هل تؤتي إعادة توجيه السياسة الألمانية تجاه أنقرة ثمارها؟

هل تؤتي إعادة توجيه السياسة الألمانية تجاه أنقرة ثمارها؟

24 يوليو 2017
خلاف معلن إلى حين انتهاء الموسم الانتخابي في ألمانيا(الأناضول)
+ الخط -
بعد أن وصل الخلاف أخيرًا بين برلين وأنقرة الى نوع جديد من التصعيد، مع رد الفعل الألماني الحاد تجاه السلطات التركية، عقب اعتقال ناشطين مدافعين عن حقوق الإنسان، بينهم ناشط ألماني؛ يبدو أن العلاقات السيئة حاليًّا بين الدولتين ستنعكس سلبًا على الملف السياسي والتبادل الاقتصادي.

ويأتي ذلك في ظل اتخاذ برلين توجهًا جديدًا في السياسة الخارجية، إذ رفعت درجة تحذيراتها لمواطنيها من السفر إلى تركيا؛ لأنها لم تعد قادرة على ضمان سلامتهم، إضافة إلى إعلانها بأنه سيعاد النظر في الضمانات السيادية التي تقدمها برلين للشركات الألمانية في تركيا، في وقت لجأت أنقرة فيه إلى توجيه اتهامات مباشرة لشركات ألمانية بدعم الإرهاب.


في هذا الإطار، يرى خبراء في الشؤون السياسية الألمانية أنه لا يخفى على أحد أن التصعيد الحالي جاء في توقيت يساهم في التحشيد لحملات الانتخابات التشريعية العامة في ألمانيا، المقررة في سبتمبر/أيلول المقبل، وكان على وزير الخارجية، زيغمار غابرييل، أن يقدم، وبالتنسيق مع المستشارة أنغيلا ميركل وزعيم حزبه، مارتن شولتز، على خطوة ما أمام الألمان للرد على التصرف التركي.

وجاء ذلك بالفعل، عندما أكد في المؤتمر الصحافي، الخميس الماضي، أن ألمانيا بحاجة لتوجيه سياستها مع تركيا إلى مسار جديد، وعلى المسؤولين الأتراك أن يفهموا أن مثل هذه السياسات لن تمر دون عواقب"، علمًا أن الخبراء يؤكدون أن البناء على العلاقات الألمانية التركية المستقبلية لا يمكن أن يتحدد خطه البياني إلا بعد انقضاء الانتخابات في البلاد، متوقفين عند الخطاب المفتوح لغابرييل الذي توجه به للمواطنين المتحدرين من أصل تركي، والمقيمين في ألمانيا لكسب ودهم، ونشرته "بيلد" السبت باللغتين التركية والألمانية، وشدد فيه على أنه "مهما بلغت صعوبة العلاقات التركية الألمانية؛ سيظل واضحًا بالنسبة لنا أنكم تنتمون إلينا، سواء كنتم تحملون جوازات السفر الألمانية أم لا".



وفي ظل التوقعات التي تشير إلى نية ألمانيا التوقف عن استصدار أي تراخيص تصدير جديدة للمعدات العسكرية إلى تركيا، البلد العضو في حلف "الناتو"، والتي وافقت الحكومة الألمانية في العام 2016 على صفقات منها بلغت قيمتها 83.9 مليون يورو، يرى اقتصاديون أنه في حال جمدت ألمانيا عددًا من طلبات صفقات الأسلحة المقررة مع أنقرة، فإن الشركات الألمانية ستكون مضطرة لدفع البنود الجزائية والتعويضات على العقود المبرمة، خاصة وأنه ليس من هناك عقوبات اقتصادية دولية على تركيا أو أي قرار أممي يمنع ذلك.

