مؤتمر ميونخ للأمن: جنرالات العالم وحكامه يناقشون "حافة الهاوية"

مؤتمر ميونخ للأمن: جنرالات العالم وحكامه يناقشون "حافة الهاوية"

17 فبراير 2018
فندق بايرشافير هوفر في ميونخ مقرّ المؤتمر (سيباستيان ويدمان/Getty)
+ الخط -
بدأ "مؤتمر ميونخ للأمن" في ألمانيا دورته الـ54 هذا العام، أمس الجمعة، وسط أجواء تشاؤمية، إثر نشر تقرير في وقت مبكر تمهيداً للنقاش حمل عنوان "إلى حافة الهاوية والعودة؟". وباشر أكثر من 500 مدعو، بينهم 16 رئيس دولة و15 رئيس حكومة و47 وزير خارجية و30 وزير دفاع و59 ممثلاً عن منظمات دولية، مناقشة مآلات التحديات الأمنية حول العالم، وسبل كبح جموحها. ويستمر المؤتمر حتى غد، الأحد، في فندق "بايرشافير هوفر" في مدينة ميونخ بولاية بافاريا. وبحراسة أكثر من 4 آلاف شرطي، بدأ المشاركون دراسة ملفات المؤتمر، واعتبر رئيس "مؤتمر ميونخ للأمن"، فولفغانغ إيشنغر، في تقرير الأمن الجديد، أنه "بات واضحاً أن العالم قد أصبح خلال العام الماضي أكثر قرباً من حافة الصراعات المسلحة الثقيلة"، مشيراً إلى ما سماه "التهديد الخطير والمتنامي الذي يثيره الصراع بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، وكذلك إلى التنافس المتزايد بين السعودية وإيران، فضلاً عن التوترات المتصاعدة باستمرار بين حلف الأطلسي وروسيا في أوروبا".

وشكّل "ظهور وتيرة متصاعدة من انعدام الأمن"، الموضوع المركزي للتقرير، وذلك بعدما اتضح عدم استعداد الولايات المتحدة لأداء الدور القيادي والضامن للنظام الدولي، في ظلّ طرح السؤال حول قدرة أوروبا على تكثيف العمل من أجل ضمان أمنها الخاص، في بيئة لا تزال تتسم بالتوترات مع روسيا وتنامي القومية. ومن ضمن المواضيع أيضاً، هناك القلق بشأن التسليح النووي الجديد، خصوصاً بعد كشف وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عن خططها لتحديث جديد للأسلحة النووية الأميركية مطلع شهر فبراير/ شباط الحالي. إلى جانب ذلك، فإن مواضيع الأمن الإلكتروني، والعلاقة بين تغير المناخ والصراعات، هي من المواضيع الأخرى المدرجة ضمن جدول أعمال المؤتمر، خصوصاً الوضع السوري والصراع الإيراني ـ السعودي.


ويعتبر المؤتمر نقطة التقاء رؤساء أجهزة الاستخبارات في العالم، من بينهم رئيس وكالة الاستخبارات الأميركية مايك بومبيو، ومدير الاستخبارات الوطنية الأميركي دان توكس، ورئيس الاستخبارات الخارجية البريطاني أليكس يونغر، ورئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين، ورئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الألماني برونو كاهل، والأمين العام لمنظمة الشرطة الدولية "الأنتربول" يورغن ستوك. وعلى هامش المؤتمر بوشر بعقد جلسات عدة تحت عناوين "التعاون الدفاعي بين الأطلسي والاتحاد الأوروبي"، و"الأمن النووي وضبط الأسلحة"، و"الدول بين أوروبا وروسيا" (كأزمة أوكرانيا)، و"التهديدات الموجّهة ضد النظام الليبرالي العالمي".

