التهدئة الاشتراكية على جبهة كتالونيا: هل يُسقطها حراك الخريف؟

التهدئة الاشتراكية على جبهة كتالونيا: هل يسقطها حراك الخريف؟

21 يوليو 2018
تظاهرات مطالبة بإطلاق سراح القادة الكتالونيين (خافيير بونيّا/Getty)
+ الخط -
بعد نحو 7 أشهر على استفتاء الانفصال الكتالوني عن إسبانيا، وملاحقة قادة الانفصال، لم يتغير شيء. القادة الكتالونيون لا يزالون في المنفى الطوعي، بين بلجيكا وألمانيا واسكتلندا. جوهر الروح الانفصالية متأصّل في كتالونيا، خصوصاً في برشلونة وجيرونا، التي لم تغب أعلام الإقليم عن نوافذها قط. كل ذلك لم يتغير، لكن شيئاً واحداً فقط تغير: الحكومة في مدريد، وهنا تكمن كل الحكاية.

في 2 يونيو/حزيران الماضي، انتهى مشوار المحافظ اليميني، ماريانو راخوي، في قيادة الحكومة الاسبانية، وتحوّل القيادة إلى الاشتراكي بيدرو سانشيز. ترك راخوي خلفه موقفاً متشدداً قومياً في القضية الكتالونية. تشدّده لاقى تأييداً شعبياً هائلاً في إسبانيا (عدا إقليمي كتالونيا والباسك)، وحظي بدعمٍ ملكي، خصوصاً في استخدام المادة 150 من الدستور التي علّق بموجبها الحكم الذاتي في الإقليم. راخوي بدا وكأنه أقفل الأبواب أمام عودة زعيم الانفصاليين الأبرز، كارليس بيغديمونت ورفاقه توني كومين ولويس بويغ ومريتكسل سيريه، وكلارا بونزاتي، من المنفى الطوعي. كما أن الدعاوى المرفوعة على بيغدمونت من المحكمة العليا الاسبانية، تتيح إيقافه لفترة طويلة.

كل شيء تغير مع خروج راخوي ودخول سانشيز الحكومة. البداية كانت من خلال قرار القاضي الإسباني المسؤول عن التحقيق في محاولة انفصال كتالونيا، بابلو لارينا، سحب مذكرات توقيف دولية ضد بيغديمونت وخمسة من قادة الاستقلال الآخرين الذين فروا إلى الخارج. وبيغدمونت موجود حالياً في ألمانيا في حين اختار القادة الآخرون، ضمنهم أربعة من السلطة التنفيذية هم توني كومين ولويس بويغ ومريتكسل سيريه بلجيكا. أما كلارا بونزاتي فإنها لا تزال مقيمة في اسكتلندا.

خلاصة الحكم أنه "بات بإمكان هؤلاء من الآن فصاعداً التنقل بكل حرية من دون التعرض لخطر القبض عليهم وتسليمهم". لكن ذلك لا يمنع سجنهم في حال عودتهم إلى إسبانيا، لأن مذكرة التوقيف لا تزال سارية المفعول. ويأتي هذا بعد أن قرر القضاء الألماني قبل نحو أسبوع السماح بتسليم بيغدمونت إلى إسبانيا بتهمة "الاختلاس" وليس "التمرد"، وهذه جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن 25 عاماً. وكتب القاضي بابلو لارينا الذي أصدر مذكرته، يوم الخميس، أنه "يرفض تسليم الرئيس الكتالوني السابق بتهمة الاختلاس فقط". ومع ذلك، لا تزال الشكوك قائمة بشأن متابعة هذا الإجراء. فقد سبق للقاضي لارينا أن سحب فعلاً أول مذكرة توقيف دولية ضد هؤلاء الانفصاليين في ديسمبر/كانون الأول الماضي أثناء مرحلة انتخابات الإقليم في 21 ديسمبر، قبل إعادة تفعيلها أواخر مارس/آذار الماضي، بعد أن نجحت الأحزاب الانفصالية الكتالونية في الفوز بانتخابات الإقليم أولاً، ثم تشكيل حكومة داعية للانفصال ثانياً. وقال عامر أنور محامي بونزاتي "مع ترحيبنا بهذا الإعلان، إلا أننا سنبقى حذرين حتى تؤكد الحكومة الاسبانية انتهاء هذه القضية".



