الانتخابات الإسرائيلية (12): أثر الماريجوانا

الانتخابات الإسرائيلية (12): أثر الماريجوانا

04 ابريل 2019
بات استخدام الحشيش مقبولاً بشكل أكبر إسرائيلياً(توماس كوكس/فرانس برس)
+ الخط -
منذ الانتخابات الإسرائيلية عام 1977، التي أتت بالانقلاب السياسي الأول، وأطاحت حكم اليسار الإسرائيلي ممثلاً بحزب العمل على تسمياته المختلفة (مباي، أحدوت هعفوداه، هعفوداه، المعراخ)، ولكل انتخابات في إسرائيل مقولة، أو شعار، أو حركة ظهرت عشية الانتخابات، كان لها أثر بارز في التحوّل السياسي، أو في حسم المعركة الانتخابية والإبقاء على الوضع القائم من دون تغيير هوية الحزب الحاكم، لكن مع تغيير في المناخ السياسي أو الاجتماعي بدرجات متفاوتة.

ويبدو أن الانتخابات الحالية في إسرائيل، المقررة في 9 إبريل/ نيسان الحالي، ستُحسم على ما يبدو ليس بفعل التوتر الأمني مع قطاع غزة، أو ملفات الفساد التي يواجهها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بقدر ما ستحسمها النتيجة الانتخابية التي سيحصل عليها حزب الماريجوانا، وللدقة حزب "زهوت" الذي يعلن زعيمه المتطرف موشيه فيغلين أن أحد أهم شروطه لبناء الائتلاف الحكومي المقبل سيكون القبول بتشريع نبتة الماريجوانا، وتسهيل بيعها في السوق بحرية مطلقة، كما هو الحال في بعض الدول الغربية ولا سيما هولندا.

حتى قبل ثلاثة أسابيع، كان نتنياهو واثقاً من الفوز، على الرغم من كل قضايا الفساد التي تلاحقه، ومن أن استطلاعات الرأي كانت، وما زالت، تمنح حزب "كاحول لفان" بقيادة الجنرال بني غانتس، تفوقاً في عدد المقاعد، إلا أن إجمالي عدد المقاعد للأحزاب المؤيدة لنتنياهو كان يمنح الأخير ائتلافاً حكومياً واسعاً يعتمد على ما لا يقل من 62 مقعداً من أصل 120 مقعداً في الكنيست.
كل "الزلات" والسقطات الإعلامية في الدعاية الانتخابية لنتنياهو، بما فيها محاولة الإيحاء بأن غانتس غير متزن نفسياً، لم تؤثر في ثقة نتنياهو شيئاً، إلى أن بدأت الاستطلاعات الإسرائيلية منذ مطلع مارس/ آذار الماضي تشير إلى أن موشيه فيغلين، زعيم حزب "زهوت يهوديت"، سيتمكّن من اجتياز نسبة الحسم، والحصول على 4 مقاعد على الأقل. ويوماً بعد يوم، ومن استطلاع لآخر، بدا أن فيغلين يحقق عدداً أكبر من المقاعد ويصل إلى شرائح جديدة، من اليمين واليسار، ولا سيما أقصى اليسار، فقط بفعل تبنّيه ورفعه شعار تشريع استخدام الحشيش وبيعه في الأسواق.

أثارت هذه النتائج الكثير من الجدل في إسرائيل، لكنه كان جدلاً مصحوباً بكثير من الاستخفاف وربما الدعابة، إلى أن بدأ فيغلين نفسه يعلن أنه ليس في جيب أحد، وأخذ يطرح مطالب محددة مقابل مجرد تأييده لتكليف أي من زعيمي الحزبين الأكبرين، بنيامين نتنياهو، أو غانتس، لدى رئيس الدولة لتشكيل الحكومة المقبلة.
فيغلين الذي كان عام 2013 عضواً في الكنيست عن "الليكود" وشكّل معارضة يمينية داخل الحزب لنتنياهو، ما دفع الأخير إلى التخلص منه في الانتخابات التمهيدية عام 2015، طرح مطلبين رئيسيين: وزارة التربية والتعليم، ووزارة المالية، إلى جانب التعهّد بتمرير قانون تشريع استخدام الماريجوانا.

حتى ظهور فيغلين وشرائه، كما تبيّن هذا العام، لحقوق حزب "الورقة الخضراء" الذي نافس في كل دورة انتخابية منذ عام 1999 تحت راية تشريع استخدام الحشيش، كان يُنظر إلى الحزب وأنصاره نظرة استخفاف من مجمل الساحة السياسية والحزبية في إسرائيل، مصحوبة بازدراء بارز من هذا السقوط الأخلاقي. لكن الصورة تغيّرت هذا العام، ففي الثامن من مارس/آذار، أعلن نتنياهو لأول مرة، في محاولة لاحتواء أنصار الحزب واستمالتهم لـ"الليكود" وللتصويت له، أنه يدرس إمكانية تشريع استخدام الحشيش، علماً بأن هناك حركة واسعة في إسرائيل تطالب برفع كل القيود عن استخدام الحشيش لأغراض العلاج. لكن هذا الإعلان لم يبد جدياً بقدر ما بدا أنه مناورة انتخابية.

