هجوم "النصرة" على فصائل المعارضة السورية: فرصة ذهبية للنظام

هجوم "النصرة" على فصائل المعارضة السورية: فرصة ذهبية للنظام

03 يناير 2019
تبدو الهيئة ساعية للقضاء على "حركة الزنكي"(نذير الخطيب/فرانس برس)
+ الخط -
دخلت الاشتباكات بين "هيئة تحرير الشام"، وفصائل المعارضة السورية المسلحة، في ريف حلب الغربي، يومها الثاني أمس الأربعاء، في ظل ظهور مؤشرات على نيّة الهيئة المصنَّفة تنظيماً إرهابياً القضاء على "حركة الزنكي" الفاعلة في هذا الريف، متذرعة بحادثة مر عليها أكثر من شهر، فيما يبدو أن هذا الاقتتال لن يتوقف، وهو يصب في صالح قوات النظام التي تتحفز للانقضاض على المعارضة المتمركزة في موقع غير بعيد عن مدينة حلب، كبرى مدن الشمال السوري. بالتوازي مع ذلك، يحتدم الصراع في شرقي سورية، حيث تضيّق "قوات سورية الديمقراطية" المدعومة من التحالف الدولي الخناق على مسلحي تنظيم "داعش"، في وقت أظهرت مقاطع فيديو تحوّل مدينة هجين، المعقل السابق للتنظيم في ريف دير الزور الشرقي، إلى أنقاض نتيجة القصف الجوي.

وهدأت أمس الأربعاء وتيرة الاشتباكات الدامية في ريف حلب الغربي بين "الجبهة الوطنية للتحرير"، أكبر تجمّع للمعارضة السورية المسلحة في شمال غربي سورية، وبين "هيئة تحرير الشام"، التي تشكّل "جبهة النصرة" عامودها الفقري. واشتبك الطرفان الثلاثاء بأسلحة ثقيلة على أطراف جبل مدينة دارة عزة (الشيخ بركات)، غربي حلب، الذي أعلنت الهيئة سيطرتها عليه، الأمر الذي أكده مصدر قيادي في "الجبهة الوطنية" لـ"العربي الجديد" أمس. وانتقلت المواجهات بين الفصيلين إلى منطقتي خان العسل وكفرناها غرب حلب، حيث دارت اشتباكات عنيفة في معمل "الأندومي" الذي تسيطر عليه الجبهة. وأكد قيادي في "الجبهة الوطنية للتحرير" لـ"العربي الجديد" أن الاقتتال "هدأ بعض الشيء ولكن لم ينتهِ"، متوقعاً أن "يستمر خلال الأيام المقبلة"، مضيفاً: "هيئة تحرير الشام تريد السيطرة على مدينة دارة عزة والقضاء على حركة نور الدين الزنكي ولن نسمح لها بذلك. نستعد لجولات أخرى من القتال". ويُعد جبل بركات من النقاط الهامة في ريف حلب الغربي؛ "فهو قمة عالية تطل على مساحات واسعة من ريف حلب الغربي والشمالي حتى مدينة عفرين، وريف إدلب الشمالي"، وفق القيادي، الذي أشار إلى أن نقطة المراقبة التركية في الجبل "لم تتعاطَ مع الاشتباكات، وبقي الجنود الأتراك ملتزمين مواقعهم".

من جهته، أوضح عضو المكتب الإعلامي في "الجبهة الوطنية"، محمد أديب، لـ"العربي الجديد"، أن "الاشتباكات مستمرة مع هيئة تحرير الشام على أكثر من محور"، مشيراً إلى أن 8 مدنيين قتلوا في هذه الاشتباكات، "لكن عدد القتلى ربما أكبر ولم يوثّق بسبب انقطاع السير على الطرقات". ونفى أديب الأنباء التي تحدثت عن سيطرة الهيئة على مدينة دارة عزة التي تقع إلى غربي حلب بنحو 30 كيلومتراً، مشيراً إلى أن الاشتباكات في ضواحيها، مضيفاً: "باتت خط تماس ومنطقة اشتباكات".

وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان أشار إلى أن "تحرير الشام" تمكنت من تحقيق تقدّم على حساب "الجبهة الوطنية"، وسيطرت على بلدة دارة عزة التي تعد ثاني أكبر بلدات القطاع الغربي من ريف حلب. كما سيطرت على الهباطة ومكيلبيس وأجزاء من منطقة السعدية، وعلى عدد من الحواجز والمواقع والمناطق المحيطة بها والطرق الواصلة إلى البلدة، مشيراً إلى أن الاقتتال تسبّب بمقتل 19 عنصراً على الأقل من الهيئة و15 من عناصر "الجبهة الوطنية"، و5 مدنيين بينهم طفلان. ونشر ناشطون مقطع فيديو يظهر القيادي المصري في "تحرير الشام" المدعو أبو يقظان المصري، وهو يقود المعارك في محيط مدينة دارة عزة.


