مصر تتراجع عن التلويح باللجوء لمجلس الأمن ضدّ إثيوبيا

مصر تتراجع عن التلويح باللجوء لمجلس الأمن ضدّ إثيوبيا

18 يونيو 2020
تحفظت جهات عدة على تصريحات شكري (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -

حذفت وزارة الخارجية المصرية عن صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، منشوراً كان يتضمن تصريحاً أدلى به الوزير سامح شكري، الأحد الماضي، خلال ندوة مع مجموعة من المستثمرين، لوّح فيه باللجوء الرسمي إلى مجلس الأمن عبر تقديم شكوى رسمية، مشيراً إلى تفكير بلاده في حلول "سياسية" أخرى، إذا استمر التعنّت الإثيوبي في المفاوضات الجارية حول قواعد ملء سدّ النهضة وتشغيله. ونشرت الوزارة بدلاً من منشورها السابق منشوراً يتضمن عبارة عامة قال فيها شكري: "بكل أسف، أدى تعنّت إثيوبيا وتهربها الدائم من التفاوض الجاد، إلى تعطّل العملية التفاوضية على نحو ستضطر مصر معه إلى بحث خيارات سياسية أخرى تكون قادرة، بل مسؤولة، عن تدارك التأثير بالسلم والأمن الدوليين، عبر الحيلولة دون اتخاذ إثيوبيا إجراءً أحادياً يؤثر سلباً بحقوق مصر المائية"، مؤكداً أنّ مصر "لن تألو جهداً في الحفاظ على مصالحها الحيوية".

جاء هذا التراجع اللافت بعد ساعات من تصريحات وزير الخارجية الإثيوبي جيدو أندارجاشيو، التي انتقد فيها تحذيرات نظيره المصري، واعتبرها عرقلة للمفاوضات الجارية بين البلدين والسودان حول السدّ، قائلاً إنه لا يمكن أن تجمع مصر بين التفاوض والتهديد باللجوء إلى مجلس الأمن، وإنّ تصريحاتها تعبّر عن ضعف موقفها التفاوضي ورغبتها في تقويض المفاوضات.

في السياق، قال مصدر دبلوماسي مصري في ديوان الخارجية لـ"العربي الجديد"، إنّ سبب حذف التصريح يعود إلى ردّ الفعل السلبي الذي تلقته الوزارة بشأنه ليس فقط من الدول الغربية المهتمة بمتابعة المفاوضات، التي اعتبرته "يسهم في تأزيم الموقف"، بل أيضاً من الجهات المشكلة لدائرة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، وعلى رأسها المخابرات العامة، التي اعتبرت التصريح ضربة لمساعيها لخلق حالة من التحفز والتهديد للإثيوبيين بالتلويح الخافت رسمياً، والمتصاعد شعبياً عبر مواقع التواصل الاجتماعي واللجان الإلكترونية.

وبحسب مصدر فني مصري مطّلع على مسار المفاوضات، فإنّ تصريحات شكري عن اللجوء إلى مجلس الأمن ألقت بظلالها على اجتماعات يوم الاثنين الماضي بين وزراء المياه في الدول الثلاث والوفود القانونية الممثلة لها، التي دارت أساساً حول صياغة البنود القانونية المختلف عليها، ولا سيما بشأن مدى إلزامية القواعد الفنية التي سيُتَّفَق عليها، وآلية التنسيق حال الاختلاف، وحول تغيير كميات التدفق على مدار سنوات الملء الكامل، وخصوصاً في فترات الشُّحّ وانحسار الفيضان.

وذكر المصدر أنّ تصريحات شكري أدّت إلى فتح جدل بين الوفود القانونية حول الفائدة المرجوة من اللجوء الرسمي إلى مجلس الأمن، إذ قلل الجانب الإثيوبي من أهمية تلك الخطوة على الصعيد القانوني، بالنظر للبنود الخاصة باعتراف مصر بحق إثيوبيا في إنشاء السد والتنمية منه في اتفاق المبادئ الموقع في مارس/ آذار 2015. بينما تحدث الجانب المصري عن وجود سوابق تدعم موقف مصر، في عدة قضايا أصدرت بها محكمة العدل الدولية أحكاماً بوجوب التزام جميع المعاهدات الدولية السابق توقيعها بين الأطراف المختلفة. وبإسقاط تلك السوابق على الوضع الحالي، هناك العديد من الاتفاقيات التي تدعم حق مصر في الحفاظ على حصتها بمياه النيل، وبصفة خاصة اتفاقيتا 1902 بين بريطانيا وإثيوبيا و1993 بين مصر وإثيوبيا.