بالنسبة للأوروبيين، فإن "المؤتمر يعني منح المزيد من الاهتمام، أكثر من أي وقت مضى، لأمنهم"، وفقاً للتقرير، الذي يشير في هذا الصدد إلى تصريحات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عقب زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى ألمانيا في مايو/ أيار الماضي، بقولها: "إن الأيام التي استطعنا فيها الاعتماد بشكل كلي على الآخرين، قد ولت من غير رجعة. ويجب الآن على الأوروبيين أخذ مصيرهم بأيديهم". ما يعني أيضاً ارتفاع نفقات الأسلحة. وفي حال حافظت جميع دول الاتحاد الأوروبي، ومعها النرويج، على تخصيص 2 في المائة من ناتجها القومي للجيش، فإن الإنفاق العسكري سيزداد بحوالي 50 في المائة وسيبلغ حوالي 386 مليار دولار بحلول عام 2024. ويشير معدّو التقرير إلى وجود "ثغرة في الرقمنة والتشبيك. غير أن سد هذه الفجوات سيتطلب أموالاً إضافية. وليصبح الجيش الأوروبي أكثر كفاءة، يجب عليه أن يكون أولاً وقبل كل شيء مترابطاً في ما بينه. كما سيكون من الضروري أيضاً توحيد الصناعة الحربية الأوروبية الواسعة النطاق".

كما يشخص التقرير وجود مساعٍ على الأقلّ للتقارب في المجال الدفاعي بين الدول الأوروبية، إذ تنسّق 25 دولة سياستها الأمنية والدفاعية على مستوى الاتحاد الأوروبي في إطار ما يطلق عليه بـ"التنسيق الهيكلي الدائم". وتعتزم فرنسا وألمانيا العمل معاً لتطوير الجيل العتيد من الطائرات المقاتلة، كما حظيت فكرة الجيش الأوروبي المشترك للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بمساندة قوية.


وكان لافتاً حديث رئيس "القيادة الجديدة لأمن الإنترنت" في الجيش الألماني، الجنرال لودفيغ لاينهوس، عن أن "الجيش ليست لديه نية لامتلاك أسلحة آلية وصفها البعض بأنها أجهزة روبوت قاتلة"، وذلك أثناء نقاش بشأن الذكاء الصناعي على هامش المؤتمر. وذكرت منسقة حملة "أوقفوا الروبوتات القاتلة"، ماري فاريهام، أن "22 دولة وافقت بالفعل على دعم حظر الأسلحة التي تعمل ذاتياً، وإن مجموعتها تحاول زيادة الوعي بشأن هذا الأمر". وأضافت أنه "من المهم الحرص على استمرار التحكم البشري في نظم الأسلحة، وأن الأمر يتطلب إبرام اتفاقات في ظل التطور التكنولوجي السريع". ويشير هذا الأمر إلى أن "الذكاء الاصطناعي" قد يتجاوز العنصر البشري، إلى الحدّ الذي يسمح له بالقيام بعمليات عسكرية غير مطلوبة من البشر، ما يهدد الجنس البشري بأكمله.

وضمّت لائحة المشاركين العديد من الشخصيات، منهم الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو، ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، ورئيس الوزراء الفرنسي إدوارد فيليب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ورئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم. وتمثل الحكومة الاتحادية الألمانية وزيرة الدفاع الألمانية، أورسولا فون دير لاين. كما حضر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، والمتحدثة باسم لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشعب الصيني، فو يينغ، ووزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، ومستشار الأمن القومي الأميركي، اتش. أر. ماكماستر، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ونظيره السعودي عادل الجبير، ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي. كما حضر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، والممثل الأعلى لسياسة الأمن والشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني، والأمين العام لحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ، ومديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى محمد فكي، والمدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيسلي.

وكانت فعاليات النسخة الأولى من المؤتمر انطلقت عام 1963، تحت اسم "التقاء العلوم العسكرية الدولي"، بمبادرة من المؤسس إيفالد ـ هينريش فون كلايست ـ شمينزين، أحد أعضاء خلية الجنرال الألماني كلاوس فون شتاوفنبرغ، الذي حاول اغتيال هتلر في برلين، في 20 يوليو/ تموز عام 1944. ووُصف المؤتمر في البدايات "بلقاء عائلة عبر الأطلسي" لمشاركة ألمانيا والولايات المتحدة ودول الأطلسي فقط في فعالياته. واعتباراً من عام 1994، تغيّر اسم المؤتمر وأصبح "مؤتمر ميونخ من أجل السياسات الأمنية"، وبدءاً من عام 2008 بات "مؤتمر ميونخ للأمن".

(العربي الجديد، الأناضول، قنا، رويترز، فرانس برس)