هل يطلق الصدر شرارة تظاهرات جديدة ضد الحكومة العراقية؟

هل يطلق الصدر شرارة تظاهرات جديدة ضد الحكومة العراقية؟

20 سبتمبر 2019
نجح الصدر في فترات سابقة بحشد الشارع(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
بعد سلسلةٍ من البيانات والمواقف التي صدرت عن زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر خلال الأسابيع الأخيرة، والتي حملت انتقادات لاذعة لحكومة عادل عبد المهدي، عدا عن تصريحات لقيادات وأعضاء ضمن تحالف "سائرون" البرلماني بزعامته، تتسرب معلومات من النجف، وكذلك داخل أوساط سياسية في بغداد، عن أن الصدر قد يطلق تظاهرات ضد الحكومة في المرحلة المقبلة، ليس من أجل إسقاطها، بل لدفعها إلى اتخاذ قرارات عديدة، أو مساعدتها على إيجاد ذريعة أمام الكتل السياسية الأخرى لاتخاذها. ويبرز من بين هذه القرارات تفكيك أو إسقاط جزء من دولة نوري المالكي العميقة، ومعالجة تغلغل حزب "الدعوة" في المؤسسات الرسمية العراقية، وخصوصاً داخل القضاء ومفوضية الانتخابات.

ولا يزال خيار التظاهرات من قبل أنصار الصدر، الذي بدا الأكثر تداولاً خلال الأيام الماضية كردٍّ على تراجع الحكومة عن تنفيذ وعودها الواردة في البرنامج الحكومي قبل نحو عام، غير محسوم، في ظلّ تحركات عبد المهدي للحصول على مهلة عامٍ آخر قبل الحديث عن نجاح أو فشل حكومته، بحسب تسريبات حصلت عليها "العربي الجديد" من نواب محسوبين على المجلس الإسلامي الأعلى (حزب عبد المهدي القديم)، والذي بدا المدافع الوحيد عنه الآن من بين الكتل والقوى السياسية العراقية.


من جهته، قال قيادي مقرب من الصدر، لـ"العربي الجديد"، إن الأخير "سيتجه إلى الشارع قريباً في تظاهرات للضغط على الحكومة من أجل دفعها للقيام بإصلاحات داخل المؤسسة الوزارية وخارجها"، موضحاً أن "الأمر منوطٌ حالياً بما سيتعهد به عبد المهدي خلال الفترة المقبلة، وبما سينفذه".

وأكد المصدر أن التظاهرات "ستكون للضغط على الحكومة لإنهاء دولة نوري المالكي العميقة داخل القضاء والمفوضية العليا للانتخابات والمؤسسة الأمنية والعسكرية، ومفاصل أخرى لا تزال الدولة في حالة إعاقة وتأخر بسببها"، لافتاً إلى أن التظاهرات تهدف أيضاً للضغط على البرلمان للمضي بتشريع القوانين العالقة منذ سنوات، وقد تتحول إلى اعتصامات. وكشف عن حراك لعبد المهدي إزاء هذه المعطيات لإيقاف أي تحرك شعبي، ومنحه مهلة أخرى لعام آخر لتنفيذ برنامجه الحكومي.

وتعليقاً على احتمال خروج أنصار الصدر في تظاهرات جديدة، رأى رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية، واثق الهاشمي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الشخص الوحيد القادر فعلاً على تحريك الشارع وإخراج تظاهرات مليونية هو زعيم التيار الصدر"، لافتاً إلى أن "شهر العسل بين الأخير والحكومة انتهى"، وأن الصدر "اتخذ الكثير من القرارات لكنه تراجع عنها بسبب ضغوط، وتحديداً الضغط الإيراني". واعتبر الهاشمي أن "وجود الصدر في إيران حالياً، بعد غياب طويل، يدل على أن الإيرانيين لن يقبلوا بالتخلي عن حليفهم عبد المهدي، فالجانب الإيراني لن يسمح بسحب الثقة من عبد المهدي أو إسقاط حكومته".

وأكد الهاشمي أن "الإيرانيين ضحّوا بشخصيات عراقية شيعية مهمة جداً، وعلى رأسها نوري المالكي، من أجل ألا يكون مقتدى الصدر خارج البيت الشيعي"، معتبراً أن تهديد زعيم التيار الصدري بإسقاط الحكومة من خلال التظاهرات الشعبية أو غيرها "سوف يؤجل بسبب الضغط الإيراني الكبير جداَ عليه، خصوصاً أنه لم يذهب إلى طهران منذ مدة طويلة، ووجوده هناك مؤشر على أن الإيرانيين سوف يتخذون خطوات بهذا الاتجاه".