وفي ما يتعلق بالقروض، فإن خيارات برلين تبقى محدودة، والخطوات المقبلة ستجري بشكل رئيسي في بروكسل لاتخاذ قرار أوروبي بتجميد المساعدات، والتجميد لا يعني الإلغاء، كما أنه سيكون على الاتحاد الأوروبي التحدث بصوت واحد بهذا الخصوص. مع العلم أنه، لغاية الآن، ليس هناك موقف موحد تجاه قضية تركيا، لأن الاتحاد عادة ما ينظر إلى الأمور انطلاقًا من القضايا التي قد تؤثر على اقتصادات الدول الأعضاء، وعليه سيكون من الصعب على ألمانيا المزيد من المخاطرة والتصعيد في التعامل مع أنقرة؛ بالمقارنة مع العقوبات التي فرضت على روسيا بعد ضم شبه جزيرة القرم.

ويرى هؤلاء كذلك أن تركيا ليست بلدًا عدوًّا، وألمانيا ليست في حالة حرب معها، كما أن أنقرة دولة عضو في حلف شمال الأطلسي منذ عقود، وبرلين أكبر شريك تجاري لأنقرة في مجال التصدير، وسيكون من الضروري إيجاد خط مشترك معها نظرًا لموقعها الاستراتيجي وأهميتها بالنسبة لأوروبا في الاقتصاد، والأمن، وأزمة اللاجئين التي تعاني منها القارة العجوز، والذين لا ترغب ألمانيا في أن تجد نفسها مجددًا، وهي على أبواب الانتخابات، أمام موجة جديدة منهم، كما حصل في العام 2015. وعليه، يمكن القول، إن البلدين يمران بأزمة ثقة خطيرة، إنما ليس هناك من نية لقطع العلاقات أو تشديد العقوبات.

أمام هذا الواقع، حذّر خبراء، وبينهم خبير شؤون الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية الألماني، راينر ستينر، في حديث صحافي، من ممارسة كثير من الضغوط على تركيا، لأن هذا الأسلوب من الضغط على شخصية مثل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لا يؤتي نتيجة، وذكر أن السياسة الألمانية في التصعيد الحالي لم تكن بريئة تمامًا. ولفت إلى أن محاولة الانقلاب التي حصلت العام الماضي، لم تؤخذ على محمل الجد في ألمانيا، وفي بعض الدوائر كان هناك أمل "سرّي" بأن تكون ناجحة، وعليه سيكون من الخطأ اعتماد لغة التهديد والتشدد فقط، وعلى ألمانيا وأوروبا أن تجعلا تركيا تدرك أن التعاون في بينهما هو الأهم.

وكانت التعليقات والتصريحات قد توالت من المسؤولين الألمان حول الأزمة الأخيرة مع تركيا، فلم يستبعد رئيس ديوان المستشارية، بيتر التماير، أخيرًا، اتخاذ المزيد من التدابير والإجراءات التي تخص السياحة والاستثمار والقروض والضمانات الحكومية للاستثمار والدعم المالي للصادرات إلى تركيا التي بلغت 20.6 مليار يورو عام 2016. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد تخطّاه زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي، مارتن شولز، إلى القول، إن تركيا عبرت "الخطوط الحمراء"، ورأى أنه لم يعد بإمكان ألمانيا الوقوف جانبًا ومشاهدة التعسف الذي يسود في تركيا، داعيًا إلى تعليق المفاوضات الرامية إلى توسيع الاتحاد الجمركي معها، وإعادة النظر في المساعدات المالية الأوروبية لدعم اقتصادها. علمًا أنه من المتوقع أن تصل قيمتها، بحلول العام 2020، إلى 4.45 مليارات يورو تقريبًا، والتي لم يدفع منها سوى 200 مليون، بسبب الوضع المتأزم بين الجانب الأوروبي وتركيا.

بدوره، اعتبر وزير المالية الألماني، فولفغانغ شويبليه، في حديث لصحيفة "بيلد"، أن الوضع بتركيا يذكره بالوضع الذي كان سائدًا في أيام جمهورية ألمانيا الديمقراطية عام 1989.