هل تنجح قمة الاتحاد الأوروبي بحلّ معضلة الهجرة؟

هل تنجح قمة الاتحاد الأوروبي بحلّ معضلة الهجرة؟

28 يونيو 2018
الخلافات تهدد بنسف الوحدة الأوروبية (بين ستانسال/ فرانس برس)
+ الخط -

تعقد القمة الأوروبية اليوم الخميس وغداً في بروكسل وسط أجواء تسودها قضايا حساسة مثل الهجرة والاقتصاد والأمن و"بريكست"، وسط تشكيك من اليمين الأوروبي بالوحدة الأوروبية، ومشاكل حكومية داخلية تعاني منها بريطانيا وألمانيا.

وقد جاءت أزمة "أكواريوس" ثم "لايفلاين"، من بين سفن أخرى، بقيت عالقة، أياماً، في مياه البحر الأبيض المتوسط دون أن يسمح لها على الفور بالرسو، لتكشف غياب سياسة أوروبية موحدة إزاء الهجرة، فاقَمَها وصول اليمين الشعبوي إلى السلطة في إيطاليا، والذي يتبنى إلى حد كبير مواقف دول أوروبية ترفض استقبال اللاجئين على أراضيها، ومن بينها بولونيا والمجر والنمسا، وأيضا تعيين وزير داخلية ألماني جديد، هورست زيهوفر، يعارض سياسات المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، المتسامحة مع المهاجرين واللاجئين.

ويأتي اجتماع المجلس الأوروبي خلال يومي الخميس والجمعة ليدرس من بين العديد من الملفات ملف الهجرة، الذي تختلف حوله مواقف الدول الأعضاء الثماني والعشرين، ويشكل أيضا مصدر جدل لدى الرأي العام في هذه البلدان.

معالجة "بريكست"
من جهتها، تشارك رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، في القمة مطالبة بتوضيح الموقف البريطاني في عدد من القضايا الحساسة في مفاوضات "بريكست"، وتبرير عدم وجود أي تقدم في المفاوضات منذ آخر اجتماع لها مع القادة الأوروبيين.

وستحاول ماي أن تشرح لنظرائها الأوروبيين في حفل عشاء مساء اليوم أسباب عدم امتلاك حكومتها حتى الآن موقفاً موحداً حول قضايا بريكست الرئيسية، مثل الاتحاد الجمركي والحدود الإيرلندية، رغم بقاء أربعة أشهر فقط على الموعد النهائي للاتفاق الأوروبي البريطاني.

ومع ذلك فإن قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا ترأس جدول أعمال القمة الأوروبية، بل تسبقها قضية الهجرة، التي عقدت لأجلها قمة مصغرة نهاية الأسبوع الماضي لإيجاد حلول لاعتراضات الحكومة الإيطالية اليمينية على سياسة الهجرة الأوروبية وفي محاولة من الحكومة الألمانية للحفاظ على وحدتها، بعد أن هدد شركاء ميركل البافاريون بإغلاق الحدود في وجه المهاجرين.

وقد أصرت الحكومة الإيطالية قبيل الاجتماع الأوروبي على التوزيع العادل للمهاجرين في القارة الأوروبية. وقال رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي يوم أمس أمام البرلمان الإيطالي وسط تصفيق من قبل أعضائه "من ينزل في إيطاليا، فهو يحط في أوروبا. شواطئ إيطاليا هي شواطئ أوروبية".

وتعهد رئيس الحكومة اليمينية الإيطالية والمعادية للمهاجرين بضمان أن تشهد القمة الأوروبية تعديلات كبرى على السياسة الأوروبية الخاصة بالهجرة. وأضاف "لا ينبغي أن تلزم أول دولة مستقبلة للمهاجرين بإجراء معاملات طلب اللجوء مكان جميع الدول الأخرى".

وتعارض إيطاليا اتفاقية دبلن والتي تلزم المهاجرين بطلب اللجوء في أول دولة تطؤها أقدامهم، وانتقدت جيرانها بتجاهل اتفاقية عام 2015 والتي خصصت حصصاً من المهاجرين للدول الأعضاء في الاتحاد. وينتظر ألا توقع إيطاليا على البيان الختامي إلا في حال تعهدت الدول الأخرى بفتح حدودها أمام المهاجرين العالقين في إيطاليا.

إلا أن مثل هذه الخطوة ستعقد من وضع الحكومة الفدرالية الألمانية، حيث تسعى ميركل لدفع القمة تجاه اتخاذ قرارات تتحكم بالهجرة وتحد منها، وهو ما تأمل ميركل أن يثبط من التمرد الذي يقوم به شركاؤها من التحالف البافاري والذي يهدد بالإطاحة بحكومتها.

