الجزائر: صراع بين حكومة الظل الرئاسية وحكومة أويحيى

الجزائر: صراع بين حكومة الظل الرئاسية وحكومة أويحيى

16 يناير 2018
صراع بين سعيد بوتفليقة وأويحيى (فاروق بطيش/فرانس برس)
+ الخط -

خرج الصراع بين رئيس الحكومة الجزائرية، أحمد أويحيى، وشقيق الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى العلن، بعد تدخل الرئاسة، التي يمسك سعيد بوتفليقة، الشقيق الأصغر للرئيس، بزمامها، لإلغاء اتفاق وقعته الحكومة  مع هيئة تمثل "الكارتل المالي" واتحاد العمال يقضي بفتح رأس مال لشركات ومؤسسات اقتصادية عمومية لصالح رجال الأعمال المستثمرين من القطاع الخاص، بزعم قطع الطريق على محاولة "الكارتل المالي" التواطؤ مع الحكومة للاستيلاء على 1200 مؤسسة اقتصادية عمومية تعاني من عجز مالي، في وقت تتحدث فيه تسريبات عن اجتماعات تعقدها جهات عليا للتدبير المبكر والمسبق لمسار ومآلات انتخابات 2019.

وتكشف التطورات السياسية في أعلى هرم السلطة، والصراع على المؤسسات الاقتصادية العمومية، وجود حكومة ظل في الرئاسة تعارض مسار حكومة أويحيى، وتتدخل في قراراتها، على خلفية صراع يرتبط بالانتخابات الرئاسية المقررة في ربيع 2019. وأبلغت الرئاسة الجزائرية، في قرار مفاجئ، رئيس الحكومة رفضها خطته الأخيرة بشأن بيع جزء من رأسمال وأسهم مؤسسات وشركات عمومية لصالح مستثمرين، بزعم إنعاشها والاستثمار فيها، وفقاً لاتفاق وقع قبل أسبوعين بين الحكومة وهيئة "الكارتل المالي"، بمباركة من النقابة المركزية للعمال. وأصدرت رئاسة الجمهورية تعليمة عاجلة موجهة إلى أويحيى والوزراء لمطالبته بوقف تنفيذ كل قرارات الحكومة فتح رأسمال بعض المؤسسات الاقتصادية العمومية أمام رجال الأعمال. وتفيد التعليمة أنه "بموجب القانون، فإن رئيس الجمهورية يلفت إلى أن القرار النهائي لفتح أية مؤسسة عمومية يعود إلى رئيس الجمهورية، وعليه فإنه يتعين إلغاء أية توافقات أو اتفاقات تخص فتح رأس مال أية مؤسسة عمومية".

وكان وقع، في 23 ديسمبر/كانون الأول الماضي، خلال اجتماع مع هيئة منتدى رؤساء المؤسسات، التي تمثل تكتل رجال الأعمال، والاتحاد العام للعمال الجزائريين، كبرى النقابات في البلاد، اتفاق لفتح رأسمال المؤسسات العمومية أمام الاستثمار الخاص. وعرضت الحكومة على رجال الأعمال شراء 64 في المائة من رأس مال شركات اقتصادية عمومية في شركات الصناعات الغذائية، ثم المؤسسات الفندقية وشركات مواد البناء في مرحلة أولى، قبل الوصول إلى الشركات الكهرومنزلية والكهربائية. وقال مسؤولون في الحكومة، لـ"العربي الجديد"، إن "الرئاسة استشرفت وجود نوايا غير سليمة، وأبدت انزعاجاً كبيراً من الطريقة التي سيرت بها الحكومة تصفية مؤسسات اقتصادية عمومية، خصوصاً بعد ورود تقارير عن وجود صفقات بين الحكومة ومستثمرين بعينهم للفوز بالحصة الأكبر من الأسهم في مؤسسات عمومية"، وذلك بالتزامن مع حملة قادها حزب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، جبهة التحرير الوطني، الذي أعلن في وقت سابق اعتراضه على محاولة الحكومة بيع وخصخصة المؤسسات الاقتصادية والحيوية والاستراتيجية في البلاد، وسارع إلى عقد اجتماع ثلاثي مع منتدى رؤساء المؤسسات والمركزية النقابية، أعلن فيه رفض فتح رأسمال الشركات العمومية.



لكن إصدار الرئاسة لقرار إلغاء اتفاق الحكومة و"الكارتل المالي" بشأن خصخصة جزئية للمؤسسات العمومية، أثار مجدداً الجدل بشأن ما يصفه المتابعون للشأن السياسي في الجزائر بالفوضى السياسية التي تدار بها البلاد وصراع المجموعات في السلطة قبيل حسم السلطة لمرشحها في رئاسيات 2019، خصوصاً في ظل غياب بوتفليقة عن المشهد السياسي، وغموض في إمكانية ترشحه لولاية رئاسية خامسة من عدمها من جهة، وشكوك مستمرة بقيامه بكافة صلاحياته، بسبب وعكته الصحية وتداعياتها المستمرة منذ إبريل/نيسان 2013، واطلاعه على أوضاع البلاد. واستدعى هذا الأمر وجود حكومة ظل موازية، يقودها سعيد بوتفليقة، خصوصاً أن القرار الرئاسي الأخير يتناقض مع القوانين المنظمة للاستثمار وتسيير المؤسسات الاقتصادية المملوكة للدولة، والتي يفترض أن تقرر بشأنها "هيئة مجلس مساهمات الدولة"، الذي تشارك فيه الحكومة والشركات القابضة. كما أعاد القرار الرئاسي إلى الأذهان بيان الرئاسة الموجه إلى رئيس الحكومة السابق، عبد المجيد تبون، بسبب ما وصفه حينها بيان الرئاسة "بالتحرش برجال الأعمال"، بسبب تهجمه على ما اعتبره المال السياسي، ما أدى بالرئيس بوتفليقة إلى إقالة تبون من منصبه في 15 أغسطس/آب الماضي، بعد شهرين ونصف الشهر من تعيينه رئيساً للحكومة.

