صفقات تعيينات بروكسل: إنذار بإضعاف الديمقراطية الأوروبية

صفقات تعيينات بروكسل: رغم إبراز دور المرأة إنذار بإضعاف الديمقراطية الأوروبية

05 يوليو 2019
انتخاب الإيطالي ديفيد ساسولي رئيساً للبرلمان الأوروبي (Getty)
+ الخط -
برهنت الصفقات التي قادها رؤساء الدول والحكومات في الاتحاد الأوروبي لإنضاج طبخة الأسماء التي ستتولى المناصب الرفيعة في بروكسل، نيتهم الانقضاض على الديمقراطية في أوروبا، ما ينذر بصراع مستقبلي شديد على السلطة.

وانتخب البرلمان الأوروبي، الأربعاء الماضي، السياسي الاشتراكي الإيطالي ديفيد-ماريا ساسولي رئيساً جديداً له، وذلك في جولة ثانية من التصويت لانتخاب رئيس البرلمان.

ويكمل انتخاب ساسولي لوحة التعيينات الأهم في الاتحاد الأوروبي بعدما اختار قادة التكتل وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير لاين لمنصب رئيس المفوضية الأوروبية وانتخبوا رئيس الوزراء البلجيكي تشارلز ميشيل رئيساً للمجلس الأوروبي، واقترحوا انتخاب وزير الخارجية الإسباني جوزيب بوريل لمنصب المنسق الأعلى للسياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي.

كما اختار قادة الاتحاد الأوروبي تعيين رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد في منصب رئيس البنك المركزي الأوروبي.

ودعمت كتلة "حزب الشعب الأوروبي" (يمين الوسط) في البرلمان الأوروبي، والتي احتلت المرتبة الأولى في انتخابات الاتحاد الأوروبي في مايو/أيار، اختيار ساسولي في مقابل ضمان المنصب الأعلى في المفوضية الأوروبية.


وبدلاً من مواجهة التحديات في الأوقات الحرجة التي تعيشها القارة العجوز، بينها خروج بريطانيا من التكتل الأوروبي والصراع مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول العديد من الملفات الأمنية والسياسية والاقتصادية، إلى جانب ملفات حماية البيئة وتغير المناخ، فضلاً عن تمدد التفوق الصيني، ترجمت تلك الصفقات بإضعاف دور البرلمان الأوروبي، إلا إذا قرر الأخير أن يخاطر وينتفض على الواقع المستجد وأن يكون حاسماً وصاحب سلطة القرار.

أمام هذا الواقع، سيزيد الخروج عن مفهوم المرشحين الرئيسيين الذي ابتكره عام 2014 رئيس المفوضية، جان كلود يونكر، مع صديقه الرئيس الأسبق للبرلمان الأوروبي، مارتن شولتز، من ضعف الاتحاد الأوروبي، ما سيقزم الديمقراطية في أوروبا، بعدما بات الأمر بمثابة تعيين لشخصيات بعينها وفق آلية توافقات تم حبكها بعناية بين الدول المعنية.

رغم أنه وفي الفترة الأخيرة افترض الرأي العام الأوروبي، وخلال خوض المرشحين الأساسيين للأحزاب حملاتهم للانتخابات أن أوروبا ستصبح أكثر ديمقراطية، لم يكن أحد يتوقع أن ينتهي الأمر بعقد الصفقات داخل الغرف المغلقة وإزاحة شخصيات على غرار الاشتراكي فرانس تيمرمانس والمحافظ مانفريد فيبر، المرشحين اللذين اعتبرا أوفر حظاً لقيادة المفوضية، وذلك على ضوء ما أفرزته صناديق الاقتراع بعد الانتخابات، علماً أن فيبر، وفق ما تم تداوله أخيراً، سينال تعويضاً عن عدم وصوله إلى رئاسة المفوضية كمرشح لأقوى كتلة في ستراسبورغ، وسيحل عام 2022 مكان الإيطالي الرئيس الجديد للبرلمان الأوروبي ساسولي.


