الاحتلال يصعد تهديداته لإرغام "حماس" على قبول شروطه

الاحتلال يصعد تهديداته لإرغام "حماس" على قبول شروطه

13 اغسطس 2018
نتنياهو: المعركة لن تنتهي بضربة واحدة (جيم هولاندر/فرانس برس)
+ الخط -

وسط إجماع كثير من المحللين على أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي لا تملك استراتيجية واضحة لمواجهة حركة "حماس"، وحرب الاستنزاف التي تشنها الحركة عبر مسيرات العودة، التأم الكابينيت السياسي والأمني لحكومة الاحتلال أمس الأحد، للمرة الثالثة في غضون أسبوعين، بعد أن عقد، الأسبوع الماضي، جلستين تحت مسمى بحث الأوضاع على الحدود مع قطاع غزة والبت في مقترحات التهدئة للمدى البعيد أو تهدئة لمدى قصير، في ظل جولات التصعيد العسكري، الأسبوع الماضي، وتبادل القصف الصاروخي من غزة والغارات الجوية لطيران الاحتلال.

وقد صعد رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، أمس الأحد، لهجة الخطاب ضد حركة "حماس"، ملمحاً إلى تطبيق خطط عمليات معدة وجاهزة، في إشارة واضحة إلى ما نشرته أمس صحيفة "هآرتس"، بأن الجيش أعد خططاً للبدء بعمليات تصفية جسدية واغتيالات لقادة حركة "حماس"، كبديل عن شن عملية عسكرية واسعة النطاق. وجاءت تصريحات نتنياهو بعد ساعات من نشر التقرير في صحيفة "هآرتس"، مع العلم بأن التلويح باغتيال قادة "حماس"، لم يتوقف على مدار الأشهر الماضية، وإن كان قد صدر عن وزراء من الصف الثاني في الحكومة، منهم أعضاء في الكابينيت، مثل وزير الإسكان، يوآف غالانط، ووزير الاستخبارات، يسرائيل كاتس، فضلاً عن تهديدات مماثلة لم يتوقف وزير الأمن الحالي، أفيغدور ليبرمان، عن توجيهها لقادة "حماس"، خصوصاً رئيس الحركة إسماعيل هنية.

وأعلن نتنياهو أمس، وسط تلويحه بالخطط الجاهزة، شروط إسرائيل للتهدئة مع "حماس"، ملمحاً، في الوقت ذاته، إلى أن المعركة ضد الحركة لا يمكن حسمها بضربة واحدة. وقال، في مستهل جلسة الحكومة الأسبوعية، "هذه المعركة تتضمن تبادل الضربات، والأمر لن ينتهي بضربة واحدة. لن نقبل بأقل من ذلك، لن أكشف هنا خططاً عسكرية، لكنها جاهزة. هدفنا هو استعادة الهدوء لسكان الجنوب وغلاف غزة، وستتم استعادة الهدوء الكامل". إلى ذلك، نقلت الإذاعة الإسرائيلية عن وزير في الكابينيت الإسرائيلي قوله، قبل بدء الاجتماع، إنه "ينبغي استنفاد الجهود للتوصل إلى تهدئة مع قطاع غزة، ولكن في حال أصرت حماس على شروطها فإنه سيكون علينا جباية الثمن منها والرد بالنيران".


وتشكل هذه التصريحات، مع التشديد من جديد على تهديد استهداف قادة "حماس"، دليلاً على حالة التخبط في صفوف حكومة الاحتلال، خصوصاً في ظل إعلان الجيش، من جهة، أنه جاهز لتنفيذ ما يطلبه منه المستوى السياسي، في سياق خطة التصفيات والاغتيالات، وإعلانه، في الوقت ذاته، أنه معني بتأجيل موعد الحملة الشاملة، بما فيها خطط لاجتياح بري، لأواخر العام المقبل، مع إتمامه الجدار الأمني الذي يقيمه على طول الحدود مع قطاع غزة. ومع التهديدات الجديدة، تواصلت في إسرائيل الانتقادات لما يسميه المحللون، خصوصاً معارضي نتنياهو، سواء من اليمين أم اليسار، بغياب الاستراتيجية الإسرائيلية في مواجهة "حماس"، وغياب موقف واضح لما تريده إسرائيل، خصوصاً في ظل استمرار نفي الحكومة الإسرائيلية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع "حماس"، في ختام جولة التصعيد العسكرية ليلة الأربعاء الخميس، والتشديد إسرائيلياً على تعبير عدم إطلاق النار وأن الهدوء يقابل بالهدوء.

