خطاب أمير قطر: تأكيد للثوابت وأسس حل الأزمات

خطاب أمير قطر: تأكيد للثوابت وأسس حل الأزمات

25 سبتمبر 2019
دعا أمير دولة قطر لضمان حقوق الشعب الفلسطيني (Getty)
+ الخط -
أحاط خطاب أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أمس الثلاثاء، بجملة من القضايا الراهنة، والشديدة الإلحاح على الاهتمام الدولي، وكذلك التي يلزم أن تكون ملحة على مستوى صناعة القرار في عواصم العالم الكبرى. كما أن الخطاب لم يُغفل الإشارة إلى وجوب التعاون الدولي من أجل تيسير أسباب تقدم الشعوب والأمم، وكذا المشاغل التي صارت على أجندة الإنسانية عموماً، ومنها مسألة تغير المناخ.

وبذلك، اشتمل الخطاب على المبادئ والنواظم العامة التي تحتكم إليها سياسة دولة قطر وخياراتها، من قبيل حماية حقوق الإنسان وتعزيزها، والمبادئ والقيم الإسلامية التي تعلي قيمة الإنسان، وهو الأمر الذي بدا أساسياً في خطاب الأمير، ويمكن حسبانه جوهرياً في بناء المنظور العام الذي تقوم عليه رؤية الدوحة بشأن قضايا فلسطين وسورية واليمن وليبيا والسودان، والتي استعرض الخطاب مواقف قطر الثابتة بشأن الجاري فيها. ولا يصعب على الناظر في الأطروحات، التي أنصت إليها ممثلو دول العالم من أمير دولة قطر، الوقوع على صلات تربطها بشؤون حاضرة في دولة قطر نفسها، وتحديداً من حيث التشديد، مثلاً، على تنفيذ التزام الدوحة، على المستويين الوطني والدولي، الدفاع عن الحقوق الفردية والجماعية واحترام حقوق الإنسان وكرامته. وقد جاء الخطاب في هذا الخصوص على إنجازات قطر، فيما يتعلق بحقوق العمال وظروف العمل، بالتنسيق مع منظمة العمل الدولية.

ولمّا كانت مسألة أمن الخليج تتصدر اهتمام المجتمع الدولي، لا سيما أن المستجدّات المتسارعة في الإقليم تبعث على التحسّب من مفاجآت تُفاقم التوتر الظاهر، خصوصاً بين الولايات المتحدة وإيران، وبين طهران وغير طرف خليجي، إلى احتراب قد لا تصير السيطرة على عواقبه ممكنة. ولما كانت الدبلوماسية القطرية قد نشطت في جهود معلنة من أجل خفض التوترات المنظورة، فقد جاء خطاب الأمير على تأكيد الأسس الأوجب أن يظل التأكيد عليها دائماً، وغير خاضع لأهواء ورهانات وحسابات عارضة، ومنها أن تجنيب المنطقة المخاطر يكون باعتماد الحوار، وأن تحقيق الاستقرار لمنطقة الخليج حاجة إقليمية ودولية.

ومعلوم أن ما سبق أن طرحه أمير قطر، في غير مناسبة، عن ضرورة العمل على إنشاء نظام أمن إقليمي يحفظ لمنطقة الشرق الأوسط، والخليج خصوصاً، أمنها واستقرارها، فقد جاءت الأحداث المستجدّة أخيراً لتؤكد أهمية هذه الفكرة، وضرورة العمل على تحقيقها، وذلك بحسب ما نوه إليه الخطاب الأميري أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. ولا يستقيم التأكيد المتجدد على هذه الضرورة، من دون الإتيان على حال انعدام التعاون الواجب والجدي بين دول مجلس التعاون الخليجي، الذي أصاب خطاب أمير دولة قطر في وصفه مشلولاً، فاقداً دوره، بسبب الحصار المفتعل الأسباب، الذي فرضته بعض الدول على دولة قطر، وهو الحصار الذي جاء مهماً جداً أن يُعرف مجدداً، بمناسبة انتظام أعمال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة حالياً، أن دولة قطر تجاوزت آثاره، كما أبلغ الأمير تميم العالم، وكما أوضح أن ذلك بفعل صمود الشعب القطري وإخوانه المقيمين في قطر.


ولا يعدم المراقب والمتابع لما توالى من وقائع، منذ بدأ الحصار، في يونيو/حزيران 2017، الدلائل والشواهد على إدراك الرأي العام الخليجي والعربي والعالمي "الأهداف الكامنة من الحملة الدعائية على دولة قطر، والمدفوعة بنزعات الهيمنة وفرض الوصاية والسيطرة على مُقدرات الدول الأخرى، والغرض الحقيقي من توجيه الاتهامات التي سرعان ما ثبتَ بُطلانها. وقد حصل ذلك، مثلما انكشف هذا النهج مرات متكرّرة حينما وقعت ضحيته دول أخرى"، بعبارات الأمير في خطابه، الذي أعاد التذكير بقرار الدوحة، الذي قوبل في عواصم الغرب والشرق بتقدير واحترام كبيرين، ومضمونه أن "الحوار غير المشروط القائم على الاحترام المتبادل ورفع الحصار الجائر، هو السبيل لإنهاء هذه الأزمة".

وكما اعتاد العالم أن يسمع من أمير دولة قطر، في منظمات أممية ودولية، وفي المقدمة الجمعية العامة للأمم المتحدة، جاءت فلسطين وقضيتها أولاً بين الهموم العربية في الخطاب الجديد، والتي لم يختلف الطرح بشأنها عن المضمون الثابت الذي لا تهزه متغيرات ولا طوارئ ولا مستجدات. وقال أمير قطر إنه "ثبت أن التسويات القائمة على فرض منطق القوة لا تؤدي إلا إلى خرقها، والتنكر لها بمنطق قوة الاحتلال أيضاً. أما السلام الدائم فهو الذي يقوم على العدل، وهذا يعني ضمان حقوق الشعب الفلسطيني الذي سُلبَ وطنه، وعلى رأسها إقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لجميع الأراضي العربية المحتلة، بما فيها الجولان السوري والأراضي اللبنانية".

ولم تغب معاناة الشعب السوري للعام الثامن على التوالي، عن خطاب أمير دولة قطر، الذي أشار إلى أن  "المسؤولية الأساسية عن الإخفاق في فرض الحل السياسي، الذي نفضله جميعاً في سورية، يعود أساساً إلى عجز مجلس الأمن عن حماية المدنيين واتخاذ القرار اللازم لوقف إراقة الدماء واستمرار تعنت النظام السوري، ورفضه لكافة المبادرات الإقليمية والدولية". وانطلاقاً من الرؤية نفسها التي تصدر دوماً عن نبذ الحروب، والدأب في البحث عن تسويات وسبل حوار لحل النزاعات وإنهاء التوترات، تحدث أمير قطر، في خطابه، عما يمكن أن تعد خطوطاً عريضة جوهرية، تسعف اليمن وليبيا، وتنقذ شعبي هذين البلدين العربيين من أوضاع اقتتال لها تداعيات إنسانية حادة. كما أن في دعوة أمير قطر إلى رفع السودان من قوائم الدول الداعمة للإرهاب، وإلى معاونة السلطة الجديدة في هذا البلد، من أجل عبوره إلى تحقيق تطلعاته في الأمن والاستقرار والتنمية، ما يستحق انتباهاً كبيراً من المجتمع الدولي الذي تقع عليه مسؤوليات كبرى، على ما أوضح الخطاب في غير ملف وشأن.

المساهمون