واتخذت "تحرير الشام" من مقتل 4 من عناصرها في 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي ذريعة للهجوم المفاجئ على مواقع "حركة الزنكي" التابعة لـ"الجبهة الوطنية للتحرير"، مشيرة في بيان لها إلى أنها قبلت الصلح في حينه، مشترطةً "توقيف القتلة وتقديمهم للقضاء"، لافتة إلى أن "المهلة انتهت ولم يتم التسليم". من جهتها، قالت "الجبهة الوطنية للتحرير" في بيان إن الهيئة تريد استغلال الحادثة "كذريعة لتصفية حساباتها مع فصائل الجبهة الوطنية ومحاولة توسيع سيطرتها على المناطق المهمة التي تسيطر عليها الجبهة الوطنية".
ومن الواضح أن "تحرير الشام" تهدف إلى ضرب المعارضة المسلحة في ريف حلب الغربي، في سياق مخطط للسيطرة على شمال غربي سورية برمته لقلب أوراق الصراع وحجز مكان لها في أي تسوية سياسية مقبلة. ومن المتوقع أن يستغل النظام وحلفاؤه الاقتتال لمواصلة القصف بذريعة محاربة الإرهاب توطئة للزحف على ريف حلب الغربي والسيطرة عليه، خصوصاً أن وجود المعارضة على تخوم حلب الغربية يقلق النظام.

في موازاة ذلك كله، لا يزال الشرق السوري مسرح معارك بين تنظيم "داعش" و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد) التي تضيّق الخناق على التنظيم في جيبه الأخير في منطقة شرقي الفرات، مع ورود أنباء عن هجوم شنّه التنظيم على مليشيات إيرانية في ريف دير الزور الشرقي ومقتل العشرات من مسلحيها. وأشار المرصد السوري أمس إلى تواصل الاشتباكات على محاور في منطقة الشعفة ومحاور أخرى في جيب تنظيم "داعش" الأخير في ريف دير الزور الشرقي مع استمرار القصف الصاروخي والجوي بين الحين والآخر، إذ تحاول قوات "قسد" القضاء على فلول التنظيم. ولفت المرصد إلى دخول رتل جديد من عربات تابعة للتحالف الدولي إلى خط الجبهة الثلاثاء، في أعقاب قصف مدفعي وجوي من التحالف الدولي على المنطقة.

إلى ذلك، نشرت شبكة "فرات بوست" المحلية شريط فيديو يوضح الدمار الكبير الذي أصاب منازل المدنيين في مدينة هجين في ريف دير الزور الشرقي نتيجة المعارك العنيفة بين "قسد" وتنظيم داعش، والقصف الجوي والمدفعي من قبل التحالف الدولي. وأشارت إلى أن بعض الأحياء في المدينة سُويت بالأرض، فيما لا يزال عدد كبير من الجثث تحت الأنقاض، مؤكدة أن عناصر تابعين لـ"قسد" سرقوا ممتلكات المدنيين في مدينة هجين، ويتم تجميع المسروقات في أحد المقارّ العسكرية قبل نقلها إلى خارج المدينة. كما أكدت أن القيادة العسكرية لهذه القوات "سمحت لعناصرها بسرقة ونهب كل ممتلكات المدنيين من البلدات التي تمت السيطرة عليها بعد معارك ضد تنظيم داعش"، مضيفة: "لم تسمح بعودة المدنيين إلى مدينة هجين بحجة أن المنطقة عسكرية وكل الطرق مغلقة بسبب الركام".

في السياق، نقلت مواقع إخبارية معارضة عن "مصادر محلية"، تأكيدها مقتل أكثر من 60 عنصراً من المليشيات الأفغانية التابعة لإيران، والفيلق الخامس، في هجوم نفذه تنظيم "داعش" على بلدة السيال في ريف مدينة البوكمال على الحدود السورية - العراقية، مشيرة إلى أن "عناصر التنظيم تسللوا إلى البلدة قادمين من أماكن تمركزهم بريف دير الزور الشرقي، ثم انسحبوا بعد وصول تعزيزات كبيرة للمليشيات إلى البلدة".