لعبة البوكر

هذا الأمر، لم يمنع الخبراء في الشؤون الاستراتيجية الأوروبية من التعبير عن نوع من الإحباط نتيجة التنازلات التي حصلت أو ما أطلق عليه "لعبة البوكر"، التي خاضها زعماء دول التكتل، ووصل الأمر إلى حد وصفها بأنها "عملية خداع لجميع الناخبين" الذين اعتقدوا أنهم سيكونون قادرين على إيصال رئيس للمفوضية، وما ترجم أيضاً بنوع من "الكباش" المستجد بين زعماء الدول ونواب البرلمان الأوروبي، وإشارة إحباط لمئات ملايين من الناخبين الأوروبيين الذين أقبلوا بزخم على التصويت ضماناً لفكرة الوحدة الأوروبية، والقول لهم صوتوا كما تشاؤون ونحن نتخذ القرار النهائي.

كذلك، برهن الاتفاق على المناصب الأساسية عن فشل في إحقاق التوازن بين الدول الأعضاء الصغيرة والكبيرة وبين دول شرق أوروبا وغربها، وتم كسر الكثير من الأسس والمبادئ الثابتة في بروكسل والتي لا تتماشى مع معاهدات الاتحاد الأوروبي، أي رغبة قادة الدول في استعادة تفوقهم عن طريق تجاوز فكرة اختيار أبرز مرشحي الأحزاب لتولي المناصب الرفيعة، على الرغم مما قيل إن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ومرشح حزب الشعب الأوروبي فيبر، وبذكاء اقترحوا تولي مرشح الاشتراكي تيمرمانس رئاسة المفوضية، التزماً بمبدأ المرشح الأعلى، وهذا ما لم يحصل ولم يلتزم بذلك سوى حزب "الخضر".

الخيارات جاءت لأشخاص لم تكن تُطرح أسماؤهم بجدية ضمن الحزمة المتداولة لمسؤولين أوروبيين في بورصة التفاوض على تولي المناصب، حتى أن هناك تشكيكاً بقدرات عدد منهم، فمثلاً رئيس البرلمان الأوروبي الجديد، ساسولي، ووزير الخارجية الإسباني، جوزيب بوريل، الذي سيؤول إليه منصب منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، لم يكونا معروفين أساساً.

وفي ظل هذا الصخب حول المناصب في بروكسل، المكسب الأساس والايجابي كان الحصة التي نالتها المرأة، إذ تعتبر رئيسة صندوق البنك الدولي الحالية الفرنسية كريستين لاغارد المرشحة لتولي رئاسة البنك الأوروبي الأكثر كفاءة، مع العلم أنه لا يمكن التقليل من القدرات الشخصية لوزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير لاين المتوقع انتخابها كأول امرأة لرئاسة المفوضية الأوروبية، والتي ربما لم تحظ بشعبية كبيرة في ألمانيا، إنما لديها ما يكفي من الخبرة السياسية ورافقت المستشارة ميركل في حكومات عدة وتولت منذ العام 2005 العديد من الوزارات، فضلاً عن الدنماركية مارغريت فيستاغر التي ستتولى منصب النائب الأول لرئيس المفوضية الأوروبية، إذ تتمتع بقوة نفوذ وبتعاطف كبير، لأنها، ووفق ما ذكرت زود دويتشه تسايتونغ، كانت لديها الشجاعة لإجبار الشركات الأميركية على الاعتراف بالقواعد الأوروبية، ومركزها مهم لتوازن القوى داخل أوروبا.


وفي هذا الإطار، يرى المحللون أن هناك أسباباً مشروعة للأمل، إذ قد يكون تأثير أوروبا أكبر بكثير بقيادة نسائية لأبرز منصبين في الاتحاد الأوروبي، المفوضية والبنك الأوروبيين، وستكونان قادرتين على جلب احترام جديد لأوروبا من خلال خبراتهما ومهاراتهما في الاتصال والتواصل وتدوير الزوايا بين جميع الأقطاب والقادة في أوروبا والعالم.