الإمارات ترحّل السوريين بلا تهمة... والمعارضون يتصدرون القائمة

الإمارات ترحّل السوريين بلا تهمة... والمعارضون يتصدرون القائمة

26 ديسمبر 2017
سوريون أمام قنصلية بلدهم في دبي 2011(كريم صهيب/فرانس برس)
+ الخط -
وصل عدد السوريين المبعدين بطريقة تعسفية من دولة الإمارات، حتى مطلع شهر ديسمبر/كانون الأول الحالي، إلى نحو 1070 أسرة، حسبما كشفت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، مؤكدة أن عمليات الإبعاد بدأت بالعمال والموظفين السوريين المقيمين في الإمارات الذين يتضح للسلطات هناك أنهم من المعارضين لنظام الحكم في سورية، لتتوسع القائمة، في الآونة الأخيرة، شاملة السوريين من أصحاب رؤوس الأموال الذين يمتلكون مشاريع استثمارية في الإمارات. وبات يُطلب من هؤلاء المستثمرين مغادرة البلاد خلال مدة قصيرة جداً، من دون السماح لهم حتى بإخراج أموالهم أو السماح لهم بتصفية شركاتهم، كما يترافق قرار الإبعاد في الغالب بإيقاف كل الحسابات المصرفية للمبعدين ومصادرة كل ممتلكاتهم واستثماراتهم.

في هذا السياق، أكد مصدر لـ"العربي الجديد" أن "قرارات الإبعاد تتم من خلال اتصال هاتفي من إدارة أمن الدولة في أبوظبي للشخص المراد إبعاده، حيث يطلب منه مراجعة إدارة أمن الدولة فور تلقيه الاتصال، ومن ثم يطلب منه مغادرة البلاد فوراً، خلال مدة أقصاها أسبوع. إلا أن هناك بعض الحالات التي يتم وضعها رهن الاعتقال مدة من الزمن ومن ثم يتم ترحيلها من المعتقل مباشرة إلى المطار. وأوضح المصدر أن "قرارات الإبعاد في معظمها تتم تحت بند (مخالفة القرارات)، من دون أي توضيح للقرارات التي تمت مخالفتها، أو تعليل للسبب".

والغريب أن أياً من المبعدين لا يعرف سبباً مباشراً لإبعاده، ولا توجّه له أية تهمة ولا يتعرض لأية محاكمة، وكثير من المبعدين تعرّضوا للتعذيب والصدمات الكهربائية بسبب رفضهم التوقيع على الترحيل، أو وضع بصمتهم على أوراق بيضاء خلال فترة احتجازهم، والذين أكد عدد منهم أنهم لا يعرفون فيما إذا تم أخذ بصماتهم على تلك الأوراق بعد تعريضهم لصدمات كهربائية، وإصابتهم بحالات إغماء.

وكشف أحد المرحّلين من دولة الإمارات، أن "من بين الأسئلة التي يسألها المحققون في أمن الدولة الإماراتي مع المبعدين: هل أنت مع الخروج على ولي الأمر؟ وهل أنت تعارض النظام في سورية؟". الأمر الذي أثار تخوفاً، حتى لدى معظم المستثمرين السوريين المنحازين للثورة السورية والمقيمين في الإمارات، ولدى الشخصيات السورية المعارضة التي تحتضنها الإمارات بصفتها معارضة للنظام، والذين لم يستبعدوا أن يأتيهم في أية لحظة اتصال هاتفي لإعلامهم بأنهم "أصبحوا من العناصر غير المرغوب فيها لدى دولة الإمارات، وأن عليهم المغادرة خلال ساعات".

أحد المرحّلين الذين تم احتجازهم قبل الترحيل أكد لـ"العربي الجديد" أن "معتقل أمن الدولة يعج بالسوريين المحتجزين بهدف الترحيل"، موضحاً أن "معظم المعتقلين هم من أبناء محافظتي دير الزور ودرعا، وأن عدداً منهم هم من أصحاب الشركات الذين يستثمرون أموالهم في دولة الإمارات". وأكد أن "بعض المعتقلين لديهم علاقات مع شخصيات بارزة في دولة الإمارات، ولكنهم لم يتمكنوا من تقديم أية مساعدة لهم ولا حتى معرفة سبب ترحيلهم"، مشيراً إلى أن "الجواب كان دائماً أنه طالما الأمر لدى أمن الدولة، فلا أحد يستطيع التدخل".

وأضاف أن "من يرحّل السوريين هي حكومة أبوظبي، ولكنها ترحّل السوريين المقيمين في كل أنحاء الإمارات"، موضحاً أن "من يتصل بمن يراد ترحيله هو قسم التحريات العامة، المعروف اختصاراً (سي آي دي)، تحديداً لدى المكتب (13) التابع لجهاز أمن الدولة. والمشرف على عمليات الترحيل هو الرائد محمد الشامسي، والنقيب عبدالله، اللذان يقومان بالتحقيق مع المرحّلين الذين يتم استدعاؤهم ويتم التحقيق معهم، فيأخذون منهم سيرة ذاتية كاملة تصل إلى حدّ السؤال عن مدرّسيهم في المرحلة الابتدائية".

