التباينات داخل "النهضة" التونسية: ارتدادات المؤتمر العاشر حاضرة

التباينات داخل "النهضة" التونسية: ارتدادات المؤتمر العاشر حاضرة

24 مارس 2017
اعتراضات على لقاء الغنوشي بأحد رموز النظام السابق(ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -


لم تتخلص حركة "النهضة" التونسية بعد من أوجاع المؤتمر العاشر الأخير، إذ تعود من حين إلى آخر نفس النقاشات المطروحة في ما يتعلق بالعلاقة بين مختلف الشخصيات البارزة في الحركة، وحول بعض الخيارات السياسية وأسلوب إدارتها. وطفت على السطح خلال الفترة الأخيرة تسريبات تفيد بوجود خلافات داخلية في معالجة الوضع وإدارة بعض الخيارات السياسية، ويبدو أن قيادات معارضة داخل الحركة غير راضية على بعض القرارات، ما تسبّب في حصول تململ، إذ عبّرت قيادات من "النهضة" صراحة أنها ضد بعض القرارات الأحادية، من دون أن يعني ذلك خروجها أو استقالتها من الحزب.
وأكد القيادي في الحركة، عبد اللطيف المكي، وهو أحد أبرز المعارضين لرئيس الحركة راشد الغنوشي، أنّ التعامل مع الخلافات يكون بعيداً عن الأهداف الشخصية والشخصنة، موضحاً أن الخلافات موجودة ويجري تفكيكها والتباحث حولها مع احترام جميع الآراء. وأوضح المكي في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الخيارات السياسية وطرق إدارة الحركة لبعض المستجدات وآليات تسييرها وتعاطيها مع الشأن العام وبعض التحالفات القائمة كالتحالف مع "نداء تونس"، جلها مسائل قد تكون نقاط اختلاف، وهي بمثابة "الخبز اليومي" للأحزاب ويتم البت فيها بالتصويت، معتبراً أنّ هناك مسائل خلافية جوهرية وقد تستغرق الكثير من الوقت والنقاشات وقد تسبب أحياناً تململاً.
وأكد القيادي في "النهضة" أنه ليس مع "الرومنسية" السياسية وهو مع السياسة الواقعية، مشيراً إلى أن لقاء الغنوشي برمز من رموز النظام السابق، عبد الله القلال، هو "خطأ، لأن القلال يُعتبر رمزاً من النظام السابق وهو المسؤول الميداني عن جرائم حقوق الإنسان، وكان من الأنسب أن يعتذر من الشعب التونسي وأن يعترف بانتهاك حقوق الإنسان". وأضاف أن هذا الشخص تقلّد مسؤولية كبيرة في نظام زين العابدين بن علي، وشارك الرئيس المخلوع في ما اقترفه من انتهاكات سياسية وميدانية، موضحاً أن من أخطأ عليه أن يُحاسب ضمن إطار العدالة الانتقالية، بعيداً عن البحث عن تزكيات قد تكون لصالح طرف دون آخر، وعليه أن يمر عبر مسار العدالة الانتقالية. وشدد على أن الخلافات داخل الحركة لن تعكّر العلاقات الشخصية بين القيادات، وأنها ستكون جامعة أكثر مما تفرق.
وكان المكي قد صرح بأن على "النهضة" أن تعيد تقييم تحالفها مع حزب "نداء تونس"، وهي مدعوة إلى إعادة صياغة نقدها لهذه التجربة، مشيراً إلى أن هذا الأمر ليس مطروحاً بعد في حركة "النهضة"، ولكنه موضوع قابل للنقاش في المرحلة المقبلة. ونفى المكي الاشاعات التي تحدثت عن مغادرته الحركة وتأسيس حزب جديد، ولكنه لم ينفِ وجود خلافات.


وتأتي هذه التصريحات في الوقت الذي بدأ فيه البعض يتحدث عن إمكانية حصول انشقاقات وانقسامات داخل الحركة، الأمر الذي نفته العديد من قيادات "النهضة". وقال رئيس كتلة "النهضة" في مجلس النواب، نور الدين البحيري، لـ"العربي الجديد"، إن الخلافات داخل الحركة لا يمكن أن تتحول إلى انقسامات أو انشقاقات لأن أغلب القيادات ملتزمة بوحدة الصف وهي ضد القطيعة، موضحاً أن الخلافات والتنوّع داخل الحركة لا يمكن إلا أن تكون عنصر قوة، لأن الحركة ضُبطت قانونياً، والمؤتمرات وهياكلها المنتخبة والشرعية آليات لحسم الخلافات، فكلما حصلت هذه الخلافات تم تغليب التوافق لأن القاعدة هي تحكيم آراء الأغلبية من دون منع الأقلية من إبداء رأيها.
واعتبر البحيري أنّ اختلاف الآراء داخل الحركة ليس مسألة سلبية، بل إيجابية، ويتم عادة تأطيرها بعيداً عن تغوّل الأغلبية، مضيفاً: "نحن نختلف ونعبّر عن آرائنا تحت سقف الشرعية وهو أمر لا يخيف قياداتنا ولا يربكها بل يزيدها دعامة وتماسكاً". وأضاف أن الحركة اعتمدت هذا الخيار منذ نشأتها، لافتاً إلى أن رئيس الحركة سبق أن كتب كتاباً حول هذا الموضوع عنوانه "الوحدة والحق في الاختلاف" وبالتالي فإن الاختلاف مسموح ومطلوب داخل الحركة ويتم بكل شفافية وحرية.
وأشار رئيس كتلة "النهضة" إلى أنّ الأمر مسموح به ولكن هناك أيضاً خطوطاً حمراء وهي المساس بوحدة الحركة، إذ مهما كان الشخص ومكانته ومنصبه لا يمكنه المس بوحدة الحركة وتهديد وجودها وكيانها، لافتاً إلى أنه يمكن مع ذلك التعبير عن رفض التغوّل والأحادية في قرارات الحركة وهي مع ذلك تتحمل العبء الأكبر في إنجاح الانتقال الديمقراطي وضمان الاستقرار والأمن والنهوض بتونس.
ورأى أنّه لا فضل لأحد على أحد داخل الحركة، فكل الآراء تحظى بالتقدير وتُقيّم بإيجابية ومسؤولية، موضحاً أن التقييمات والتنبيه إلى وجود نقائص أو إخلالات لا يمكن أن يتحوّل إلى انشقاقات، وإن لم يحصل فالتوافق هو الفيصل. وأشار إلى أنه تم الاتفاق في مؤتمر ومجلس شورى الحركة على جملة من التوجّهات ومنها التشارك في إدارة الشأن السياسي في تونس وإنجاح المسار الديمقراطي ووضع الأولويات ودعمها، ومنها مقاومة الإرهاب ومحاربة الفساد وتنمية الاقتصاد واستكمال المؤسسات الدستورية ودفع التشغيل والنمو الزراعي وفصل الدعوي عن السياسي، معتبراً أن هذه المسائل تم البت فيها، أما المسائل الخلافية فهي قضايا جزئية وفرعية.
وحول رفض بعض القيادات خيارات رئيس الحركة ومنها لقاء الغنوشي بالقلال، قال البحيري إنّ الحركة اختارت رفض القطيعة ورفض الانتقام وهي ضد تصفية الحسابات، ومع المصالحة الوطنية الشاملة ودعم العدالة الانتقالية، وبالتالي فإن لقاء رئيس الحركة لشخصية ما هو رسالة بأنهم ضد القطيعة حتى لو كانت مع من يخالفونهم الرأي.

المساهمون