"فرانس برس": السياسة الخارجية السعودية المتشددة تثير غضباً دولياً

"فرانس برس": السياسة الخارجية السعودية المتشددة تثير غضباً دولياً

10 اغسطس 2018
السعودية غير مستعدة لتحمل النقد في عهد بن سلمان(Getty)
+ الخط -
يرى محللون أن الانفتاح الدبلوماسي الذي تنتهجه السعودية منذ فترة، قد يتأثر سلبًا بالأزمة الأخيرة مع كندا، على خلفية ملف حقوق الإنسان في المملكة، والغارة الدامية على صعدة اليمنية التي تسببت بمقتل 29 طفلًا، وقد يعرضها الأمر لمزيد من الضغوط.

الغارة التي شنها التحالف، الذي تقوده السعودية، أمس الخميس، في شمال اليمن، الذي يسيطر عليه الحوثيون، أدت إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى من ضمنهم أطفال، وفق هيئات الإغاثة، وهو ما دفع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي معًا إلى المطالبة بفتح تحقيق في الحادثة.

وأصر التحالف على أن مسلحين حوثيين كانوا على متن الحافلة، لكن صورًا للصحافة العالمية أظهرت عددًا كبيرًا من الأطفال في حالة صدمة وتغطيهم الدماء، وهم يُنقلون إلى المستشفيات التي تجهد للتأقلم مع ظروف حرب مستمرة منذ ثلاث سنوات، خلفت ما وصفته الأمم المتحدة بأنها أسوأ أزمة إنسانية.

وقال الخبير في شؤون الشرق الأوسط في واشنطن، سيغورد نيوباور، لـ"فرانس برس": "الحرب تصبح على نحو متزايد غير شعبية لدى المجتمع الدولي، بما في ذلك الكونغرس الأميركي". وأضاف: "هذا الهجوم للأسف بات الشأن المعتاد وليس الاستثناء".

واتُهم التحالف، بشكل متكرر، باستهداف المدنيين في اليمن منذ بدء تدخله العسكري عام 2015 دعمًا للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، بعد إخراجها من صنعاء على يد المتمردين الحوثيين الذين تدعمهم إيران.

ووصف التحالف غارة الثلاثاء بأنها "عمل عسكري مشروع" ردًا على إطلاق المتمردين صاروخًا على منطقة جازان جنوب السعودية، قبل يوم، ما أدى إلى مقتل سعودي.

لكن هذا لم يوقف سيل الإدانات الدولية؛ فقد كتب مدير "يونيسف" الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا على "تويتر": "لا أعذار بعد الآن"، متسائلًا: "هل يحتاج العالم حقًا الى المزيد من أرواح الأطفال الأبرياء لوقف الحرب الوحشية على الأطفال في اليمن؟".

أما يان إيغلاند، رئيس المجلس النرويجي للاجئين، فكتب على "تويتر": "هذا منفّر ومعيب ومثير للسخط. إنه تجاهل صارخ لقواعد الحرب عندما تصبح حافلة تحمل تلامذة أطفالاً هدفًا للهجوم".

وتأتي الغارة، التي هي جزء من تدخل عسكري يعكس السياسة الخارجية الحازمة لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بعد اندلاع الأزمة الدبلوماسية مع كندا في وقت سابق هذا الأسبوع.

ويعتقد خبراء أن رد الفعل السعودي قد يمس بجهود المملكة لجذب استثمارات أجنبية تحتاجها بشدة لتمويل خطتها الإصلاحية الطامحة لعدم الاعتماد كليًا على النفط في اقتصادها.

وتبيّن هذه الخطوة كيف أن المملكة الغنية بالنفط غير مستعدة لتحمّل أي انتقاد، سواء كان داخليًا أم خارجيًا، في ظل ولي العهد بن سلمان.

وقالت مجموعة "يوراسيا" للاستشارات، إن "القيادة العليا غير مهتمة على وجه الخصوص بتأثير كندا العالمي".

وأضافت: "بدلًا من ذلك هي مهتمة بإغلاق الباب أمام أي نقد أوسع في المستقبل، وأيضًا من جانب دول أوروبية وعلى قضايا أخرى".

لكن رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، رفض التراجع، وأكد أن بلاده سوف تستمر بتناول قضايا حقوق الإنسان. 
وشدد مسؤولون سعوديون، في تصريحات خاصة، على أن احترام الحساسيات الثقافية والاشتباك الدبلوماسي خلف أبواب مغلقة مقاربتان أكثر فعالية من الشجب العلني للمملكة.


وتقود كندا بهدوء استشارات مع ألمانيا والسويد، اللتين كانتا سابقًا هدفًا لرد فعل سعودي بعد تناولهما انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة، من أجل المساعدة في حل الأزمة، وفق مصادر حكومية. الرئيس ترامب جعل العلاقات مع السعودية جانبًا مركزيًا من مقاربته للشرق الأوسط، لكن الاستياء تجاه السعودية داخل الكونغرس آخذ بالتنامي وتخطط كندا أيضًا للتواصل مع الإمارات، وبريطانيا التي لديها روابط تاريخية مع السعودية.

وأعربت كندا عن خيبة أملها من قوى غربية كبرى لعدم تلقيها دعمًا علنيًا منها، ومن ضمنها الولايات المتحدة التي زوّدت التحالف، الذي تقوده السعودية، بأسلحة تقدر قيمتها بمليارات الدولارات.

وقالت مجموعة "يوراسيا": "في غياب صوت الولايات المتحدة القوي (في ظل حكم الرئيس دونالد ترامب) حول حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية، أصبح الزعماء العرب أقل استعدادًا لتحمّل نصيحة غربية، سواء حول الإصلاح السياسي أو الحكم".

لكن التطورات هذا الأسبوع قد تجعل علاقة السعودية مع واشنطن أكثر تعقيدًا، إذ يقول بيري كاماك من "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي"، إن "الرئيس ترامب جعل العلاقات مع السعودية جانبًا مركزيًا من مقاربته للشرق الأوسط، لكن الاستياء تجاه السعودية داخل الكونغرس آخذ بالتنامي".

وأضاف: "هناك احتمال حقيقي لأن يتحرك الكونغرس بطريقة هادفة لتقييد تدخل الجيش الأميركي في الحرب اليمنية".

كما أربكت الأزمة الدبلوماسية، أيضًا، حلفاء كندا الأوروبيين، وقال جيمس دورسي الأستاذ في جامعة "اس. راجارتنام للدراسات الدولية" في سنغافورة، إن "عدم اصطفاف حلفاء كندا الغربيين معها في الخلاف مع السعودية يحمل مخاطر إغواء المملكة بشعور خاطىء؛ وهو أن العقوبات الاقتصادية ستشكل درعًا لها، هذا إن لم توقف النقد الآخذ بالازدياد لسجلها في مجال حقوق الإنسان وسلوكها في الحرب اليمنية".

(فرانس برس)

المساهمون