وتابع المصدر قائلاً إنه "بعد هذا التحقيق ببضعة أيام، يتصل بالشخص المراد ترحيله مكتب (متابعة المخالفين من جوازات الشهامة) يطلبون منه مراجعتهم من دون أي معلومة عن السبب. ولدى مراجعة المكتب يقومون فوراً بأخذ بصمته وإلغاء إقامته من النظام الإلكتروني من دون إلغائها من الجواز، كي لا يكون هناك إثبات يتمكن من خلاله المرحّل من مراجعة أي من المنظمات الإنسانية الدولية، بأنه تم ترحيله قسرياً من دون سبب". وأضاف المصدر أنه "بمجرد إلغاء الإقامة من النظام، يتوجب على المرحّل المغادرة هو ومن على كفالته خلال شهر، بحسب القانون الإماراتي. وفي حال عدم الرحيل يتمّ تغريمه بغرامات كبيرة، إلا أنهم في كثير من الحالات لا يعطون المرحّل هذه الفرصة القانونية، إذ يقومون باحتجاز جواز سفره، وأحياناً يحتجزون أحد أفراد عائلته إلى أن يقوم بحجز تذاكر الطيران".

وكشف المصدر أن "من يماطل يتعرّض لأشد أنواع التعذيب"، موضحاً أنه "من الحالات التي شهدها أن مستثمراً من محافظة درعا عمره أكثر من 60 سنة، أخبرهم بأن والدته في العناية المشددة، وحالياً لا يستطيع المجيء، فجلبوه وتم تعذيبه وصعقه بالكهرباء، ومن ثم تم ترحيله بعد احتجاز دام تسعة أيام. كما أن أحد المستثمرين السوريين من دير الزور حجز تذاكر الطيران له ولعائلته وهم 14 شخصاً، كلّفته 26 ألف درهم، منهياً عقد استئجار بيته وذهب لإبلاغهم بأنه جاهز للترحيل، فقالوا له: أتيت بإرادتك وستذهب بإرادتنا. وقاموا باحتجازه نحو أسبوعين، غير آبهين بمصير عائلته، ومن ثم تم ترحيله بعد إجباره على حجز تذاكر جديدة له ولعائلته".

وأوضح المصدر أن "ترحيل الموظف العادي خلال أسبوع أو ثلاثة أيام قد يمكّن المرحّل من تدبّر أموره، ولكن ترحيل مستثمر لديه شركات وموظفون مكفولون على شركته، تجعل من موضوع تدبر الأمر خلال هذه الفترة أمراً مستحيلاً، عدا عن منع المستثمرين من إخراج أموالهم خارج حدود الإمارات". وعلى الرغم من الموقف العلني لحكومة أبوظبي المعارض لنظام الحكم في سورية، ودعمها لبعض فصائل الجيش الحر المدعومة أميركياً، المعروفة بأنها غير إسلامية، كفصائل الجبهة الجنوبية في محافظة درعا، التي كانت مدعومة من غرفة "الموك" في الأردن وبعض فصائل البادية، المدعومة من وزارة الدفاع الأميركية، كفصيل مغاوير الثورة، إلا أن الإمارات اتخذت موقفاً عدائياً من الثورة السورية، ومن كل ثورات الربيع العربي أيضاً، إذ قادت، وتتولى من خلال أدواتها قيادة، مشروع الثورات المضادة، العاملة على إعادة إنتاج الأنظمة القديمة بوجوه جديدة، والانقلاب على أهداف الثورات في بلدان الربيع العربي، واستخدمت الفصائل والشخصيات التي دعمتها لتنفيذ تلك المهمة. كما تُتهم الإمارات بالتجسس لصالح النظام السوري، من خلال إرسال محادثات لمعارضين للنظام، واعتقلت العديد من المعارضين على أراضيها، وأوقفت كل نشاطات المعارضة التي أصبحت تهمة تستوجب الترحيل.

وكشف مصدر خاص لـ"العربي الجديد"، أن "أحد الشخصيات المعارضة للنظام والمقيم في الإمارات، لديه أخ يقيم في السعودية، ويذهب إلى دمشق، كونه غير مطلوب للنظام، فوجئ بتحقيق الاستخبارات السورية معه عن اتصال أجراه معه أخوه المعارض من جوال إماراتي على جواله السعودي، وتم إسماعه المحادثة التي تمت بينهما، والتي كانت مجرد محادثة عادية للاطمئنان عليه". وأوضح المصدر أنه "تم احتجاز شقيق المعارض لفترة قصيرة وتنبيهه بعدم التواصل مع أخيه".

كما صنّفت الإمارات 20 فصيلاً من فصائل المعارضة السورية على لوائح الإرهاب الإماراتية، بينها كبرى فصائل المعارضة، كلواء التوحيد وحركة أحرار الشام. وسبق للإمارات  أن استقبلت شقيقة رئيس النظام السوري بشار الأسد، بشرى، في عام 2012، ومنحتها الجنسية الإماراتية في عام 2015، كما استقبلت والدته أنيسة مخلوف، والتي توفيت هناك.


المساهمون