الكونغو الديمقراطية مهددة بالفوضى: كابيلا متمسّك بكرسي الرئاسة

الكونغو الديمقراطية مهددة بالفوضى: كابيلا متمسّك بكرسي الرئاسة

15 مايو 2016
تظاهرات للمعارضة تطالب بإجراء الانتخابات (جونيور كانا/فرانس برس)
+ الخط -
تعيش جمهورية الكونغو الديمقراطية أوضاعاً سياسية متوترة بسبب مناورات الرئيس جوزيف كابيلا لتأجيل الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. وبحسب الدستور، فإن كابيلا ممنوع من الترشح لولاية رئاسية ثالثة، إلا أن الرئيس أسوة بالعديد من رؤساء الدول الأفريقية، يصر على البقاء في الحكم ولو تم ذلك على حساب الشرعية الدستورية. وقد تسنّى لكابيلا أن يعطّل الجدول الزمني للانتخابات، بعد أن أعلنت اللجنة الانتخابية أخيراً بأنها ستؤجل العملية الانتخابية الرئاسية لأسباب تنظيمية، الأمر الذي أثار غضب المعارضة.
ومما زاد في تفاقم التوتر، إعلان الرئيس السابق لإقليم كاتانغا رجل الأعمال مويس كاتومبي، في 4 مايو/ أيار الحالي، ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة باسم المعارضة. وعلى الرغم من أن كاتومبي لا يحظى بدعم كبير من المعارضة، فإن كابيلا يرى فيه الغريم السياسي رقم واحد، نظراً لشعبيته الكبيرة ولثروته الضخمة التي جعلت منه ثاني أقوى رجل في البلاد بعد كابيلا، وقد تتيح له استمالة عدد كبير من الناخبين. وبادرت السلطات إلى اتخاذ سلسلة من التدابير العقابية ضد كاتومبي، إذ تم اعتقال 27 من مساعديه بتهم مختلفة. ووجّه له القضاء تهمة استخدام مرتزقة أجانب من بينهم أميركيون، كما اعتقلت القوى الأمنية أربعة من مساعديه من بينهم مواطن أميركي في مدينة لومومباشي، ثاني أكبر مدن الكونغو، خلال تظاهرة نظمتها المعارضة ضد كابيلا على خلفية قضية تأجيل الانتخابات الرئاسية وقمعتها الشرطة بإطلاق الغاز المسيل للدموع وتعنيف المتظاهرين. وكان من الواضح أن توجيه هذه التهمة إلى كاتومبي والتحقيقات الجارية حولها قد تمنعه من خوض الحملة الانتخابية.


والواقع أن كاتومبي البالغ من العمر 51 عاماً، لم يَرْتَدِ ثوب المعارض سوى في الفترة الأخيرة، وتحديداً في سبتمبر/ أيلول الماضي عندما استقال من منصبه كحاكم لمحافظة كاتانغا ومن عضوية الحزب الحاكم. وكان كاتومبي المتحدّر من أب إيطالي وأم كونغولية، راكم ثروة ضخمة منذ ثلاثة عقود بفضل استثماراته في شركة لمناجم النحاس تستحوذ على 80 في المائة من إنتاج شركة "جيكامين"، وهي أكبر شركة متخصصة في استخراج النحاس في المنطقة. وبفضل سيطرته السياسية على المحافظة، ضاعف كاتومبي من ثروته وأنشأ عدة شركات تتحكم في المواصلات والاتصالات والإعمار، كما أنه استفاد من ريع الضرائب الجمركية التي كان يفرضها على الحدود مع زامبيا. وبالإضافة إلى كونه مليونيراً، صار الرجل يتمتع أيضاً بشعبية كبيرة في الكونغو، خصوصاً في أوساط الشباب لكونه رئيس نادي مازيمبي لكرة القدم الحائز على لقب دوري أبطال أفريقيا. وخاض كاتومبي غمار السياسة لأول مرة عام 2006 ليصبح حاكم محافظة كاتانغا. ومنذ ذلك التاريخ صار كاتومبي حليفاً قوياً لكابيلا، إلا أن التململ السياسي لقوى المعارضة التي تحركت العام الماضي وأبدت معارضتها علناً لترشح كابيلا لولاية ثالثة طبقاً لبنود الدستور الكونغولي، زادت من طموح ومطامع كاتومبي في التربع على عرش الرئاسة.
وكانت سبعة أحزاب سياسية، بعضها يشارك في الائتلاف الحكومي، توحّدت في جبهة أطلق عليها "جي 7"، وبعثت رسالة إلى كابيلا في سبتمبر/ أيلول الماضي، طالبته فيها بتطبيق واضح لبنود الدستور والسماح بتداول سلس للسلطة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. وكان رد كابيلا في غاية الوضوح، إذ بادر إلى عزل الشخصيات الموقّعة على الرسالة من المناصب التي يشغلونها في الحكومة والبرلمان ومؤسسات الدولة. وهو الإجراء الذي رسخ القناعة داخلياً وخارجياً بأن كابيلا يخطط للبقاء في السلطة وتأجيل الانتخابات الرئاسية.
وتحاول الأسرة الدولية عبر الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، التوسط بين كابيلا والمعارضة، وجمعهما حول طاولة المفاوضات، بسبب الخشية من أن يؤدي تشبث كابيلا بالسلطة إلى إدخال البلاد في دوامة عنف. لكن محاولات الوسيط الكونغولي إيديم كودجو، باءت بالفشل حتى الآن. وتحاول الولايات المتحدة الأميركية الضغط على كابيلا كي يتنحى عن السلطة بطريقة ديمقراطية، لكن كابيلا يعوّل على الدعم الأوروبي، وتحديداً الفرنسي، للاستمرار في الحكم، خصوصاً أن باريس صارت تغض الطرف عن تشبث عدد من القادة الأفارقة بالحكم مقابل ضمان مصالحها الاقتصادية وتحقيق نوع من الاستقرار.
وفي خلفية هذا المشهد السياسي المتوتر، تبدو حصيلة كابيلا في الحكم الذي وصل إليه في يناير/ كانون الثاني عام 2001 بعد اغتيال والده لوران كابيلا، في غاية السلبية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. فغالبية سكان البلاد يعيشون في فقر مدقع ويعيشون من الزراعة، على الرغم من أن البلاد تزخر بموارد هائلة، خصوصاً في قطاع المناجم والمعادن، من نحاس وكوبالت وماس وحديد وقصدير. لكن الحروب الأهلية التي مزقتها منذ تاريخ استقلالها عن بلجيكا عام 1959 بقيادة الزعيم الشهير باتريس لومبومبا، أسفرت عن مقتل أكثر من 5 ملايين كونغولي وتفشي ظاهرة الفساد في كافة القطاعات.