البلاد ويتربع على حقوق أقاليم وعرقيات أخرى وتحديداً البلوش. كما أنها سلاح فتاك في يد من لا يرغب في إكمال المشاريع الصينية في باكستان، ومعظمها في إقليم بلوشستان، وتقول باكستان إن من يقف خلف هذا التحريض للبلوش هم الهند والولايات المتحدة وإيران ودول أخرى في المنطقة.

وبالإضافة إلى الوضع الداخلي، تخشى باكستان التصعيد على حدودها الشرقية مع الهند والغربية مع أفغانستان. وفي الأيام الأخيرة، أعلنت وزارة الدفاع الأفغانية أن القوات المسلحة على الحدود الأفغانية الباكستانية أمرت أن ترد فوراً على أي انتهاك باكستاني. وتقول باكستان إن المسلحين من الجانب الأفغاني يستهدفون المواقع العسكرية الباكستانية ثم يلوذون بالفرار إلى أفغانستان، وعند استهدافهم من قبل القوات الباكستانية، تقوم القوات الأفغانية بالرد. ومع الوضع المتأزم على الحدود الغربية مع أفغانستان، توتر الوضع على الجانب الشرقي مع الهند، تحديداً في إقليم كشمير. وكان آخر ما حدث هو إعلان الجيش مقتل خمسة جنود هنود يوم أمس الجمعة، مدعياً أن الموقع العسكري الذي دمره الجيش الباكستاني كان يستهدف المواقع السكنية في باكستان. وكانت القوات الهندية قد استهدفت يوم الخميس مناطق باكستانية أدت إلى مقتل مدني. كما أعلن الهنود مراراً قتل جنود باكستانيين على الحدود.

لكن كل هذا لا يعني أن باكستان والهند تسيران نحو حرب شاملة على غرار الحروب الثلاث السابقة، وهذا ما قد لا ترغب فيها الهند، ليس لأن علاقاتها تحسنت مع جارتها النووية، بل أولاً لأن لديها أوراقاً كثيرة للنيل من جارتها منافستها في المنطقة وعدوتها على مر التاريخ. ثم ثانياً لأن الأوضاع الاقتصادية في باكستان لا تسمح بحرب قد تطيح بنظامها. وثالثاً لأن حرباً بين دول نووية هي ممنوعة بشكل حاسم من قبل الدول الكبرى، تحديداً من أميركا والصين وروسيا. أمام هذه الوقائع، تدرك باكستان حجم الخطر المحدق بها من احتمال قيام خصومها بالعمل ضدها من الداخل، كما يدرك خصوم باكستان أن الأخيرة قد ترد بالمثل، أكان في الداخل الأفغاني عبر جماعات كثيرة محسوبة عليها، أم في الداخل الهندي أيضاً.