عودة التراشق الإيراني السعودي

عودة التراشق الإيراني السعودي

15 أكتوبر 2014
أعادت تصريحات الفيصل إبراز الخلافات (فرانس برس)
+ الخط -

عاد التراشق بالتصريحات والاتّهامات بين طهران والرياض إلى الواجهة من جديد، على الرغم من الودّ الذي ظهر خلال لقاء جمع وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، بنظيره الإيراني، محمد جواد ظريف، في نيويورك على هامش اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة في شهر سبتمبر/أيلول الماضي. يومها أكدا ضرورة تطوير العلاقات الثنائية بينهما، الأمر الذي اعتبره مراقبون، في حينه، أنه سينعكس إيجاباً على الكثير من الملفات في المنطقة، ولا سيما الملف السوري، إلا أنّ المعطيات تشير إلى أنّ الخلاف بينهما لا يزال قائماً، في شأن الكثير من القضايا.

ظهر الخلاف مجدداً، بعد أن وصف الفيصل وجود القوات الإيرانية على الأرض في سورية بأنه احتلال، مطالباً طهران بسحب قواتها وعدم التدخل في شؤون المنطقة.

في المقابل، ردّ رئيس دائرة الشؤون العربية والإفريقية في الخارجية الإيرانية، حسين أمير عبد اللهيان، على هذه التصريحات، معتبراً أن بلاده تساعد الحكومتين السورية والعراقية في حربهما ضد الإرهاب، وطلب من السعودية أن تكون متنبهة لما وصفه بـ"المؤامرة التي يحيكها أعداء المنطقة".

يختلف الطرفان الإيراني والسعودي على كل الملفات الإقليمية تقريباً، وتدور حرب سياسية بينهما ولا سيما في اليمن والبحرين، إذ وصلت التراشقات إلى هناك أيضاً، فبعد الاتهامات السعودية بدعم إيران الحوثيين في اليمن، ردّ عبد اللهيان بأنّ ما يجري هناك شأن داخلي. وفي البحرين عارضت طهران قبل سنوات دخول قوات درع الجزيرة. وعادت الخارجية الإيرانية أخيراً لتطلب من الرياض سحب قواتها العسكرية من هناك، والسماح للعملية السياسية بأن تسير بشكل طبيعي، لتشكيل حكومة وفاق وطني تضمّ المعارضين البحرينيين.

يبدو أن الخلاف في هذين المكانين يُبرز خلافاً أيديولوجيّاً قويّاً بين قوتين إقليميتين مؤثرتين، ولكن الخلاف عمّا يحدث في سورية هو الأبرز، حسب ما يرى محللون، وهو السبب في عدم قدرتهما على تحقيق اتفاق معلن رغم جلوسهما إلى الطاولة معاً.

كتب موقع "إيران ديبلوماسي" أخيراً أنّ الولايات المتّحدة تحاول أن تجمع الطرفين الإيراني والسعودي على طاولة حوار واحدة، فهذا سيكون كفيلاً بتخفيف التوتر في سورية، بسبب الدور الذي تستطيع أن تلعبه طهران سياسيّاً هناك.

وأضاف الموقع أنّ الولايات المتحدة لن تمانع خيار جرّ الرئيس السوري، بشار الأسد، إلى طاولة حوار مع المعارضة المعتدلة، وأنّ الطرفين الإيراني والسعودي يستطيعان المساعدة في تحقيق هذا الخيار، فواشنطن شكّلت تحالفاً دوليّاً للانقضاض على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وتدرب السعودية عناصر من المعارضة وتسلّحها.

صحيح أنّ هذا الأمر ترفضه إيران جملةً وتفصيلاً، إلا أنّ هذا السيناريو الأميركي سيضع الأسد أمام خيارين، ولا سيما أنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة أن تطيل عملياتها زمنيّاً ضد "داعش"، فإمّا تقدّم التنظيم أو غيره من جديد، أو التحالف مع المعارضة المعتدلة. ها هي تجهز البدائل على الأرض حسب "إيران ديبلوماسي"، وهذه البدائل قد تستطيع إكمال الحرب بدلاً من التحالف الدولي، والتقارب الإيراني السعودي، قد يؤثر في وضع صيغة وسطية، تفكّ الاشتباك ولو نسبيّاً في سورية.

ولكن عوائق هذا الأمر كثيرة، أولها أن أطرافاً إقليمية كثيرة عربية وغير عربية، لا تريد إبقاء الأسد في السلطة مهما كان الثمن، فحتى لو تغاضت واشنطن عن الأمر، إلا أن آخرين لن يسمحوا به، مثل تركيا والسعودية، وهو أمر تدركه طهران جيداً. وهو ما كان سبب رفضها مبدأ التحالف الدولي، رغم العرض الذي تقدّمت به سابقاً، بالمساعدة في مكافحة الإرهاب، ثم عادت وتراجعت عنه.

كل هذا يجعل التوقعات بعودة المياه إلى مجاريها بين طهران والرياض تتضاءل، حتى وإن حصل تقارب نسبي، إلا أنّ هذا لن ينهي الدور التنافسي بينهما كما يرى المراقبون، طالما تزاحمت الملفات.

في ساحة التحليل، رأى البعض أنّ طهران تسعى إلى بناء تحالف إقليمي على غرار التحالف الدولي الذي شكّلته الولايات المتحدة لمحاربة "داعش"، فازدادت التصريحات الإيرانية الصادرة على لسان مسؤوليها، والتي تدعو إلى ضرورة عدم التدخل الخارجي في المنطقة، وضرورة تعاون دولها لمحاربة الإرهاب من جذوره، وهو ما يُقرأ أيضاً عند تحليل خطاب عبد اللهيان.

إلى ذلك، تحاول إيران منذ تولي الرئيس الإيراني، حسن روحاني، السلطة، تحقيق معادلة التوافق الإقليمي على حساب العداوات التي ازدادت خلال السنوات الأخيرة. ولعل توطيد العلاقة والتجهيز لزيارة تاريخية لوزير الخارجية الإيراني إلى الرياض، قد يحقّق هذا الأمر.

إلاّ أن المعطيات الحالية، لا توحي بتوافق قريب بالمطلق، فرغم التسريبات التي خرجت في وقت سابق على لسان مسؤولين إيرانيين، والتي تحدثت عن حوار إيراني سعودي حول تسوية في البحرين، إلاّ أنّ تقدّم الحوثيين في اليمن، ووقوف طهران ضد التحالف الدولي، يجعل الكثيرين يتوقعون انتكاسة على هذا الصعيد، ولا سيما أن الخلاف قائم على ملف استراتيجي للغاية بالنسبة لطهران، وهو ذاك المتعلق بالأسد، وجلوس إيران للطاولة السعودية، يعني مراهنة على إيجاد تسوية وسطية، تتلاءم وخطاب الاعتدال الذي تتبنّاه الحكومة الحالية.