"العدالة والتنمية" المغربي يطوي صفحة بنكيران

"العدالة والتنمية" المغربي يطوي صفحة بنكيران

11 ديسمبر 2017
بنكيران بعد انتهاء مساره القيادي بالحزب أمس (جلال المرشدي/الأناضول)
+ الخط -


كما رحل عبد الإله بنكيران عن الحكومة المغربية بقرار من العاهل المغربي، الملك محمد السادس، بإعفائه من مهامه، تقرر رسمياً أمس الأحد، رحيله عن قيادة حزب "العدالة والتنمية" بعد ولايتين متتاليتين دامتا 8 سنوات، قاد خلالها حزبه إلى انتصارات انتخابية كبرى، توجّت برئاسة الحكومة بعد الانتخابات التشريعية عام 2011.

في هذا السياق، انتهى المؤتمر الوطني الثامن لحزب "العدالة والتنمية"، بعدم التمديد لبنكيران لولاية ثالثة، عكس تمنّي أنصاره، بدعوى أن "المرحلة تحتاج زعيماً مثله لتحقيق انتصارات انتخابية مقبلة". فكانت الكلمة الأخيرة للتيار الذي رأى أن "الحزب لا يتعين أن يصبح حزب زعامات وأشخاص، وأنه لا يجب تعديل القوانين الداخلية من أجل أشخاص بعينهم".

وأتت القيادة الجديدة للعدالة والتنمية، الحزب الحاكم حكومياً، في سياق وضعية داخلية استثنائية للحزب، اتسمت خلال فترة غير قصيرة بالاحتقان الذي بلغ أحياناً تبادل الاتهامات، عقب إعفاء بنكيران من رئاسة الحكومة، وقبول خلفه سعد الدين العثماني بدخول حزب الاتحاد الاشتراكي في الحكومة. وهو ما رفضه بنكيران وشكّل أحد العوامل الرئيسية في تأخر تشكيل الحكومة الذي أفضى إلى قرار الإعفاء الملكي.

وانقسم الحزب داخلياً إلى تيارين رئيسيين، من دون وصول الأمر إلى درجة الانشقاق، بفضل الدينامية والتلاحم الداخلي الذي عرفت بها هذه الهيئة السياسية، وهما تيار مناصر لبنكيران وجد فيه الدعامة الرئيسية لقيادة الحزب إلى هزيمة خصومه، وتيار المستوزرين (قاده وزراء من الحكومة)، الذي رفض بشدة تولي بنكيران قيادة الحزب لسنوات أخرى.

وتمسك كل طرف بموقفه إلى آخر رمق من انعقاد المؤتمر الوطني في اليومين الماضيين، فالتيار المساند لبنكيران حاول الدفع نحو تعديل القانون الداخلي لإتاحة الفرصة له، لقيادة الحزب لولاية ثالثة، بما أن الكثيرين نسبوا له الانتصارات في الانتخابات التشريعية عامي 2011 و2016، والانتخابات البلدية عام 2015، والتي تمكن من خلالها الحزب من تحقيق انتصارات لافتة، ترأس خلالها الحكومة وعدداً من المدن الكبرى في البلاد، مثل الدار البيضاء والرباط ومراكش وغيرها.

في المقابل، وجد تيار المستوزرين، الذي فرض منطقه في آخر المطاف بإقرار القانون الرافض للتمديد لبنكيران خلال المؤتمر الوطني الثامن، الفرصة لإنهاء قيادة الرجل للحزب، لدوافع كثيرة، منها خشية البعض من أن تؤثر حقبة بنكيران سلبية على علاقة الحزب بمحيطه وبصنّاع القرار في البلاد، وبالتالي على مساره في الحكومة والانتخابات المقبلة.



وحظي بنكيران في المؤتمر بنوع من التكريم من خلال الهتافات باسمه، وإشادات واسعة بما حققه للحزب في معارك انتخابية حامية الوطيس، خصوصاً خلال الانتخابات التشريعية، وأمام ما سماه بنكيران نفسه "التماسيح والعفاريت"، في إشارة إلى أشخاص نافذين في الحياة السياسية من وراء الستار، أي "الدولة العميقة في المغرب".

