على أبواب الذكرى الأولى لهبّتها: تجدد انفجار القدس وشيك

على أبواب الذكرى الأولى لهبّتها: تجدد انفجار القدس وشيك

18 اغسطس 2016
يصعد الاحتلال من القمع والتنكيل بالمقدسيين (Getty)
+ الخط -
"توشك القدس أن تنفجر من جديد هذه الأيام"، لعل هذا هو الاعتقاد السائد اليوم لدي قطاعات كبيرة من المقدسيين، مواطنين، ومسؤولين، ورجال وقف إسلامي باتوا بدورهم هدفاً للاحتلال الإسرائيلي عبر إجراءات قمعية واستهدافه للمسجد الأقصى على نحو لم يشهده هؤلاء على مدى عقود الاحتلال الطويلة للمدينة.

ومع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لهبّة القدس الشعبية التي اندلعت في أكتوبر/ تشرين الأول من العام المنصرم، واتخذت بداية شكل عمليات بالسكاكين ودهس بالسيارات، مستهدفة مستوطنين وجنوداً يعتبرون أسوأ رموز الاحتلال، تعيد الأشهر الأخيرة من هذه الهبّة المقدسيين من جديد إلى مشاعر الغضب والكراهية للاحتلال، الذي استهدف بالقتل مئات الشبان وزج في سجونه آلافاً آخرين.



المسجد الأقصى احتل، مع هذا القمع المتصاعد، الحيز الأوسع من المشهد اليومي، ما يؤسس هذه المرة، كما يرى مقدسيون، إلى هبّة تصل حدود الثورة والمواجهة العنيفة ضد الاحتلال الذي ظلم واستبد وقتل واعتقل دون تمييز، ثم صعّد من القمع في الأسابيع القليلة الماضية ليبلغ ذروته ومداه.
يقول مدير نادي الأسير في القدس، ناصر قوس، لـ"العربي الجديد"، إن "ما يحدث من قمع وتنكيل ومسّ بالمقدسات وإلحاق أذى بمشاعر الناس هنا، لا سيما الشباب يصنع غضباً متصاعداً لدى الكل الوطني هنا في القدس".

يشير قوس، الذي تعرض مع نجله لاعتداء من عناصر وحدة "يسام" الخاصة في الشرطة الإسرائيلية، إلى أن الاعتقالات وما يصاحبها من ضرب، وإذلال، وسحل المصلين في ساحات الأقصى، ثم استهداف التجار بالدهم الضريبي والتنكيل والعقوبات، وإرغام المواطنين على هدم منازلهم بأيديهم، عدا ما ينفذه الاحتلال بنفسه من عمليات هدم، كل هذا يدخل المقدسيين في دائرة التعبير عن غضبهم ويفضي إلى المواجهة الحتمية، لا سيما أنهم خسروا كل شيء، مستائلاً ما إذا كان الاحتلال يدرك نتائج وتبعات ما يقترفه.
غادر قوس ونجله المستشفى بعد تلقيهما العلاج من رضوض وكدمات جراء ما تعرضا له من اعتداء وحشي، كما يصفانه، إلا أن ما جرى لهما فاقم من حالة الغضب لديهما ومن كراهيتهما لاحتلال هو الأسوأ في تاريخ البشرية كما يقول قوس. ووفقاً لمدير نادي الأسير في القدس فإن تبعات ما قام به عناصر الاحتلال لن يدركوه آنياً ربما، لكن يبدو أنهم لم يتعلموا من دروس الماضي ولن يتعلموا.
لا يبدو الأمر مختلفاً بالنسبة لمدير المسجد الأقصى، الشيخ عمر الكسواني، إذ إن ما جرى في اقتحامات ذكرى "خراب الهيكل" أخيراً، يعد بالنسبة إليه، مؤشراً خطيراً على ما تحمله الأيام المقبلة بعدما تم السماح لنحو 400 من غلاة المتطرفين من استباحة ساحات الأقصى.
يقول الكسواني لـ"العربي الجديد" إن "قوات الاحتلال اعتدت على المصلين وعلى رجال الوقف"، لافتاً إلى أن "هبّة أخرى قد تطل برأسها من جديد، وقد توسع جنود الاحتلال في اعتداءاتهم وفي عدوانهم، وبتنا في مواجهة يومية معهم، ندافع هنا عن مسجدنا، وعن حقنا في إدارته والإشراف عليه".
وكانت الشرطة الإسرائيلية قد اعتقلت في أقل من أسبوع 15 حارساً وموظفاً، وأبعدت معظمهم عن وظائفهم وأماكن عملهم في الأقصى، بمن فيهم مدير العلاقات العامة والإعلام فراس الدبس، ومن قبله مدير لجنة الإعمار المهندس بسام الحلاق. ويقول الكسواني إن هذه الإجراءات لم تحدث من قبل، لكن الاحتلال يفعلها اليوم دون وجل أو خجل ويتمادى في اعتداءاته.
في البلدة القديمة من القدس حالة من الغضب والغليان الشديدين تسودان أوساط الشبان، بعدما اعتقلت قوات الاحتلال العشرات منهم خلال أيام، أطلق سراح معظمهم بعد التنكيل بهم وإبعادهم عن الأقصى لأسبوعين.
يقول نور، أحد الناشطين المفرج عنهم، لـ"العربي الجديد"، إن "هذه هي المرة الثانية التي اعتقل فيها وأبعد عن الأقصى في أقل من شهرين، لقد كنت واحداً من نحو 50 فتى وشاباً اعتقلوا قبل ذلك استباقياً واحترازياً قبل أن يفرج عنا دون تحقيق، واكتفوا بعقوبة الإبعاد، وهي الأقسى علينا من غيرها".
محمد، وهو صديق نور، كان قد اعتقل سابقاً لاشتراكه في اشتباك وعراك بالأيدي مع مجموعة من المستوطنين استباحوا شارع الواد وعقبة الخالدية ببلدة القدس القديمة، وكان مدافعاً عن نفسه من تغول وانفلات مجموعة من المستوطنين على شبان مقدسيين، قبل أن تحضر على وجه السرعة وحدة خاصة في الشرطة لتعتقله واثنين من رفاقه وتنكل بهم، في حين سار المعتدون في حال سبيلهم.
يقول محمد لـ"العربي الجديد" إنه ليس هناك من شعور بالظلم أفظع من هذا الشعور، لقد وجد جنودهم لقمعنا والتنكيل بنا، وللتغطية على جرائم مستوطنيهم.
يخضع محمد الآن لعقوبة الحبس المنزلي والإبعاد عن المسجد الأقصى وعن البلدة القديمة، وأرغم على المغادرة إلى منزل قريب له في حي رأس العمود إلى الشرق من المدينة المقدسة حتى تنقضي مدة حبسه المنزلي البالغة ثلاثة أسابيع.