في المقابل، قال القيادي السابق في "التيار الصدري"، رئيس كتلة "الأحرار" البرلمانية سابقاً، بهاء الأعرجي، لـ"العربي الجديد"، إنه "من خلال معرفتي بزعيم التيار الصدري وعملي معه عن قرب، أستطيع القول إن بوصلته التي تحدد تحركاته هي الشارع العراقي، والمقياس هنا هي الخدمات والإصلاح وبناء مؤسسات الدولة بالشكل الدستوري والوطني وحفظ سيادة العراق، لا سيما أن رئيس الوزراء قد تعهد للصدر قبل الموافقة على ترشيحه بتقديم برنامج حكومي يسعى إلى تحقيقه خلال السنوات الأربع من فترة توليه، فيما كان شرط الصدر إجراء مراجعة بعد انتهاء السنة الأولى من عمل الحكومة لتقييم إنجازاتها من هذا البرنامج ورضا الشعب عنها، فإذا كان الخلل في التطبيق وعدم الوفاء بالالتزامات، فسيكون في حلٍّ من أمره ولا يدعم هذه الحكومة، والعكس هو الصحيح".

ولفت الأعرجي إلى أن "تغريدات الصدر الأخيرة والمتكررة هي بمثابة إنذار للحكومة لتنفيذ التزاماتها وفق السقوف الزمنية للبرنامج الحكومي". وبحسب رأيه، فإنه "من المؤكد أن مراجعة ستجري بعد انتهاء فترة السنة، وسيكون قرار الصدر وفقاً لنتائجها، فإذا كانت غير مُرضية فسيرفع يده عن دعم الحكومة، وإن فشلت الخطوات الدستورية لتغيير الحكومة، فستكون هناك خطوات شعبية، وفي مقدمها التظاهر لتحقيق التغيير". وبرأي الأعرجي فإن "التجارب أثبتت أن الصدر هو الوحيد الذي يستطيع تحريك الشارع، إذ يستعمله وسيلةً للضغط على الحكومة والكتل السياسية لتحقيق الأهداف، وهي وسيلة مشروعة وفقاً للدستور".

واعتبر القيادي السابق في "التيار الصدري" أن "نجاح التظاهرات من عدمه يتوقف على استجابة الكتل السياسية لمطالب الشعب"، معرباً عن اعتقاده أنه "إذا وصلنا إلى هذه المرحلة، فسيقدم رئيس الوزراء استقالته بالتأكيد، ومن خلال معرفتي وتواصلي معه، فهو غير متشبث بالسلطة". واستدرك الأعرجي قائلاً إن "التطورات الإقليمية والداخلية لا تتحمل أيّ تغيير حكومي لأسباب كثيرة، أهمها صعوبة اختيار البديل والتوافق عليه، ما يجعلنا أمام فراغٍ حكومي قد يطول بسبب كسر الإرادات، وعليه نكون أمام الفوضى، لا سيما في ظل تنامي بعض الفصائل المسلحة ورغبتها في أن تكون بديلاً عن مؤسسات الدولة، وكذلك تراجع الملف الأمني في بعض المحافظات التي تحررت من داعش، ناهيك عن الوضع المالي والاقتصادي". بناءً على هذه المعطيات، رأى الأعرجي أن اللجوء إلى التعديل الوزاري من خلال تغيير الوزراء الفاشلين ودعم الحكومة هو الطريق الأمثل، على اعتبار أن الكتل ذاتها هي من سيختار رئيس الوزراء البديل في حالة التغيير، فيما أثبتت التجربة أن هذه الكتل تنظر إلى مصالحها الحزبية قبل الوطنية، وبناءً عليه، فإن البديل، إن استطاعوا التوافق عليه، لن يكون أفضل من رئيس الحكومة الحالي".

أما بالنسبة للضغوط الإيرانية، فبرأي الأعرجي أنها "موجودة دائماً، خصوصاً خلال هذه المرحلة التي تمر بها إيران وانعكاسات التصعيد مع الولايات المتحدة، لكن التجربة أثبتت أن الصدر لا يبالي بها، فالأولوية للمصلحة الوطنية ومطالب الشعب العراقي".

ويرفض تحالف "الفتح"، بزعامة هادي العامري، استخدام الصدر الشارع العراقي من أجل تحقيق مكاسب وأهداف سياسية. وقال النائب عن التحالف حسين اليساري، لـ"العربي الجديد"، إن "تهديدات الصدر، وكذلك تحالف سائرون، بسحب الثقة من الحكومة الحالية أو إسقاطها، تؤزم الوضع، وتضغط على الحكومة، خصوصاً أن الصدر وتحالفه هم جزء رئيسي من الحكومة، وهم من جاؤوا به، ولديهم وزارات ومناصب في الدرجات الخاصة".

وقال اليساري إن تحالفه "لا يعرف أهداف تلك التهديدات، فربما تكون طبخة جديدة تجاه الحكومة، أو محاولة للحصول على مناصب أخرى، أو أنها نيّات صادقة لدفع الحكومة إلى تقديم خدمات وتحقيق البرنامج الحكومي"، محذراً من أن "عودة التظاهرات ستضر بالعمل الحكومي، وحتى مجلس النواب، وربما قد يؤدي هذا الضغط إلى تقديم عبد المهدي استقالته، لكن السؤال الأهم يبقى: إلى أين نحن ذاهبون بالعراق والعراقيين؟".