وأضاف المصدر أنّ الوفود القانونية استغرقت وقتاً طويلاً في مناقشة مسألة مدى إمكانية اعتبار الاتفاق على قواعد الملء والتشغيل ملزماً لكافة الأطراف، في ظلّ وجود اتفاق المبادئ أيضاً، وكيفية الفصل في المنازعات التي قد تنشأ بسبب تنفيذ الاتفاق على نحو خاطئ من قبل إثيوبيا، أو وقوع ضرر غير متوقع على أيٍّ من مصر والسودان. وقد ظهرت بعض الأفكار لتسريع حسم الخلافات، كتشكيل لجنة تحكيم دائمة من ممثلي الجهات المراقبة حالياً للمفاوضات، وهي الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا ومفوضية الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى ممثلين عن مكتبين فنيين، أحدهما أوروبي، والآخر آسيوي أو أميركي. أما عن الجوانب الفنية، فأوضح المصدر أنه بحلول ليل أول من أمس الثلاثاء، لم يجد أي شيء فيها عمّا سبق الاتفاق عليه الأحد الماضي.

وأرسلت مصر مطلع الشهر الماضي خطاباً إلى مجلس الأمن بلهجة لا تخلو من الرجاء لاتخاذ ما يلزم لاستئناف مفاوضات ملء وتشغيل السد، وتضمن وصف الخطر الاستراتيجي الذي قد تشهده المنطقة جراء الممارسات الإثيوبية بأنه "تطور محتمل"، علماً أنّ أي إجراء يستحيل أن يصاحبه، بحسب مراقبين، تحضير لتحرك عسكري مصري، إذ إنّ ذلك سيكون بالتأكيد أمراً غير مرغوب فيه من القوى العظمى، ولا مرحَّباً به في المنظومة الأممية.

وفي خطابها لمجلس الأمن، كشفت مصر أن إثيوبيا عرضت أن يكون الاتفاق فقط بين الدول الثلاث على قواعد الملء والتشغيل لأول عامين، وهو ما اعترضت عليه مصر والسودان، ليس فقط لأنه يتجاهل تنظيم فترة الملء كاملة، ويتناقض مع القواعد التي سبق الاتفاق عليها، ولكن أيضاً لأنه يتناقض مع اتفاق المبادئ الذي يؤكد عدم الملء قبل التوصل إلى اتفاق شامل.

وقدمت إثيوبيا رداً على الخطاب المصري لمجلس الأمن، تضمن التشديد على أنّ الملء الأول لن يضر بدولتي المصبّ، نظراً لأنه يتزامن مع الفيضان، وأنه لا ينتهك اتفاق المبادئ، ويمكن فصل قواعد الملء والتشغيل في السنوات التالية عن فترة الملء الأول.

ومطلع الشهر الحالي، أرسل السودان خطاباً إلى مجلس الأمن، أيّد فيه المخاوف المصرية من الملء الأحادي للسدّ من جانب إثيوبيا، وشرح تفصيلياً المبادرة التي تبناها أخيراً للتقريب بين مصر وإثيوبيا. وطالب السودان في خطابه مجلس الأمن بـ"تشجيع كل الأطراف على الامتناع عن القيام بأي إجراءات أحادية قد تؤثر في السلم والأمن الإقليميين والدوليين".

وفي حال تطوُّر الأمر إلى تقديم شكوى رسمية إلى مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، يجوز لمجلس الأمن عقد جلسات لمناقشة القضايا محلّ النزاع بين الدول أعضاء الجمعية، وإصدار قرارات بشأنها، وكذلك إحالة النزاعات أو طلبات فتوى قانونية بعينها على محكمة العدل الدولية.

وفي إبريل/ نيسان الماضي، عُقدت ثلاثة اجتماعات بين ممثلين عن المخابرات العامة ووزارتي الخارجية والري وخمسة خبراء قانونيين مصريين، جميعهم أكاديميون، للتداول في الأفكار المطروحة للتصعيد القانوني والدبلوماسي للأزمة، مثل إرسال خطابات وشكاوى للجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، وطرح إمكانية اللجوء للتحكيم الدولي. لكن بحسب مصدر دبلوماسي، كان هناك إجماع بين المتخصصين الذين تستشيرهم الحكومة على عدم نجاعة مثل تلك الحلول، وأن التفاوض المباشر استناداً إلى مرجعية صارمة، هو الحل الأمثل للاشتباك الواقع حالياً.