مجزرة إدلب: الهدنة السورية تتهاوى وروسيا تتنصّل من المسؤولية

مجزرة إدلب: الهدنة السورية تتهاوى وروسيا تتنصّل من المسؤولية

08 فبراير 2017
+ الخط -
حاولت موسكو التنصّل من مسؤولية مجزرة أودت بحياة عشرات المدنيين في شمال غربي سورية، ربما تنسف اتفاق تهدئة وُقّع في أنقرة نهاية العام الماضي، وكانت روسيا وتركيا ضامنتين له، ويترنح على وقع خروقات متواصلة من قبل النظام وحلفائه، خصوصاً في محيط العاصمة دمشق. واتهمت مصادر في المعارضة السورية المسلحة الجانب الروسي بعدم الالتزام بالعهود، مؤكدة أن وفدها المفاوض يصر على تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار قبل المشاركة في أي نشاط متعلق به، أو بالعملية السياسية، التي تحاول الأمم المتحدة إحياءها في 20 فبراير/شباط الحالي، وتعوّل على عدم انهيار التهدئة لدفع النظام والمعارضة لوضع خارطة طريق حل، يحاول النظام تجنبها، لأنها تمس مستقبله.

وعقد مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، اجتماعاً "إيجابيا" مع وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، بشأن المباحثات المقبلة بين الأطراف السورية. وقالت المتحدثة باسمه، يارا شريف، إن دي ميستورا التقى تيلرسون الأسبوع الماضي، كجزء من "سلسلة من الاجتماعات الناجحة مع الإدارة الأميركية الجديدة". وأضافت أن المناقشات مع تيلرسون تركزت حول "سياق" الحرب في سورية. وأشارت إلى أن الدعوات لمباحثات بين الأطراف السورية برعاية الأمم المتحدة، التي ينتظر أن تبدأ في 20 فبراير/شباط في جنيف، سترسل اليوم.

وشدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على أن الاتصالات بين روسيا والولايات المتحدة حول الشأن السوري متواصلة، ولم تنقطع. وقال: "الاتصالات على المستوى العملي بما فيها في جنيف مستمرة"، موضحاً أن هذه الاتصالات "كانت مرتبطة مع تلك التي تسمى المجموعة الدولية لدعم سورية، التي أنشأتها روسيا والولايات المتحدة تحت رئاستهما المشتركة، رغم أنها لم تجتمع منذ زمن طويل على مستوى الوزراء، وهي مستمرة في عملها عبر مجموعة العمل المعنية بوقف إطلاق النار ومجموعة المسائل الإنسانية". وأشار إلى أن مجموعتي العمل تعقدان اجتماعات أسبوعية في جنيف على مستوى المندوبين الدائمين للدول المعنية و"الاتصالات عبر هاتين الآليتين، بين الدبلوماسيين الروس والأميركيين، ما زالت مستمرة حتى الآن". وتوقع لافروف ألا تقل الاتصالات المستقبلية بين موسكو وإدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بشأن سورية كثافة عن الاتصالات مع الإدارة السابقة "لأن إدارة ترامب وصفت داعش بأنه أكبر خطر يجب أن نواجهه بجهود مشتركة. وهذا موقف يتطابق تماماً مع موقفنا".

قصف إدلب

واستفاقت مدينة إدلب شمال غربي البلاد، فجر أمس الثلاثاء، على مجزرة وصفها ناشطون بـ"المروعة"، أودت بحياة نحو 30 مدنياً، معظمهم أطفال ونساء، إضافة إلى إصابة العشرات جراء غارات من الطيران الروسي، وقصف بالصواريخ من البوارج الروسية المتمركزة أمام الساحل السوري. وذكر ناشطون أن القصف استهدف أحياء أمن الدولة، والكارتون، والقصور، ووادي النسيم، والضبيط، وسوق المدينة، وجامع الشعيب، والملعب البلدي، مشيرين إلى أن حصيلة القتلى مرشحة للارتفاع، موضحين أن هناك مدنيين لا يزالون تحت أنقاض أبنية انهارت من شدة القصف الذي تسبب بدمار هائل. وحاولت وزارة الدفاع الروسية التنصّل من مسؤولية هذه الغارات. ونفت، في بيان، قيام الطيران الروسي بقصف مدينة إدلب، في محاولة تبدو يائسة للتخفيف من "سخط" يتصاعد من قبل المعارضة السورية على الطريقة الروسية في التعاطي مع التزامات قطعتها على نفسها كـ"دولة ضامنة" وراعية لاتفاق وقف إطلاق النار. كما تحاول روسيا، من خلال هذا النفي، امتصاص غضب تركي متوقع على الخروقات المستمرة من قبل قوات النظام، ومليشيات إيرانية، والتي لا تجد رداً قاسياً من الطرف الروسي.