واستغرب مراقبون وفاعلون في المشهد السياسي في الجزائر التضارب الواضح في القرارات بين الحكومة ومؤسسة الرئاسة، التي يمسك شقيق الرئيس بزمامها. وقال النائب نصر الدين حمدادوش إن المثير في التطورات التي تبعت قرار الرئاسة أنها تحيل إلى جملة من التساؤلات عن "ما هو البرنامج الذي يطبقه أحمد أويحيى؟ ولماذا هرولت الأغلبية البرلمانية المفبركة للمصادقة على مخطط عمله، إذا كانت له أجندات تتعارض مع برنامج الرئيس بوتفليقة؟ وهل قرار إلغاء بيع المؤسسات العمومية هو إرادة للحفاظ على السيادة الاقتصادية، أم أن المسألة مرتبطة بصراع الأجنحة على الرئاسيات المقبلة؟ وهل عقد أويحيى للثلاثية ومخرجاتها كان بإرادة سياسية عليا، أم أنها في إطار اختطاف مؤسسات الدولة وتغوّل بعض رجال الأعمال على القرار السياسي والاقتصادي للبلاد؟". وأشار إلى أن الحملة، التي قادها زعيم حزب الرئيس بوتفليقة، جمال ولد عباس، ضد قرارات الحكومة كانت بإيعاز من الرئاسة، وفي شكل رسالة سياسية قوية موجهة إلى أويحيى.

وربط محللون حدوث التضارب والصراع بين أويحيى، كرئيس للحكومة وممثل لجهة في السلطة، وحكومة الظل، التي يقودها شقيق بوتفليقة، بالفراغ الحاصل في الرئاسة بسبب تداعيات مرض الرئيس بوتفليقة منذ إبريل/نيسان 2013، وغيابه عن المشهد السياسي وعدم قدرته على الاضطلاع الكامل بصلاحياته الدستورية، خصوصاً في العهدة الرئاسية الرابعة التي بدأت في العام 2014. وأعرب المحلل السياسي، محمد سيدمو، عن اعتقاده أن "الفراغ الحاصل في الرئاسة جعل مراكز القرار في البلاد متنوعة ومتعددة، لذلك تبدو قراراتها متضاربة ومتناقضة، لأنها ببساطة لا تخرج من مصدر واحد. إن مرض الرئيس بوتفليقة وضعفه عن المتابعة، والشكوك حول قدرته على مواصلة عهدة خامسة، تجعل حالياً كل جهة داخل النظام تستغل نفوذها إلى الآخر في تمرير السياسات التي تريد من أجل التموضع قبل موعد 2019". وربط سيدمو بين مشاهد التمهيد للانتخابات الرئاسية وبين الصراع الحاصل في أعلى هرم السلطة، بين مجموعة الرئاسة التي يقودها شقيق بوتفليقة، والتي تريد استبعاد أويحيى من السباق الرئاسي وسحب دعم "الكارتل المالي" له، وبين مجموعة أويحيى التي تحاول التمهيد للدفع به كمرشح للرئاسة في 2019. ورأى أنه "لا يمكن تفسير وجود صراع بين أويحيى، الذي عينه بوتفليقة، وولد عباس الذي وضعه بوتفليقة، إلا بغياب بوتفليقة نفسه، فمن غير المعقول أن يسمح بهذه المهزلة. الرئيس بوتفليقة معروف عنه إذكاء الخلافات بين أنصاره، إلا أن ذلك في الواقع لم يصل أبداً إلى الحد الذي قد يضطره لاتخاذ السياسات ونقيضها في ظرف أشهر، بل أسابيع فقط. وحتى شقيقه سعيد بوتفليقة، يبدو أن الارتباك أصابه لضعف تكوينه السياسي ومعرفته بوضع شقيقه، الرئيس الحقيقي".

وتذهب قراءات سياسية أخرى إلى أن تدخل حكومة الظل في الرئاسة ضد قرارات الحكومة، لا تتعلق بحماية المؤسسات الاقتصادية من تغول "الكارتل المالي"، بقدر ما تتعلق بمحاولة حكومة الظل، التي يقودها شقيق بوتفليقة، سحب ورقة توزيع المؤسسات العمومية على "الكارتل المالي" من أويحيى، المرشح الرئاسي المحتمل، ومنع وقوع تحالف بين الطرفين من جهة، ومن جهة أخرى استفراد الرئاسة بهذه الورقة لصالحها، وبقاء عملية توزيع الريع العمومي على "الكارتل المالي" بيد الرئاسة، ما يضمن دعمه لمرشحها، سواء كان الأمر يتعلق بولاية رئاسية خامسة لبوتفليقة أو لوريث سياسي يجري تحضيره. وتحدث هذه التطورات في وقت تتحدث فيه تسريبات عن اجتماعات تعقدها جهات عليا لرسم خارطة الطريق بشأن الاستحقاق الرئاسي لعام 2019، والذي بدأت ترتيباته مبكراً.