في المقابل، ذكرت صحيفة "هآرتس"، أمس، أنه على الرغم من النفي الرسمي الإسرائيلي، إلا أن ديوان نتنياهو على اتصال دائم مع وفد دبلوماسي رفيع المستوى وصل إلى غزة يوم الجمعة الماضي بتكليف من الوسيط الدولي، نيكولاي ملادينوف، الذي أجرى اتصالات على مدار ثلاث ساعات مع قادة "حماس". وأضافت الصحيفة أنه بالرغم من تأكيد أعضاء الوفد على التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار، إلا أن مصدراً سياسياً رفيع المستوى أبلغ الصحيفة "لم نتعهد من طرفنا أمام الوسطاء بوقف إطلاق النار أو عدم الرد، فنحن في معركة يتخللها تبادل الضربات"، وهو نفس التعبير الذي استخدمه نتنياهو أمس في مستهل جلسة الحكومة الإسرائيلية قبيل انعقاد مجلس الكابينيت السياسي والأمني. وبالرغم من أنه يستبعد أن تعلن إسرائيل رسمياً عن قرارات الكابينيت، بما فيها المتعلقة بالنشاط العسكري الفوري والميداني للجيش، إلا أن حالة التخبط الداخلية في الكابينيت من شأنها أن تحول دون قرارات حاسمة، خصوصاً أن نتنياهو يخشى من تدهور الأوضاع إلى حالة تفقد فيها إسرائيل السيطرة على مجريات الأمور، لدرجة اندلاع مواجهة شاملة، في الوقت الذي يحاول فيه الاحتلال كسب الوقت لاعتبارات بعضها يتعلق بالجاهزية العسكرية والثمن الذي قد تتكبده دولة الاحتلال على شكل سقوط قتلى في صفوف جنودها، والبعض الآخر بالتطورات على الساحة الحزبية الداخلية، وزيادة فرص تبكير الانتخابات العامة للكنيست في إسرائيل لمطلع العام المقبل، بدلاً من موعدها الأصلي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019.

ومن المحتمل أن يكرر الكابينيت، كما في جلستيه الأخيرتين، تعبير تكليف الجيش وأجهزة الأمن ببذل كل جهد لاستعادة الهدوء وضمان أمن الإسرائيليين دون الخوض في تفاصيل هذه التعليمات، وإبقائها ضبابية لتأويلها تبعاً للتطورات الميدانية. في غضون ذلك، تتواصل الانتقادات بتآكل قوة الردع الإسرائيلية مقابل تكريس "حماس" معادلتها الحالية بالرد على كل إطلاق نار إسرائيلي، من جهة، وعدم ربط مشاريع إعمار غزة بإعادة جثتي الجنديين الإسرائيليين لديها هدار غولدين وشاؤول أورون، بل بالإفراج عن أسرى صفقة "وفاء الأحرار" الذين أعاد الاحتلال اعتقالهم في صيف 2014. وتدرك حكومة الاحتلال، من طرفها، أن أي صفقة أو تسوية مع "حماس" لا تضمن إعادة الجثتين تعني انتحاراً سياسياً لحكومة نتنياهو، في ظل استمرار ضغوط عائلتي الجنديين المذكورين. في المقابل، فإن خيارات إسرائيل العسكرية حالياً محدودة، وهو ما يعزز الاعتقاد بأن حكومة الاحتلال ستحاول الإبقاء على الوضع القائم، وعلى وتيرة جولات التصعيد المحدودة والمتكررة بين حين وآخر إلى أن تتمكن من كسر معادلات "حماس" المذكورة، وهو ما دفع للكشف عن "الخطط الجاهزة للاغتيالات" وتلميح نتنياهو إليها، لزيادة الحرب النفسية والحرب الإعلامية على حركة "حماس" وقادتها بشكل شخصي عبر التهديد باستهدافهم شخصياً.