وقال رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك، في رسالة مفتوحة قبيل القمة إن وجهات النظر المعادية للهجرة، والتي يتبناها السياسيون الشعبويون، تهدد بانتشار الأفكار المتطرفة في أوروبا. "المزيد من الأفراد يؤمنون بالسلطة القوية التي تمتلك نزعة مفتوحة تجاه الاستبداد وذات الروح المعادية لليبرالية ولأوروبا، ويعتقدون أنها قادرة على وقف أمواج الهجرة غير القانونية".

مسألة مصير للتكتل الأوروبي
وأقرت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، اليوم الخميس، بأنها لا تتوقع حصول اتفاق موحد في نزاع اللجوء عند انعقاد القمة في بروكسل، كما أن من الممكن أن تصبح قضية الهجرة مسألة مصير للتكتل الأوروبي.

واعتبرت ميركل في كلمتها أمام البوندستاغ أنه لن يتم التوصل بعد إلى حل شامل لأوروبا بشأن نزاع اللجوء، قبل أن تضيف: "لم نصل بعد إلى حيث نريد أن نكون"، رغم أن "عدد اللاجئين الوافدين أصبح أقل بالفعل لكنه غير مرض بعد".

وأبرزت المستشارة أنه في ورقة الهجرة المكونة من سبع نقاط المقرر مناقشتها مساء اليوم، هناك نقطتان مثيرتان للجدل، تتعلق الأولى بمسألة إجراءات اللجوء، من أجل تعديل المعايير في البلدان الأعضاء، فضلا عن توزيع اللاجئين بين الدول.

وشددت ميركل على أنه لا إمكانية لإيجاد حل من طرف واحد بل المطلوب حوار مع الشركاء، ويتعين أيضا الحديث مع الدول الأفريقية بشأن إعادة المهاجرين إلى أوطانهم، ويجب يكون الاتفاق مع تركيا نموذجا للعمل مع تلك الدول.

وبررت المستشارة موقفها بدعم النمسا والمجر في أزمة اللاجئين في سبتمبر/ أيلول من عام 2015 واستقبال بلادها لأعداد كبيرة من اللاجئين واصفة الوضع في حينها بالاستثنائي، وعليه لا يمكن وصف القرار حينها بأنه أحادي الجانب، قبل أن تضيف: "اليوم تغير الوضع، وبالنسبة لكافة التحديات العالمية على أوروبا أن تقدم الإجابة الأكثر تناسقا".

وفي معرض تعليقها على الموقف الأوروبي من قضية الهجرة، قالت النائبة عن حزب العمال في مجلس العموم البريطانية، ثانغام ديبونير، لـ"العربي الجديد": "يجتمع قادة الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع لمناقشة سياسة الهجرة. هذه فرصة لحماية عدد من أخطر الرحلات التي حصدت أرواح المئات من اللاجئين في السنوات القليلة الماضية".

وأضافت ديبونير، وهي رئيسة المجموعة البرلمانية للاجئين "يجب أن يخلق الاتحاد الأوروبي طريقاً آمناً وقانونياً للاجئين. كجزء من هذا الجهد، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يشكل مؤسسات تقوم بالتعامل مع طلبات إعادة التوطين في دول مثل لبنان والأردن. تعاني هذه الدول من ضغوط شديد وتستضيف الملايين من الأفراد في مخيمات لاجئين ضخمة وغالباً خطرة. في مثل هذه الحال، لا يفاجئنا أن يخاطر الناس بحياتهم في رحلة في الشاحنات أو القوارب بحثاً عن حياة أفضل في أوروبا".

وتابعت "يجب على الاتحاد الأوروبي مشاركة المسؤولية عن اللاجئين. ما هو المغزى من الاتحاد الأوروبي إن لم يتولّ المسؤولية المشتركة حيال الضعفاء؟ ولا يعني بريكست أن تقوم بريطانيا بالانسحاب من هذه المسؤولية. بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يجب أن تستمر في العمل عن قرب على السياسة الخاصة باللجوء. إننا نعيش أزمة لاجئين عالمية ولن نجد لها حلا بإغلاق الحدود وبناء الجدران".



معاهدة دبلن

وعلى رأس القضايا التي سيجهد القادة الأوروبيون أنفسَهم لإيجاد حل لها، بعد اعترافهم بلا جدواها، في الوقت الراهن، معاهدة دبلن، وقد أعلنوا في اجتماعهم بديسمبر/ كانون الأول الماضي عن كونها هدفا للحل في هذه القمة.

وسيحاول القادة الأوروبيون الانكباب على هذه القضية أثناء عشاء الليلة، عبر تحديد أماكن إقلاع السفن والمراكب، في أفق الحد من مآسي هؤلاء المهاجرين في مواجهة أهوال البحر والغرق، من أجل الوصول إلى كسر تجارة البشر والمافيا التي تقف وراءها وتستغلها، وهو ما يمكن أن يؤدي، في النهاية، إلى ثني هؤلاء المتاجرين وأيضا ثني المرشحين للهجرة عن السفر. وهنا يرى بعض المتفائلين من أنصار إعادة المهاجرين إلى الأماكن التي أبحروا منها، أن "إعادة بعض القوارب بمن فيها إلى أمكنة إقلاعها سينزع رغبة السفر من نفوس المتاجرين بهؤلاء المهاجرين وينزع أيضاً حججهم".