ويبدو أن الحكومة الإسبانية في طور التهدئة، فسانشيز، التقى في 9 يوليو/تموز الحالي، رئيس إقليم كتالونيا كيم تورا في أول لقاء بينهما بهدف تهدئة التوتر. واعتبرت نائبة رئيس الوزراء الإسباني كارمين كالفو أن "اللقاء كان فعالاً"، مشيرة إلى أن "رئيس حكومة كتالونيا تحدث عن تقرير مصير الإقليم، فيما تعتقد مدريد أن الحديث يجب أن يدور عن حكم ذاتي". وأضافت أن "سانشيز وتورا اتفقا على إطلاق عمل اللجنة الثنائية لممثلي الحكومتين المركزية والإقليمية، والتي لم تجتمع منذ فترة طويلة. كما دعا كيم تورا رئيس الوزراء الإسباني لعقد لقاء آخر في برشلونة". من جانبه، أعلن رئيس الحكومة الكتالونية أنه بحث مع سانشيز "حق كتالونيا في تقرير مصيرها". وأضاف أن سانشيز "اعترف بأن الحديث يدور عن قضية سياسية، تتطلب حلاً سياسياً"، مشيراً إلى أنهما بحثا "كافة المسائل". وأكد أن "كتالونيا لم تتخل عن السعي إلى الاستقلال". مع العلم أن سانشيز وصل إلى منصبه بفضل أصوات النواب الكتالونيين من دعاة الاستقلال، ووعد بفعل كل ما بوسعه لتهدئة التوتر مع كتالونيا. وإثباتاً لقوله نقلت الحكومة الإسبانية إلى سجون كتالونيا ستة من القادة الاستقلاليين الذين كانوا مسجونين قرب مدريد لدورهم في محاولة الانفصال.

تبرز الحاجة إلى إظهار الدور الحكومي الجديد سريعاً، وفقاً للأفكار الاشتراكية، فالتأجيل أو سير الأمور ببطء، دونه عقبات للحكومة المركزية. فسانشيز المدعوم كتالونياً، عليه الموازاة بين وعوده في تهدئة الوضع بين الإقليم والمركز، وبين عدم ارتداد أي خطوة إيجابية تجاه كتالونيا شعبياً عليه. فسانشيز مدرك أن تهدئة الوضع مع كتالونيا سيجرّ إلى إمكانية تراجع التأييد الشعبي له خارج إقليمي كتالونيا والباسك. كما أن تأييده المتدرج للمطالب الكتالونية، قد يؤدي إلى حراك في بلاد الباسك أيضاً. وهو ما لن يستطيع سانشيز تحمّله، ما قد يؤدي لعودة اليمين إلى السلطة، وإن بشخص غير ماريانو راخوي. وما يدعو الحكومة للتعجيل في إقرار موقفها النهائي من القضية الكتالونية، هو الخطوة المقبلة للأحزاب الكتالونية، فبيغدمونت، قدّم أخيراً مبادرة لتوحيد مختلف الفصائل التي تدعو إلى استقلال كتالونيا، معتبراً أن "الهدف النهائي هو إقامة دولة مستقلة تكون جمهورية". وحملت هذه المبادرة عنوان "نداء وطني من أجل الجمهورية"، على أمل أن تتحول إلى حزب سياسي جديد في الخريف المقبل يضم في كنفه كل التنظيمات الانفصالية التي اختلفت مراراً في توجهاتها خلال السنوات القليلة الماضية. وألقى بيغدمونت كلمة عبر دائرة فيديو مغلقة أمام حشد تجمع في برشلونة قال فيها "نصبح أكثر قوة في حال كنا قادرين على التحرك بشكل موحد".

هذا الحراك الكتالوني المرتقب في الخريف، سيدفع الحكومة إما إلى التدخل لعرقلته ومنع وحدة هذه الأحزاب، أو الاستعجال بوضع استراتيجية تسمح بتنفيذ وعودها في تهدئة الوضع من دون تأييد استقلال الإقليم. أو على الأكثر إعادة تفعيل مذكرات التوقيف الدولية، ونقل السجناء الكتالونيين إلى مدريد. مع ذلك، فإن من الإيجابيات إمكانية التوصل إلى حدّ أدنى من التفاهمات بين المركز والإقليم يسمح في إنهاء التوتر بين الطرفين.

المساهمون