الشعور بالمرارة أيضاً ينتاب حراس الأقصى، وكذلك تجار البلدة القديمة من القدس، وهما فئتان مستهدفتان أيضاً بالاعتقال والضرب، والملاحقة الضريبية.
يقول أحد مسؤولي الحراسة في الأقصى، ويدعى أحمد، في تصريحات إلى "العربي الجديد" لقد "أصبحنا للأسف بلا أي صلاحية، مهماتنا باتت تقتصر فقط على السير وراء المستوطنين والاكتفاء بمراقبتهم عن بعد عشرين متراً". ويوضح أنه "ممنوع أن نقترب منهم، وفي الحالات التي يحدث أن يقترب حارس من مستوطنين يتعرض للشتم من هؤلاء، وللاعتداء بالدفع والضرب من عناصر الوحدة الخاصة في الشرطة الإسرائيلية، وتقف إدارة الأوقاف عاجزة عن القيام بأي شيء سوى التنديد والاحتجاج، لا تفعل أكثر من ذلك".
في شارعي السلسلة والواد، وهما من المراكز التجارية الحيوية، المشهد أكثر قتامة بالنسبة لتجار وأصحاب المحال، كما يقول التاجر المقدسي عماد أبو خديجة لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى التوتر الناجم عن اعتداءات المستوطنين منذ نحو عام، وعشية إحياء الذكرى السنوية الأولى لهبة القدس والأقصى تزداد أوضاع التجار سوءاً.
ويشكو التجار من أنهم أصبحوا لهجمات انتقامية تنفذها قوات الاحتلال كلما وقعت عملية تستهدف مستوطنين، على الرغم من أنها لا تحتاج لأي ذريعة لمداهمة المحال وفرض الضرائب عليها.
وفي ما توشك هبة القدس أن تبلغ عامها الأول، فإن عائلات شهداء الهبة لا تزال تنتظر تسلم جثامين أبنائها التي يحتفظ بها الاحتلال في ثلاجات ويماطل في تسليمها، مما يزيد الغليان لدى المقدسيين ومن احتمالية انفجار ثورة أو في أحسن الأحوال انتفاضة جديدة بات الشبان المقدسيون يتحدثون عن إمكانية حدوثها. ويتعزز هذا الاعتقاد بعدما فرض واقع الاحتلال عليهم ظروفاً حياتية صعبة، فقدوا معها الأمل في حياة آمنة مستقرة بعيدة عن الشحن والتوتر اليومي وملاحقتهم حتى في أرزاقهم.