لكن هذا الحل، الذي يدافع عنه الكثير من قادة اليمين الأوروبي، يمكن أن ينظر إليه باعتباره ينتهك مبدأين أساسيين: فقد يعتبره الكثيرون طريقة أوروبية للتهرب من مسؤولياتها، كما أنه يتعارض مع القوانين الدولية ومع معاهدات الحقوق الإنسانية.

ويقترح البعض وضع معسكرات مغلقة من أجل "تأمين فرز اللاجئين الحقيقيين من المهاجرين الاقتصاديين".

ولكن أين ستوضع هذه المعسكرات؟ في دول الاتحاد الأوروبي، أم خارج أوروبا، أي في ليبيا وبعض الدول الأفريقية؟ وهذا ما سيكون موضوع نقاش حاد بين القادة الأوروبيين، حيث تتميز مواقف دول أوروبا الشرقية، وخاصة المجر، بالتطرف، وتقترح أن تقام خارج أوروبا، حتى "لا تشجع المزيد من المهاجرين على القدوم"، فيما لا ترى دول غرب أوروبا، كفرنسا وإسبانيا، مانعا من إقامتها على الشواطئ الأوروبية. ومن أجل شفافية أكبر سيعهد إلى "المفوضية السامية لشؤون اللاجئين" وإلى "المكتب الدولي للهجرة" بالإشراف على مثل هذه المعسكرات، وإن كان هذا الأخير مترددا في قبول هذا العرض.

هل يمكن تعديل معاهدة دبلن؟
منذ سنتين ارتفعت أصواتٌ أوروبية تطالب بتعديل معاهدة دبلن، كما لم تتوقف القيادة الجديدة في إيطاليا عن مطالبتها بذلك، وهو مطلبٌ تفهمه الرئيس الفرنسي، فرنسوا ماكرون، أثناء استقباله لرئيس الحكومة الإيطالي الجديد جوزيبي كونتي في باريس. ولكن اختلافات المواقف بين دول غرب وشرق أوروبا حول القضية، لن تسمح، على الأرجح، بتعديلها، في هذا اللقاء، وهو ما سيدفع إيطاليا مدعومة بمواقف دول شرق أوروبا، للمراهنة على تسريع إنشاء معسكرات لتجميع المهاجرين وانتقاء من يمكنه الحصول على اللجوء في أوروبا من بينهم، وإعادة من لا يحق لهم ذلك إلى بلدانهم الأصلية.

وهنا لم يعلن أي بلد أفريقي بعدُ عن تجاوبه مع الطلب، وكانت الجزائر سبّاقة إلى رفضها المبدئي لهذه المطالب التي تنتهك سيادة الدول.

مهاجرون لا يرغب فيهم أحد:
يكرر القادة الأوروبيون أنهم ليسوا قادرين على استقبال هجرات كثيفة، كما حدث سنة 2015، وسارع ماكرون للتأكيد على هذه الحقيقة، وإن كان يصرّ على وجوب التمييز بين اللجوء والهجرة، وهو اسمُ مشروع القانون الذي يريد تمريره في البرلمان الفرنسي، والذي تعتبره المنظمات الحقوقية والإنسانية والطبية الفرنسية والدولية مشروع قانون بالغ التشدد والقسوة.

ولم يكن مستغربا تصريح الرئيس الفرنسي، المتماهي مع مواقف اليمين الإيطالي والفاشي، المنتقد لسفينة الإنقاذ الألمانية "لايفلاين"، والذي لم يتردد في اتهامها بخدمة مُهرّبي البشر، بشكل غير مباشر، ودان انتهاكها للقوانين الدولية. وهو موقف إضافي يكشف المتاعب التي تعاني منها المنظمات غير الحكومية التي تقدم المساعدة للمهاجرين المعرضين للغرق في البحر المتوسط.

وكان المتحدث باسم الحكومة الفرنسية، بنجامان غريفو، صريحاً، حين أيّد تصريح ماكرون حول تجاوز السفينة الألمانية للقوانين الدولية، دون أن يقفز على عمل هذه الجمعيات الإغاثي الذي يثير الإعجاب، وحين تحدَّث عن تواجد مهاجرين جزائريين في سفينة "أكواريوس"، وهو ما يعني في نظره أنهم "مهاجرون اقتصاديون" لن تقبل دول أوروبا باستقبالهم. وهو ما يشي، مسبقاً، بأن عمليات الفرز التي ستجري بين المهاجرين ستكون قاسية وصارمة.

*شارك في التغطية: شادي عاكوم، إياد حميد، محمد المزديوي