3 سيناريوهات يحددها مصير الاتفاق النووي وولادة "كاتسا"

3 سيناريوهات يحددها مصير الاتفاق النووي مع إيران وولادة "كاتسا"

10 أكتوبر 2017
عادت التظاهرات المعادية لأميركا إلى شوارع طهران(عطا كناريه/فرانس برس)
+ الخط -
حين يدور الحديث عن مسائل تتجاوز البرنامج النووي الإيراني واتفاق فيينا 2015 بين طهران والسداسية الدولية، ويصل إلى مسائل مرتبطة بالأمن القومي الإيراني، يجمع كل صناع القرار في دوائر الحكم الإيرانية على لهجة واحدة، تُرجمت أخيراً في اتفاق وزارة الخارجية التي ترفع شعار الاعتدال والانفتاح، مع خطاب الحرس الثوري الذي وجّه تهديداً صريحاً للولايات المتحدة في حال قررت توسيع مساحة العقوبات المفروضة على إيران، وهو ما سيهدد استمرار الاتفاق النووي. وقال قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري، بلهجة شديدة، إن تصنيف الحرس كمنظمة إرهابية كفيل بأن تتعامل إيران مستقبلاً مع الجيش الأميركي أينما تواجد وكأنه تنظيم داعش. كما دعا الولايات المتحدة لسحب قواعدها من المناطق المحيطة بإيران، وإبعادها عنها حتى مسافة ألفي كيلومتر، وهو المدى الذي تصل إليه الصواريخ الإيرانية.


أعقبت هذا التهديد الشديد اللهجة تصريحات صدرت عن المتحدث باسم الخارجية بهرام قاسمي، الذي ذكر في مؤتمره الصحافي الأسبوعي يوم الاثنين، أن وضع الحرس على لائحة المنظمات الإرهابية سيقابل برد قاطع وصارم، واصفاً هذا الاحتمال إنْ طبّق أميركياً، بالخطأ الاستراتيجي. ويترقب الجميع في إيران موعد تجديد التصديق الأميركي على الاتفاق في 15 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، ورجح البعض أن تستأنف واشنطن عقوبات ذات أبعاد مختلفة بالتزامن مع تصريحات الإدارة الأميركية التي جرّت مصير الاتفاق نحو سجال واسع، وهو ما يعني أن القرار قد يصبح بيد الكونغرس نفسه.

يطلق على قانون العقوبات المرتقب تطبيقه اسم "كاتسا"، وهو الذي صوت عليه مجلس النواب الأميركي في يوليو/ تموز الماضي، ووقعه الرئيس دونالد ترامب بعد ذلك. دستورياً، يتوجب على الولايات المتحدة أن تدخل عقوباتها هذه حيز التنفيذ العملي خلال فترة أقصاها تسعين يوماً من تاريخ الموافقة عليه. يسعى هذا القانون لمواجهة عدة أطراف، فيشمل في أجزاء منه كلاً من روسيا وكوريا الشمالية، إلى جانب إيران، ويستهدف عدة قطاعات فيها، وهو ما يجعله القانون الأوسع والذي تصفه طهران بـ"أم العقوبات"، كونه سيشمل البرنامج الصاروخي، ودور الحرس الثوري إقليمياً، وأفراداً وكيانات على صلة بملف انتهاك حقوق الإنسان، فضلاً عن عقوبات مرتبطة بدعم إيران للإرهاب.


وكان قائد الحرس الثوري واضحاً خلال تهديداته، يوم الأحد، فذكر أن تطبيق "كاتسا" ستقرأه طهران على أنه خروج لواشنطن من الاتفاق النووي، مشيراً إلى أنه في حال كان الهدف الأميركي هو جر إيران نحو مفاوضات أخرى غير نووية، فعلى الولايات المتحدة أن تعلم أن سياستها خاطئة بالكامل، وقال "ليس لدى طهران أي جديد لتقوله أو لتتفاوض حوله، كما أنها ليست معنية بالجلوس مع أي طرف على طاولة الحوار". وأكد أخيراً أن بلاده ستستفيد من السلوك الأحمق لترامب لتطور برامجها الدفاعية والصاروخية وحتى الإقليمية.

