تحقيق مولر بمرحلته الأخيرة... ومعركة مقبلة بين ترامب وسيشنز

تحقيق مولر في مرحلته الأخيرة... ومعركة مقبلة بين ترامب وسيشنز

01 يونيو 2018
أعرب ترامب عن ندمه لتعيين سيشنز (نيكولاس كام/فرانس برس)
+ الخط -

مع كل تأزم يواجهه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ملف التحقيق بالتدخّل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية، يُدرك ترامب حدود قدرته في التأثير على التحقيق ومساره القضائي، وبالتالي يصبّ هذا الإحباط على وزير العدل وحليفه السابق جيف سيشنز الذي كان يراهن الرئيس الأميركي عليه كخط دفاع أول في معركته المفتوحة ضد مكتب التحقيق الفيدرالي (إف بي آي).

كان سيشنز من أوائل الداعمين في الكونغرس لحملة ترامب الانتخابية، وكان بمثابة العقل المفكّر المحافظ الذي وضع أفكار ترامب حول الهجرة والأمن القومي على ورق وترجمها إلى أفعال، حين أوصى بتعيين الناشط اليميني المحافظ ستيفن ميلر في منصب كبير مستشاري البيت الأبيض. لمكافأته على هذا الدعم، عيّن ترامب حليفه وزيراً للعدل، في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ما أدى إلى ردود فعل معارضة من مجموعات ليبرالية، وفي النهاية صادق مجلس الشيوخ على تعيينه بـ52 صوتاً فقط من أصل 100.

منذ توليه منصبه، حافظ سيشنز على هذه الأجندة المحافظة في أكثر الوزارات حساسية وتأثيراً على المجتمع الأميركي. قام سيشنز بحملة تطهير في وزارة العدل، في مارس/آذار 2017، أقال فيها حوالي 46 مدعياً عاماً وأوقف جزءاً كبيراً من البرامج الليبرالية في وزارة العدل، وتشدد في تطبيق قوانين الهجرة على الحدود. لكن في الملف الأهم بالنسبة لترامب، وهو التحقيق في التدخّل الروسي، قرر سيشنز، في شهر مارس 2017، النأي بنفسه عن التدخّل بعد ضغوط من الكونغرس وتسريبات إعلامية حول لقاءين أجراهما عام 2016 مع السفير الروسي السابق لدى واشنطن، سيرغي كيسلياك. حفاظاً على مصداقيته كوزير للعدل، لم يكن أمام سيشنز سوى خيار النأي بنفسه عن التحقيق، لا سيما بعدما كان قد نفى تحت القسم خلال جلسة التصديق على تعيينه في مجلس الشيوخ، في شهر يناير/كانون الثاني 2017، أي اتصال له مع الروس.

قرار النأي هذا لم يتفهمه ترامب حتى الآن، وهو أساس التوتر بين الرئيس الأميركي ووزير العدل. بعدها اضطر ترامب ليدخل بنفسه على خط المواجهة ويقيل مدير "إف بي آي" الأسبق، جيمس كومي، في مايو/أيار 2017، ما أدى إلى تعيين روبرت مولر محققاً خاصاً وإخراج ملف التحقيق من "إف بي آي". واللافت كان ما كشفته صحيفة "نيويورك تايمز"، يوم الثلاثاء الماضي، حول تركيز مولر على اللقاء الذي حصل بين ترامب وسيشنز في ولاية فلوريدا، خلال شهر مارس 2017، حين طلب الرئيس من وزير العدل التراجع عن قراره بالنأي عن التدخّل في التحقيق الروسي، والإشراف شخصياً على مولر بدل نائبه رود روزنشتاين. هذا يعني أن ضغوط ترامب على سيشنز أصبحت ضمن ملف عرقلة العدالة الذي سيرفعه مولر إلى وزارة العدل، في وقت لاحق هذا العام. وبعدما اقتنع باستحالة الضغط على روزنشتاين الذي يشرف على مولر، عاد ترامب مجدداً، هذا الأسبوع، إلى نغمة الندم على تعيين سيشنز، في محاولة جديدة لحثه على التخلي عن النأي بنفسه عن التحقيق.


كل هذه الضغوط أثبتت عدم فعاليتها، فالثنائي سيشنز-روزنشتاين متمسك بحماية تحقيق مولر حتى النهاية، وأبلغا البيت الأبيض أنهما مستعدان لقرار طردهما إذا دعت الحاجة، ويتمتعان في هذا السياق بدعم الكونغرس، لا سيما مجلس الشيوخ. وبالتالي يُدرك ترامب التداعيات القانونية والسياسية لأي قرار بإقالة قيادات وزارة العدل.
غير أن فريق ترامب القانوني، بقيادة رودي جولياني، يحاول في الفترة الأخيرة إدارة معركة إعلامية هجومية ضد مولر بفعالية محدودة على مسار التحقيق. وزارة العدل تمكنت من امتصاص مطالب ترامب بالتحقيق في دس عميل من "إف بي آي" داخل حملته، إذ طلبت الوزارة من المفتش العام النظر في الأمر، لكن الوزارة تعلم ضمناً أن مثل هذه الأمور لا تحصل من دون أوامر قضائية. لكن هذه الحملات على مولر كانت نتائجها أكثر فعالية على مستوى الرأي العام. ترامب كرر وصف تحقيق مولر بأنه "مطاردة الساحرات"، واتهم مولر، هذا الأسبوع، بأنه يستخدم التحقيق للتدخّل في انتخابات الكونغرس النصفية هذا العام. في استطلاع أجرته "شبكة سي إن إن"، خلال الشهر الماضي، أبدى 44 في المائة من الجمهوريين موافقتهم على طريقة عمل مولر، فيما كانت هذه النسبة 48 في المائة في شهر مارس/آذار الماضي. وباعتبار أن مولر كمحقق يعمل بسرية وليس بإمكانه الرد على هذه الحملات، نجح ترامب في هذه المواجهة الإعلامية في تقويض صورة مولر أمام الرأي العام، على عكس كومي الذي كان أكثر احتكاكاً بالإعلام، نظراً لطبيعة منصبه في تلك الفترة كمدير لـ"إف بي آي".

المعلومات تشير إلى أن مولر يسعى لإنهاء التحقيق بحلول نهاية الصيف، لتفادي أي تزامن مع الحملات الانتخابية لهذا الاقتراع التشريعي في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وبالتالي فإن الولايات المتحدة دخلت في الشوط الأخير من هذا التحقيق قبل أن يفتح مولر كل أوراقه المستورة ويكشف عن تقرير مفصل فيه توصيات بالإجراءات التي يجب اتخاذها، بما في ذلك المسار القضائي.

المعركة المقبلة بين ترامب ووزارة العدل ستكون عند رفع مولر تقريره إلى روزنشتاين، عندها سيكون على الأخير مسؤولية اتخاذ القرار بنشره وإحالته إلى الكونغرس. وعلى الأرجح سينفذ روزنشتاين القانون ويرفع التقرير إلى الجهات المعنية في الكونغرس وينشر أجزاء منه، من دون المعلومات السرية، لحماية خصوصية المتهمين وانتظار إدانتهم أمام السلطة القضائية. عندها سيعود لترامب قرار إقالته أم لا، لمنعه من اتخاذ هذه الخطوة، وإذا قرر الإقالة ستدخل الولايات المتحدة في أزمة دستورية تتعدى المناوشات الحالية بين الرئيس ووزارة العدل. عندها سيكون الكونغرس الجهة الوحيدة المخوّلة لفض هذا النزاع.