وجاء القصف الروسي لمدينة إدلب، التي تقع تحت سيطرة المعارضة السورية، بعد يوم واحد من اجتماع عُقد في أستانة لتعزيز اتفاق وقف إطلاق النار في سورية، الذي دخل حيّز التنفيذ في 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي، والتوصل إلى آليات فعالة لمراقبة تنفيذ هذا الاتفاق المدعوم من قبل مجلس الأمن الدولي. كما يعد هذا القصف أول خرق على هذا المستوى من القوات الروسية في سورية، مما قد ينسف مصداقية موسكو كضامن وراع للاتفاق، الذي يعوّل المجتمع الدولي على صموده ليشكل أرضية صلبة للانطلاق إلى جولة رابعة من مفاوضات جنيف، تحدد موعدها في 20 الشهر الحالي.

وقال العميد أحمد بري، رئيس أركان الجيش السوري الحر، وعضو وفد الفصائل العسكرية إلى مفاوضات أستانة، إن "هؤلاء الناس لا يلتزمون بالعهود، والمواثيق"، مضيفاً، في تصريح لـ"العربي الجديد"، "إنهم يقولون ما لا يفعلون"، في إشارة واضحة إلى الجانب الروسي. وكشف عن أن وفد الفصائل العسكرية المعارضة "قرر عدم المشاركة في أي شيء إلا بعد تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار بشكل كامل". ومن المفترض أن تُعقد اجتماعات، منتصف فبراير/شباط الحالي، في أستانة لممثلين عن الدول الضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار وممثلين عن فصائل المعارضة والنظام، لاستكمال التباحث حول وضع آلية مراقبة للاتفاق، لكن مصادر في المعارضة السورية أكدت أن استمرار الخروقات التي تؤدي إلى مقتل مدنيين، كما حدث في إدلب أمس، ربما ينسف كل جهود التهدئة محمّلة روسيا مسؤولية ذلك. وكانت المعارضة السورية قد حذرت من أن استثناء "جبهة النصرة" من اتفاق وقف إطلاق النار سيكون ذريعة للروس والإيرانيين والنظام لاستهداف قوات المعارضة في عموم الجغرافيا السورية، ومواصلة سياسة التهجير الممنهج وقضم المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة. وكان "جيش العزة"، الفاعل في ريف حماة الشمالي، قد أعلن في اليوم الأول من فبراير/شباط، أنه "في حل من الاتفاق" إثر استهداف الطيران الروسي مقرات له، مما أدى إلى مقتل عدة مقاتلين. وبات من الواضح أن النظام يحاول إجهاض اتفاق وقف إطلاق النار، لأنه سيكون مدخلاً واسعاً للولوج إلى عملية سياسية لم يعد للنظام هامش مناورة فيها، إذ من المتوقع أن تتناول قضايا حاول تجنبها كثيراً، كونها تمس مصيره في مستقبل سورية.

هجوم النظام على الغوطة

وواصلت قوات النظام، و"حزب الله" ومليشيات إيرانية، محاولاتها لاقتحام مناطق في الغوطة الشرقية، أكبر معاقل المعارضة في محيط العاصمة دمشق، ضاربة بعرض الحائط اتفاق التهدئة الذي ينص على إيقاف كل الأعمال "العدوانية" والاستيلاء على أراض من الطرف الآخر. وبدأت قوات النظام، أمس الثلاثاء، هجوماً جديداً من محاور مدينة عربين، وقريتي حوش نصري وحوش الضّواهرة في غوطة دمشق الشرقية، حيث تدور اشتباكات وُصفت بـ"العنيفة" مع المعارضة السورية المسلحة، وسط غارات من طائرات النظام على مدينة عربين، تزامناً مع قصف مدفعي على مدينة حرستا.