ووسط أجواء الترقب والتراشق الإيراني ــ الأميركي، تدرك طهران أن الاتفاق النووي قد يصبح على المحك، وربما يصادق عليه ترامب لثلاثة أشهر أخرى، وهو الذي وافق عليه مرتين سابقاً منذ وصوله للبيت الأبيض، بالتزامن وفرض "كاتسا" في محاولة لجر إيران لانتهاكه وربما للخروج منه، وهي معادلة ذات بعد داخلي أميركي كذلك، حيث سيضع الأمور في يد الكونغرس الأميركي. عن هذا الأمر، قال الخبير في الشؤون السياسية والنووية الإيرانية حسن بهشتي بورـ إن هناك ثلاثة احتمالات: الأول أن يقبل ترامب الاتفاق النووي للمرة الثالثة، من دون أن يقوم بأي خطوة، وهو احتمال مستبعد. والثاني أن يصرح بأن طهران لم تلتزم بالاتفاق وسيخرج منه على هذا الأساس، وهو أيضا أمر غير مرجح، حسب رأيه. أما الثالث فهو اعتباره أن طهران تخرق جوهر الاتفاق من خلال الإصرار على سياساتها الإقليمية والعسكرية، ويضع الكرة في ملعب الكونغرس من خلال طلب متابعة الموضوع، وهو ما يعني دراسة الملف لأشهر، وبحث إمكانية إعادة فرض العقوبات الملغاة بموجب الاتفاق، لا العقوبات الأخرى، وبهذا لن تكون واشنطن الطرف الذي سيخرج أولاً من الاتفاق.


وفي حديثه مع "العربي الجديد"، أضاف بهشتي بور أن لدى إيران في المقابل سيناريوهين اثنين، لكنهما يعتمدان على طريقة تعامل الأطراف الأخرى في الاتفاق مع القرار الأميركي المرتقب، فإما أن يفصل الاتحاد الأوروبي وروسيا وحلفاء إيران التجاريون سياساتهم عن الخطوات الأميركية، وهو ما يعني الاستمرار بالاتفاق بين إيران و"الدول الست ناقص واحد"، أي باستثناء أميركا، أو أن تلمس البلاد تماشياً بين هؤلاء وواشنطن، وهو ما يعني خروجها من الاتفاق بالكامل، واتخاذها لقرار نووي واضح يعيد نشاطها في المفاعلات إلى ما كان عليه قبل الاتفاق، أو على الأقل اتخاذ رد فعل واضح سيكون من خلال خطوة نووية جديدة.

ترى إيران في المرحلة الراهنة أن ما يحدث يستهدف برنامجها الصاروخي ومنشآتها العسكرية بشكل رئيسي، وقد عاد ملف تفتيش المنشآت العسكرية للمشهد مجدداً، بعد سنوات رفضت فيها إيران فتحها أمام المفتشين، باستثناء موقع بارتشين العسكري الذي شككت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بوجود نشاط نووي مشبوه داخله. وقد طلبت أميركا من الوكالة قبل فترة وجيزة أن تدخل لبعض المنشآت الإيرانية العسكرية، وذكر مديرها العام يوكيا أمانو، أن المواقع النووية والعسكرية سيان، وستطلب الوكالة تفتيشها إن لزم الأمر، فيما علق قاسمي على الأمر قائلاً إن أجهزة المراقبة الدولية لا تشمل المواقع العسكرية، ولكن في حال طرحت الوكالة ملف التفتيش مجدداً فسترد إيران على الأمر في حينه، فيما رفض مسؤولون آخرون الأمر مطلقاً.

وتراهن طهران حالياً على أطراف الاتحاد الأوروبي التي ترغب في استمرار العمل بالاتفاق النووي، وعدم العودة فيه للمربع الأول، وهو ما يبدو واضحاً في تصريحات المسؤولين الإيرانيين ممن يركزون على سياسات أميركية يصفونها بالخرقاء. بل وتحاول إيران الاستفادة مما يحدث ليتحول إلى مكسب لصالحها، فسياسات ترامب هي التي تجر الأوضاع نحو تعقيد ملف اعتقد الغرب أنه طوى صفحاته قبل عامين. هذا الإصرار الإيراني يعني أن الأمور تتجه نحو توتر أكبر ولا سيما أن البلاد ترفض ربط الملف النووي بقضايا ثانية، ومنها الملفان الصاروخي والإقليمي، وقد كتب ممثل إيران في الأمم المتحدة غلام علي خوشرو، في صحيفة "نيويورك تايمز"، أن الاتفاق النووي ليس مدخلاً لإملاءات ثانية، معتبراً أن الاتفاق ليس ثنائياً بين طهران وواشنطن.

المساهمون