واصل فيغلين دعايته الانتخابية، وبدا أنه يجذب يوماً بعد يوم المزيد من الأنصار، خصوصاً من شرائح اجتماعية في اليسار كانت معروفة عادة باستخدام الحشيش، ولكن من دون المجاهرة به، بل كان أي اعتراف أو تصريح أو زلة لسان لسياسي ونائب عن استخدامه الحشيش، ولو عندما كان في المرحلة الثانوية، يُعتبر ذنباً لا يغتفر. لكن السنوات الأخيرة شهدت تغييراً في هذا المجال، واعترف عدد من النواب، بينهم ميكي روزنتال، وشيلي يحيموفيتش، ويئير لبيد وآخرون، أنهم دخنوا الحشيش في المرحلة الثانوية أو في مرحلة الدراسة الجامعية، وصار موضوع الحشيش مقبولاً اجتماعياً، أو على الأقل أمراً يجوز طرحه في البرنامج الانتخابي.
وبعد أن عادت الاستطلاعات لتثبت قوة حزب "زهوت" بقيادة فيغلين كحزب سيحصل على 7 مقاعد، وأن جمهور ناخبيه هم من الشباب واليسار وحتى من التيار الديني الصهيوني، عاد نتنياهو من جديد، ليعلن أول من أمس، بشكل رسمي وأكثر جدية، أن "من يريد تشريع استخدام الحشيش عليه التصويت لليكود"، مظهراً حجم هلعه من سيناريو تفوّق فيغلين وحصوله على 7 مقاعد من دون التزام بدعم ترشيحه لتشكيل الحكومة المقبلة.


لم يعد الأمر مجرد مناورة، بل بات جزءاً من دعاية رسمية لضمان عدم خسارة معسكر اليمين لأصوات من شأن فقدانها أن يحسم شكل الخريطة الحزبية في إسرائيل. وقد أثار هذا الإعلان استهجاناً عند أوساط في "الليكود"، لكن يبدو أن هذا الخطاب هو طوق نجاة يحاول نتنياهو أن يتعلق به ليضمن أغلبية مقاعد لمعسكر يمين يخضع لسيطرته، وكي لا يجد نفسه تحت رحمة موشيه فيغلين.
وانتقلت عدوى منافسة فيغلين وشعار تشريع استخدام الحشيش، إلى زعيم "اليمين الجديد" نفتالي بينت، الذي شنّ، أمس الأربعاء، هجوماً على فيغلين، موجهاً خطابه لشريحة الشباب في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة، ومذكراً إياهم أن فيغلين ليس يمينياً بما فيه الكفاية، بل هو يساري، وأن التصويت له سيأتي بالجرافات لهدم المستوطنات والبؤر الاستيطانية وإخلائها.

"أثرُ فيغلين"، أو "أثر الحشيش"، لم يبقَ محصوراً في الجناح اليميني من الخارطة الإسرائيلية، فحزب "ميرتس" اليساري، المعروف بأنه أكثر الأحزاب الإسرائيلية ليبرالية، وجد نفسه يتعرض لنهب أصواته من قبل مرشح وسياسي يميني متطرف يدعو لإقامة "ملكوت إسرائيل"، فأطلق هو الآخر حملة دعائية وجّهها لأنصاره في اليسار، ولا سيما شريحة الشبان والمصوتين لأول مرة، يحذر فيها من التصويت لحزب "زهوت" بقيادة فيغلين. وركز "ميرتس" على أن برنامج فيغلين الانتخابي، وإن كان يدعو لتحرير الفرد من سطوة الدولة وقبضتها، إلا أنه يدعو إلى دولة تسير على هدى التوراة، وتقوم مؤسسات الحكم فيها في قلب القدس المحتلة، بجوار الحرم القدسي، وتقوم على أنظمة التوراة وتشريعاتها، بما فيها رفض حقوق المثليين جنسياً، ومنع أي حقوق لهم، بل ملاحقتهم واضطهادهم، فضلاً عن التشريعات العنصرية، والتأويلات الدينية والربانية "لمهمة شعب إسرائيل على الأرض، لحكم باقي الشعوب تحت رايته".

لم تبق على الانتخابات الإسرائيلية سوى ستة أيام، يبدو فيها "الليكود" بقيادة نتنياهو في حالة تأهب شديد، خصوصاً بعد أن أطلق نتنياهو "نداء الاستغاثة" التقليدي الذي يطلقه كل مرة، مع التزامه جانب الحذر هذه المرة من المس بالأحزاب اليمينة الصغرى، إذ دعا ناخبي "الليكود" التقليديين إلى عدم الاسترخاء، والخروج للتصويت والعمل يوم الانتخابات لجلب الناخبين إلى مراكز الاقتراع، محذراً من أن ناشطي اليسار هذه المرة يملكون حماساً شديداً، مقابل حالة استرخاء عند اليمين. ويبدو أن "أثر الحشيش" بات في المعركة الانتخابية الإسرائيلية صاحب أكثر تأثير محتمل على نتائج الانتخابات، خصوصاً إذا تحققت توقعات الاستطلاعات وفاز حزب "زهوت" بقيادة فيغلين بعدد من المقاعد (5 مقاعد على الأقل) تجعل من الحزب "بيضة القبان" الذي يمكن له أن يفرض شروطه على نتنياهو أكثر من أي حزب يميني آخر.