ونسب المؤتمرون إلى بنكيران الفضل في "تجاوز المحطات الحرجة والدقيقة والخطيرة، منها الإعفاء من رئاسة الحكومة وتعيين سعد الدين العثماني بدلاً منه، ومحطة تشكيل الأغلبية الحكومية الجديدة ومحطة النقاش الداخلي حول تعديل النظام الأساسي الذي حسمه المجلس الوطني الأخير".

واعترف عبد الإله بنكيران، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، بـ"وجود احتقان سياسي داخل حزب (العدالة والتنمية) مرده الاختلاف الحاد أحيانا في الرؤى والمواقف والتقييمات"، مبرزاً أن "ما يحسب لحزب (العدالة والتنمية) أنه احتوى كل هذه الآراء وردود الفعل، واستطاع تدبير الاختلافات والاتهامات من أجل الحفاظ على وحدته الداخلية في سياق سياسي حساس".

وأوضح جواباً على سؤال حول مستقبله السياسي في حزب "العدالة والتنمية"، بالقول إن "المؤتمر الثامن ومغادرته للأمانة العامة للحزب ليس نهاية العالم، ولا نهاية مسار الحزب، بل هو بداية لصفحة جديدة مع ربان جديد. الأشخاص يغادرون ويرحلون، لكن المبادئ والأفكار تبقى حية".



وكان بنكيران قد أورد في خطبة أمام المؤتمر الثامن أن "الحزب سيبقى موحداً، وسنتعاون على الخير، ونعمل على تصحيح مساراتنا الشخصية "، متابعاً بأن "المغاربة وثقوا في (العدالة والتنمية) في الانتخابات لكون رأسماله الحقيقي هو ما سماه (المعقول) أي الجدية، فضلاً عن المسؤولية ونظافة اليد". وانتهاء حقبة بنكيران على رأس "العدالة والتنمية" دفع مراقبين إلى التساؤل عن مدى استمرار الحزب في كسب ثقة الناخبين، وما إذا كان بإمكان سدّ فراغ رئيس الحكومة السابق.

في هذا الصدد، رأى القيادي في حزب "العدالة والتنمية"، عبد السلام بلاجي، بأن الحزب عموماً بخير رغم الارتباك الكبير والهزة التي وقعت له بعد الاستحقاقات التشريعية لعام 2016، وما تلاها من تداعيات عرقلة تشكيل حكومة بنكيران ثم تشكيل حكومة العثماني". وتوقع في حديثٍ مع "العربي الجديد"، بأن "يخرج حزب (العدالة والتنمية) رغم إنهاكه معافى من المؤتمر الوطني الثامن، لكنه سيكون في حاجة إلى بعض الوقت لاسترداد عافيته ولياقته، واسترجاع كامل حيويته واستئناف دوره داخل المشهد السياسي والحزبي المغربي بكامل قواه".

وحول سؤال تحول الحزب إلى رقم صعب في الحياة السياسية بالبلاد، واستمراء قياديين لكراسي الحكومة، أجاب بلاجي بأنه "لا خشية على الحزب واستقلالية قراراته أو التماهي مع رغبات هذا الطرف أو ذاك، ما دام يعمل بشكل مؤسساتي وديمقراطي ويحافظ على مسار تخليق عمل أعضائه". وخلص إلى أن "التخوّف الوحيد على مستقبل الحزب يكمن في حالة واحدة، وهي إذا تحول إلى حزب أشخاص ومصالح خاصة وفقد أعضاؤه تميزهم الأخلاقي وتصرفوا بانتهازية"، مبرزاً أنه "بالنظر إلى حالة الحزب حالياً فهو معافى من هذه الناحية رغم الإنهاك والارتباك الذي تعرض له".

وكانت الفروع الجهوية لحزب "العدالة والتنمية" قد اتفقت خلال المؤتمر على "ضرورة مواصلة الإصلاح ومواجهة الفساد والتحكم"، وأنه "يتعين الاستمرار في مسار الإصلاح مهما كانت الظروف والتكاليف، وأنه لا بد من جهة أولى إسناد العمل الحكومي، ومن جهة أخرى، لا بد من استعادة الحزب للمبادرة".



المساهمون