وأشار الناشط الإعلامي، محمد الغوطاني، لـ"العربي الجديد"، إلى أن أشد المعارك تدور على محور مبنى الموارد المائية، وإدارة المركبات قرب مدينة عربين، وفي جبهة ميدعاني، مؤكداً أن قوات النظام تكبدت خسائر فادحة في الأرواح، موضحاً أن الغارات الجوية على عربين لم تهدأ منذ الصباح الثلاثاء. وأكد الغوطاني أن الطيران الروسي يشارك في الغارات، التي أودت بحياة طفل رضيع، وإصابة عدة مدنيين، وتسببت بدمار كبير، موضحاً أن قوات النظام ومليشيات إيرانية تحاول التقدم في منطقة المرج، التي تضم نحو 27 بلدة وقرية، مستفيدة من المساحات المكشوفة التي تتيح للطيران شن غارات مكثفة على قوات المعارضة. وأشار إلى أن قوات النظام تحاول، منذ نحو سنة، التقدم في هذه المنطقة للوصول إلى تلة فرزت الاستراتيجية، منوّها إلى أن سيطرة هذه القوات على التلة تتيح لها التحكم نارياً بمساحة هائلة من الغوطة، وتشل حركة مقاتلي المعارضة، مشيراً إلى أن 500 متر تفصل قوات النظام عن التلة، مؤكداً انها عاجزة عن التقدم.

وأوضح الغوطاني، الموجود داخل الغوطة الشرقية، أن النظام يحاول فتح معارك جانبية لـ"تشتيت" قدرات المعارضة السورية. وأشار إلى أن النظام يخوض بالتوازي مع المعركة العسكرية، معركة إعلامية ونفسية من خلال الترويج للمصالحة، وادعاء فتح معابر إنسانية آمنة لخروج المدنيين من الغوطة. ولفت إلى أن النظام يحاول زرع الرعب في نفوس نحو 500 ألف مدني محاصرين منذ أعوام في الغوطة، من خلال الترويج أن القادم "أخطر" مما مضى. وأكد أن النظام لن يحصل، عبر الحرب النفسية، على ما عجز عنه من خلال المعارك والمجازر الكبرى التي ارتكبها بحق المدنيين، منذ بدء الثورة في عام 2011، وحتى اليوم.

وأعلن "جيش الإسلام"، أكبر فصائل المعارضة المسلحة في الغوطة، عن شنّ هجوم مضاد لاستعادة النقاط التي سيطرت عليها قوات النظام أخيراً على جبهة الميدعاني القريبة من كتيبة حزرما، في حين أعلن فصيل "فيلق الرحمن" صد هجوم من قوات النظام على مدينة عربين. من جانبه، أكد المتحدث باسم "حركة أحرار الشام الإسلامية"، أحمد قره علي، لـ"العربي الجديد"، أن مقاتلي الحركة شنوا مع مقاتلي "جيش الإسلام" هجوماً على مواقع قوات النظام في بلدة ميدعاني، لتأمين محيط كتيبة حزرما وسيطروا على عدة نقاط، وقتلوا تسعة عناصر من القوات النظامية واستولوا على ذخائر وأسلحة. إلى ذلك، أكد ناشطون أن مدنيا قُتل في دوما، كبرى مدن الغوطة الشرقية، بقصف بالهاون من قوات النظام، مشيرين إلى أن القصف طاول بلدة الشيفونية، وحوش نصري، وحي جوبر شرقي دمشق.

ذات صلة

الصورة
صلاة عيد الفطر في المسجد الكبير بمدينة إدلب (العربي الجديد)

مجتمع

أبدى مهجرون من أهالي مدينة حمص إلى إدلب، شمال غربي سورية، سعادتهم بعيد الفطر، وأطلقوا تمنيات بانتصار الثورة السورية وأيضاً أهل غزة على الاحتلال الإسرائيلي.
الصورة
مجزرة خان شيخون (عدنان الإمام)

مجتمع

مرّت سبعة أعوام على مجزرة الكيماوي التي ارتكبتها قوات النظام السوري في مدينة خان شيخون بريف إدلب شمال سورية، في الرابع من أبريل/ نسيان 2017..
الصورة
مدينة أعزاز

سياسة

اهتزت مدينة أعزاز بريف حلب، شمالي سورية، بانفجار سيّارة مفخخة ضربت السوق الرئيسي في المدينة، التي تعتبر معقل المعارضة السورية، منتصف ليلة أمس السبت
الصورة

سياسة

شن جيش الاحتلال الإسرائيلي غارات جوية عنيفة استهدفت كتيبة عسكرية ومستودعات أسلحة في محيط مطار حلب الدولي، ما أسفر عن سقوط 42 قتيلاً.

المساهمون